دراسة للدكتور سليم محمد الزعنون

الخلافة في تنظيم القاعدة.. منظور لما بعد الظواهري

سليم محمد الزعنون
حجم الخط

أبو ظبي - وكالة خبر

مـقـدمـة:

أعلنت الإدارة الأمريكية في 1 أغسطس 2022 مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري [1]، ومن غير المرجح أن يُشكل ذلك نهاية التنظيم، على اعتبار أن القضاء على جماعة متطرفة ماديًا لا يُنقص من أيديولوجيتها أو يغير الظروف الأساسية التي سمحت لها بالحصول على الزخم[2]، من جانب آخر، فقد تمكنت التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها تنظيم القاعدة من التأقلم مع خسارة قياداتها، ومن ثم فإن عمليات القتل المستهدف لن تنهي التنظيمات المتطرفة أو تضعفها بشكل حاسم [3]، ولذلك فإن مقتل الظواهري يُشكل ضربة قوية لتنظيم القاعدة، ولكنها ليس قاتلة.

ومع غياب الظواهري طفت على السطح قضية الخلافة، خاصة وأن التنظيم لم يعلن- على الرغم من مرور أكثر من شهرين على إعلان مقتل الظواهري- عن الزعيم الجديد، وفيما يُفسر البعض ذلك على أنه مؤشّر إلى وجود أزمة خلافة داخلية، ويعتقد آخرون أنه مؤشر إلى نهاية حقبة تنظيم القاعدة كمنظمة إرهابية رئيسية [4].

قليل من الدراسات الأكاديمية، والكثير من المقالات، التي تعرضت للخليفة المحتمل لأيمن الظواهري، وتقتصر جميعها على أربعة مرشحين محتملين؛ سيف العدل، وأبو إخلاص المصري، وعبد الرحمن المغربي، وأمين محمد الحق صام خان، وترجح سيف العدل كخليفة محتمل لقيادة للتنظيم، استنادًا إلى مكانته داخل التنظيم، وخبرته كقائد عسكري واستخباراتي وأمني ومخطط [5].

 تعكس هذه الأوراق، قدر الأهمية التي اكتسبها موضوع الخلافة في تنظيم القاعدة، غير أن جُلّ هذه الأوراق، تناول موضوع الخلافة، دون الاستناد إلى إطار نظري للتفسير، أو منهج للاقتراب من الظاهرة وتحليلها، فأهملت التعقيدات المركبة التي يمر بها تنظيم القاعدة في الوقت الراهن، والتي قد تلعب دورًا حاسمًا في اختيار القائد الجديد، نظرًا إلى ذلك، تهدف هذه الدراسة إلى محاولة تقديم إطار لفهم كيفية اختيار القيادة الجديدة في ضوء التعقيدات، والتحديات التي تواجه التنظيم، بالاستفادة من مختلف الأوراق السابقة، ومحاولة استكمال ما تجاوزته من ضرورة ربط اختيار القيادة بإطار نظري تحليلي، يؤدي إلى الوصول إلى نتائج محتملة.

وفقًا لهذا المنظور تستخدم الدراسة نظرية Bacon and Grimm الخاصة بتعاقب قيادة المجموعة الإرهابية، وكيف يستجيب التنظيم لفقدان القائد، اعتمادًا على مجموعة متنوعة من العوامل وهي: رؤية القائد المؤسس، الإجابة عن تساؤلات (لماذا) التأطير، و(كيف) التكتيكات وتعبئة الموارد، وتفاعل هذه العوامل ينتج خمسة أنواع من القيادة[6]، مع إضافة التحديات الراهنة كعامل رابع في التحليل.

تحاول هذه الورقة التعرف على الخلافة في تنظيم القاعدة، بالنظر إلى ما بعد الظواهري، من خلال دراسة أربعة محاور رئيسية: الأول يتناول مجموعة المرشحين المحتملين لقيادة التنظيم، فيما يسعى المحور الثاني إلى وضع إطار نظري لفهم اختيار القيادة، بينما يركز المحور الثالث على تطبيق نظرية Bacon and Grimm على تنظيم القاعدة، ويحلل المحور الرابع اتجاهات القيادة المحتملة في تنظيم القاعدة.

أولًا: المُرشحون المحتملون:

توجد حالة من الجدل داخل التنظيم حول من سيخلف الظواهري، وتجري المنافسة حول أربعة من القيادات المخضرمة للتنظيم. اثنان منهم يحملان الجنسية المصرية هما سيف العدل، وأبو إخلاص المصري، وواحد مغربي الجنسية هو عبد الرحمن المغربي، والآخر أفغاني وهو أمين محمد الحق خان[7]، وفيما يلي عرض مختصر لهؤلاء المرشحين.

1-سيف العدل:

اسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، واسمه الحرَكي سيف العدل، ولد في مصر في مدينة “شبين الكوم”، حصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة محلية، ثم التحق بالجيش المصري، وتخصص في القفز بالمظلات، وفي أواسط ثمانينات القرن الماضي وصل إلى رتبة عقيد في القوات الخاصة المصرية، وكان ناشطًا في صفوف الجماعات الإسلامية المتطرفة المناهضة لحكم الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وفي 6 مايو 1987 تعرض وزير الداخلية المصري حسن أبو باشا لمحاولة اغتيال، فشنّت السلطات المصرية حملة اعتقالات واسعة، ألقي القبض خلالها على ستة آلاف من المتطرفين وكان من بينهم سيف العدل، وأطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة ضده، لكن تم تسريحه من الجيش [8].

انتقل سيف العدل للعمل في السعودية وهناك تعرف على أسامة بن لادن، وانخرط في الجهاد الأفغاني، مستفيدًا بشكل فعال من خلفيته العسكرية، ثم تدرج في العديد من المناصب داخل التنظيم. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 كان سيف العدل من بين مجموعة من نشطاء “القاعدة” الذين فروا من أفغانستان إلى إيران، حيث عاش هناك سواء كان معتقلًا أو تحت أشكال مختلفة من الإقامة الجبرية، وفيما تعددت الروايات بشأن مكان وجوده [9]، فمن المرجح أنه ما زال موجودًا في إيران، فقد انتشرت خلال شهر سبتمبر 2022، صورة التُقطت لثلاثة من كبار قادة “القاعدة”، بمن فيهم سيف العدل في عام 2015، أثناء وجودهم في إيران، وقد أكد مسؤولان في الاستخبارات الأمريكية صحة تلك الصورة، وهوية الرجال الثلاثة[10].

يعتبر سيف العدل، الأكثر موثوقية عند بن لادن، وبحلول عشية 11 سبتمبر 2001، كان سيف العدل فعليًا في المرتبة الرابعة في القيادة خلف بن لادن والظواهري وأبو حفص المصري، والآن يعتبر الوحيد المتبقي على قيد الحياة من بين هذه المجموعة، وقد وضعت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار على رأسه زادت فيما بعد من قيمتها إلى 10 ملايين دولار، لدوره في قتل 224 شخصًا في تفجيرات سفارتي نيروبي ودار السلام 1998 [11].

2- أبو إخلاص المصري:

درس الهندسة في إحدى الجامعات المصرية، وكان ناشطًا في جماعة الجهاد الإسلامية، واستمر وأعضاء مجموعته في تشكيل العنصر “المصري” في تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري[12]، وقد أمضى أكثر من 30 عامًا في أفغانستان بمحافظة كونار، وتزوج من القبائل المحلية، ويحتفظ بشبكة علاقات واسعة هناك بسبب صِلاته الوثيقة بالقبائل، وشغل في أوائل عام 2008 منصب قائد عمليات في محافظة كونار، وقد ألقت العمليات الخاصة التابعة لقوات التحالف الدولي وفِرَق العمليات الخاصة الأفغانية القبض عليه في ديسمبر 2010[13]. ويعتبر الأمير الأول لتنظيم القاعدة في أفغانستان، وقد تم الإفراج عنه بعد سيطرة طالبان على كابول في صيف 2021، ويستدعي الإفراج عنه عودة الوجود السابق لتنظيم القاعدة في كونار بمساعدة القيادي في التنظيم عبد الحكيم المصري[14].

3- عبدالرحمن المغربي:

اسمه الحقيقي محمد آباتي، واسمه الحركي عبدالرحمن المغربي. ولد في عام 1970 في مدينة مراكش (وسط المغرب)، وغادرها عام 1996 لدراسة البرمجيات في مدينة كولونيا الألمانية، وفي عام 1999 غادر إلى أفغانستان، وتدرب في معسكر الفاروق قرب قندهار، ووفرت مهاراته في البرمجيات والكمبيوتر له رصيدًا كبيرًا داخل اللجنة الإعلامية للتنظيم. بعد سقوط أفغانستان في عام 2001، فر إلى إيران، وعاد إلى باكستان في عام 2003 [15].

كان المغربي مقربًا جدًا من أيمن الظواهري حتى قبل زواجه من ابنته؛ فقد كان مخزنًا لأسراره، حتى تولى منصب مسؤول الاتصالات الخارجية للتنظيم والتنسيق مع جهات خارجية، واختفى عن الأنظار منذ الإعلان الكاذب عن مقتله في غارة أمريكية في العام 2006 في وزيرستان. كما كان أحد ثلاثة فقط لديهم إمكانية الاطلاع على مضمون الرسائل الخاصة بأسامة بن لادن، رفقة مصطفى أبو اليزيد وعطية الليبي، وأضحت لديه سلطة توجيه فروع القاعدة حول العالم وإرسال الرسائل التي يريدها إليهم [16]، وقد يتولى زمام الأمور، بسبب الروابط العائلية مع الظواهري، فضلًا عن خبرته في إدارة وسائل الإعلام الخاصة بالتنظيم.

4- أمين محمد الحق صام خان:

ولد عام 1960 في أفغانستان بمحافظة ننجرهار، عمل طبيبًا، وحارب القوات السوفيتية خلال ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان [17]، وعمل الحارس الشخصي، والمنسق الأمني ​​للحرس الخاص، ووحدة النخبة المسؤولة عن حماية أسامة بن لادن، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 جمّدت إدارة بوش جميع ممتلكاته[18]. حيث كان واحدًا من بين 39 شخصًا تم تحديدهم في البداية على أنهم مرتبطون بهجمات 11 سبتمبر [19]، وكان قد تم في يناير 2001 وضعه على قائمة الإرهاب، على أنه مرتبط بتنظيم القاعدة والمشاركة في التمويل والتخطيط والتيسير، وتوريد أو بيع أو نقل الأسلحة والعتاد للتنظيم[20]، وتم اعتقاله في باكستان عام 2008، وأطلق سراحه عام 2011 بحجة عدم كفاية الأدلة[21]، في أغسطس 2021 أفرجت عنه طالبان عندما دخلت كابول [22].

ثانيًا: إطـار لـفـهـم اخـتـيـار الـقـيـادة:

يُعتبر مؤسس التنظيم ذا أهمية خاصة، نظرًا إلى أهميته في إنشاء إطار المجموعة، وهياكلها، وتكتيكاتها، وتعبئة الموارد، ووضع أساس يعمل من خلاله الخلفاء [23]، حيث يلعب القائد المؤسس دورًا مهمًا في وضع خطط لتعاقب القيادة. وعندما يتم وضع مثل هذه الخطط بشكل جيد وبشكل متزامن مع أهداف تنظيمية أوسع، يتحول تعاقب القيادة من حدث فريد ومضطرب بطبيعته إلى روتين يمكن أن يعزز مصداقية القائد الجديد، ويساعد التعاقب الروتيني بدوره على ضمان ليس فقط بقاء التنظيم على قيد الحياة، ولكن أيضًا مرونته في متابعة أهدافها بمرور الوقت [24].

 ويتأثر القائد الجديد بالأسس التي وضعها المؤسس، ويعتمد عليها بشكل كبير، ويقرر فيما بعد وفقًا للمتغيرات إذا ما أراد إدخال تغييرات تدريجية تتكيف مع الأهداف والوسائل الأساسية للتنظيم، أو إجراء تغيير جذري لتأطير المجموعة لمهمتها، أو تكتيكاتها، أو الطريقة التي تحشد بها الموارد، وهذا لا يعني رفضه للمؤسس، ولكنه يقوم بخطوات ينتج عنها تغيير في عمل المنظمة [25]. ووفقًا لهذا المنظور، أدخل أيمن الظواهري، عند تولي قيادة تنظيم القاعدة بعد أسامة بن لادن، العديد من التغييرات المهمة كتوسيع انتشار التنظيم، وطريقة عمله [26].

نظرًا إلى ذلك، تُحدد نظرية Bacon and Grimm الخاصة بتعاقب قيادة المجموعة الإرهابية، كيف يستجيب التنظيم لفقدان القائد، اعتمادًا على مجموعة متنوعة من العوامل، وتقوم هذه النظرية على أربع لبنات أساسية هي [27]:

الأولى: رؤية القائد المؤسس، وما إذا كان الخلفاء يفضلون التغيير التدريجي أو المتقطع.

الثانية: الإجابة عن تساؤلين رئيسيين: أولهما: لماذا؟ بوصفها عملية التأطير، بحيث يُجيب عما يسعى التنظيم إلى تحقيقه، وعن سبب وجود الجماعة؟، وهو ما يظهر في الخطابة والتنظير، ووسائل الدعاية والترويج. وثانيهما: كيف؟ ويشير إلى التكتيكات وتعبئة الموارد، التي يختارها التنظيم لتحقيق الأهداف؛ هل هي العنف، أم عدم العنف، أم مزيج من الاثنين.

الثالثة: نوعية القيادة: تنتج عن تفاعل التساؤلات (لماذا وكيف) تغيير في القيادة، وتؤدي إلى خمسة أنواع من القيادات، حيث تتم مطابقة أنواع القادة مع التغييرات في التأطير (لماذا)، والتغييرات في التكتيكات وتعبئة الموارد (كيف) وهذه الأنواع هي كالتالي [28]:

4.png

ويمكن توضيح هذه الأنواع من القيادة فيما يلي:

  1. القائم بالأعمال/راعيًا: عندما يسعى الخلف إلى مواصلة مسار المؤسس في التأطير والتكتيكات وتعبئة الموارد.
  2. المُشير: يقوم بإجراء تغييرات متقطعة على التأطير، كالخطاب والدعاية والرسائل المستخدمة لشرح سبب وجود التنظيم.
  3. المُصلح: يشرف على التغييرات المتقطعة للتكتيكات وتعبئة الموارد، والتي تمثل كيفية قيام التنظيم بأعماله.
  4. صاحب الرؤية: يقوم بتغييرات متقطعة لكل من التأطير والتكتيكات وتعبئة الموارد، (لماذا وكيف) معًا.
  5. القائد الصوري/الشكلي: عندما لا يختار القائد الجديد التغيير أو الاستمرارية بفاعلية، فهو غير راغب أو غير قادر على اتخاذ القرارات الرئيسية للتنظيم.

الرابعة: المتغيرات الراهنة: يمكن إضافة المتغيرات الراهنة، كمتغير رابع على النظرية، لضرورات التفسير الواقعي، حيث يواجه تنظيم القاعدة اليوم مشهدًا مختلفًا، وتحديات جديدة، مع تطور تقنيات مكافحة الإرهاب [29]، وعودة حركة طالبان للحكم وسعيها لاكتساب الاعتراف الدولي، ومواقفها الظاهرية من قطع العلاقات مع “القاعدة” [30]، وتقليل التواصل معه إلى أدنى حد من أجل عدم تعريض موقفها الدبلوماسي للخطر [31]، بالإضافة إلى وجود تنظيم داعش خراسان في أفغانستان ومحاولته ترسيخ وجوده وإعادة تجميع صفوفه هناك، وبناءً على تقرير الأمم المتحدة، تضاعف عدد أعضائه هناك منذ أغسطس 2021 [32].

ثالثًا: تطبيق نظرية Bacon and Grimm على تنظيم القاعدة:

1-(لماذا) التأطير:

واجه تنظيم القاعدة خلال العقد الماضي ضعفًا شديدًا في عملية التأطير، بوصفها الخطاب والرسائل والدعاية المستخدمة لشرح سبب وجود التنظيم، وأهدافه، وآليات التنفيذ، حيث تكلس عند وسائل الخطابة والدعاية والرسائل التقليدية القديمة، دون القدرة على مواكبة التطورات الميدانية والتكنولوجية، ويبدو ذلك واضحًا عند المقارنة مع تنظيم “داعش”، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما يلي:

أ-الخطاب والرسالة: استمر تنظيم القاعدة بخطاب تقليدي من خلال خطب طويلة مصورة بطريقة تقليدية، يُقدم الخطيب نفسه من خلالها بعبارات أكثر مثالية تقنع أتباعه المحتملين بالتلقين الديني وبالتالي التزامهم بالجهاد، فقد صاغ التنظيم عَرضه للمجندين المحتملين بعبارات أكثر ارتباطًا على أنه يفعل الشيء الصحيح، بينما تبنى تنظيم “داعش” خطابًا يسعى إلى تحفيز المتعاطفين المُحتملين أكثر من الإقناع من خلال اللقطات الدعائية التي تصور المعارك المسلحة، وجذبهم من خلال إظهار القوة التي يدَّعي أنه يمتلكها[33]، كما لم يتمكن خطاب القاعدة ورسالتها من الحفاظ على وحدة التنظيم، والمنتسبين له، أو منع الصراع العنيف بين فروعها، وهو ما أدى على سبيل المثال إلى خروج أبو مصعب الزرقاوي وتأسيس تنظيم داعش، الذي انضمت إليه بعض أفرع التنظيم[34].

وبالرغم من أن تنظيم القاعدة يدعم نظرية الخلافة على المدى البعيد، إلا أنه لم يُقدم شيئًا مقنعًا لمنتسبيه حول آليات التنفيذ، ولم يُبدِ أبدًا اهتمامًا كبيرًا بالاستيلاء على الأراضي أو السيطرة عليها من أجل إقامة دولة إسلامية، على الرغم من حقيقة أن القيام بذلك هو أحد أهدافه المعلنَة، ووفقًا لمفهوم التنظيم تستخدم الأرض (أفغانستان) بوصفها ملاذه الآمن للتخطيط لهجمات ودعم الجهاديين في معاركهم ضد أنظمة المنطقة، في المقابل كانت استراتيجية تنظيم داعش السيطرة على الأرض، وتعزيز موقعه وتوسيعه بثبات، لإنشاء دولة وحكومة ليتمكن المسلمون من العيش في ظل الشريعة الإسلامية، وقد شكل ذلك أكثر جاذبية وإلهام للمنتسبين والأتباع المحتملين[35].

ب- الدعاية: توجد فجوة أجيال بين استراتيجية تنظيم القاعدة واستراتيجية تنظيم داعش من حيث الدعاية والإعلان والترويج، فقد واصلت القاعدة الاعتماد بشكل كبير على منصات الإنترنت القديمة، مثل مواقع الويب والمنتديات بدلًا من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة[36]، وحاول التنظيم مواكبة التطورات التكنولوجية، لكنه ما يزال ينتج أشكالًا من نفس المحتوى القديم الذي كان ينشره منذ عام 2001، مقاطع فيديو طويلة تظهر كبار منظري القاعدة يتأملون في جوانب مختلفة من الجهاد ويقتبسون على نطاق واسع من القرآن، في المقابل تمكن تنظيم داعش من الصعود السريع وجذب عشرات الآلاف من الشباب والنساء، بفضل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي Twitter Facebook, Instagram, Telegram, لنشر دعايته بين صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18و35 عامًا، ما أدى بالنتيجة إلى ظهور فجوة بين الأجيال، حيث أن قادة تنظيم داعش وأعضاؤه هم جيل أصغر من جيل القاعدة (يُعتقد أن البغدادي كان يبلغ من العمر حوالي 43 عامًا، في حين أن الظواهري كان يبلغ من العمر 63 عامًا) [37]. إضافة إلى ذلك، طور تنظيم داعش الآليات والتقنيات المستخدمة في الدعاية، حيث استخدم الطائرات بدون طيار كعنصر مهم في آلة الإعلام الدعائية، لتصوير العمليات وتوثيقها من أجل نشر الصور والفيديو عبر القنوات الإعلامية [38].

2-(كيف) التكتيكات وتعبئة الموارد:

على صعيد التكتيكات وتعبئة الموارد، ارتكب تنظيم القاعدة أخطاء كارثية، أدت إلى التفكك النسبي للتنظيم، وعدم الحفاظ على وحدته، وبعد حرب العراق كانت نواة التنظيم ضعيفة وطاردة، وبالرغم من مبايعة أبو مصعب الزرقاوي لأسامة بن لادن وإعلان قيام “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” في عام 2004، فإن مقتل الزرقاوي عام 2006، وتغيير الاسم إلى “الدولة الإسلامية في العراق” ثم إعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في عام 2013، قد أبرز الخلافات بين التنظيمين حول الرؤية الأساسية والأهداف، حيث تركز القاعدة على محاربة العدو البعيد أولًا (الولايات المتحدة)، بينما يركز داعش على محاربة العدو القريب (الحرب الطائفية، والهجمات على السنة المرتدين المتعاونين مع النظام الشيعي) باستخدام تكتيكات وحشية، الأمر الذي ترك أثرًا كارثيًا على تنظيم القاعدة حيث أدى إلى تلطيخ القضية الجهادية ككل[39].

على الرغم من ذلك، لم يتمكن تنظيم القاعدة من إلزام تنظيم داعش بالولاء والرؤية العامة له، وبدلًا من تسوية الخلافات، ارتكب الظواهري خطأً آخر في التكتيكات، إذ أسس تنظيم جبهة النصرة في سوريا ودعمه كتنظيم موازٍ لتنظيم داعش، وأعلنها باعتبارها الفرع الرسمي للقاعدة في سوريا، وهي الخطوة التي أدت إلى اشتباكات واسعة بين الطرفين قُتل فيها حوالي 4000 مقاتل من كلا المجموعتين، وفي فبراير 2014 تنصَّل الظواهري علنًا من جماعة البغدادي مُنهيًا انتماءهم رسميًا للقاعدة، أدى ذلك إلى انقسام التنظيم، بإعلان عدد من الجماعات الجهادية، وعبر بعض أعضاء الجماعات الرسمية التابعة للقاعدة علنًا عن ولائهم لتنظيم “داعش”[40]. في الوقت الراهن ابتعدت العديد من التنظيمات المتطرفة، حتى تلك التي تحمل اسم القاعدة مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، عن الرؤية العالمية للتنظيم، والاتجاه نحو الرؤية المحلية، في مسعى لنشر القضية الجهادية في اليمن والمغرب العربي وأجزاء أخرى من العالم، وهم متورطون بعمق في حروب أهلية مريرة في هذه المناطق [41].

استمر تنظيم القاعدة في استخدام تكتيكات القتال التقليدي لتحقيق الأهداف، فهو يُفضل التخطيط لشن هجمات دراماتيكية واسعة النطاق ضد أهداف استراتيجية أو رمزية، مثل الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاجون في 11 سبتمبر، وتفجيرات 1998 لسفارتيْ الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، والهجوم على المدمرة “يو إس إس كول” في ميناء عدن عام 2000، في محاولات لإقناع الولايات المتحدة بالانسحاب من العالم الإسلامي. في المقابل كان تنظيم داعش أكثر نجاحًا في تحقيق الأهداف مما كانت عليه “القاعدة”. وتمثلت استراتيجيته في السيطرة على الأرض، ونشر القوات والمدفعية والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي أثناء اقتحام مناطق جديدة أو الدفاع عن مناطق تحت سيطرته، وتعزيز موقعه وتوسيعه بثبات كجزء من الحرب الثورية [42]. إلى جانب ذلك، أدخل داعش تكتيكات حديثة في سياق المعارك، بهدف إظهار القدرة الهجومية والسيطرة على الأرض. فاستخدم طائرات بدون طيار بنجاح كوسيلة لجمع المعلومات الاستخبارية، بحلول عام 2016 لأغراض هجومية، حيث استخدم طائرات بدون طيار مسلحة في العمليات الهجومية ضد قوات البشمركَة الكردية، والجيش العراقي في الموصل، ولاحقًا عام 2017 في المعارك شرق سوريا ضد مواقع الجيش السوري [43].

وتحت قيادة الظواهري، أظهر تنظيم القاعدة ضعفًا تشغيليًا كبيرًا. أحد الأسباب يرجع إلى قضائه كامل فترة قيادته في الاختباء، وغالبًا ما كان غير قادر على التواصل مع التنظيم في الخارج [44]، ودعا منذ فترة طويلة إلى العزلة وشجع القادة على الاختباء في المخابئ تحت الأرض [45]، بما انعكس على الجانب العملياتي للتنظيم، ذلك أنه لم يشن أي هجمات إرهابية كبيرة على الولايات المتحدة وأوروبا لسنوات عديدة على الرغم من التركيز الخطابي المستمر على الغرب، باستثناء عملية تمت بإلهام من التنظيم قُتل خلالها ثلاثة بحارة أمريكيين في قاعدة بحرية أمريكية في فلوريدا في ديسمبر 2019 [46]. وإلى جانب ذلك، كانت آخر العمليات الكبرى في 7 يناير على الصحيفة الساخرة Charlie Hebdo في باريس [47].

3- تفاعل بين التساؤلات ورؤية القائد المؤسس:

أنتج التفاعل بين (لماذا) التأطير، و(كيف) التكتيكات وتعبئة الموارد، نوع القيادة في مرحلة ما بعد القائد المؤسس (بن لادن)، حيث مثل الظواهري خلال فترة زعامته للتنظيم النوع الأول من أنواع القيادة وفقًا لنظرية Bacon and Grimm، قائمًا بالأعمال/ راعيًا[48]، وأقرب إلى أن يكون راعيًا للتنظيم يقدم التوجيه الاستراتيجي في المقام الأول[49]، مع أنه المحافظ على إرث المؤسس، وقد كان لمهاراته التنظيمية وحذره دور مهم في بقاء التنظيم، من خلال إدخال تغييرات تدريجية مهمة، كإنشاء فروع جديدة، وإعطائها مزيدًا من الصلاحيات، والحفاظ على ولاء المنتسبين الرئيسيين، وإقناع الحلفاء الرئيسيين بالتركيز على الفكرة الرئيسية للتنظيم، ومحاربة العدو البعيد (الولايات المتحدة)[50]. بيد أن تحليل التساؤلات يشير إلى أن التنظيم شهد خلال فترة قيادته حالة من التكلس والجمود في التأطير (لماذا)، والتكتيكات وتعبئة الموارد (كيف)، أدت إلى ركود التنظيم، وتراجع مكانة التنظيمية كطليعة للحركة الجهادية العالمية.

وبالنظر إلى أنه لم يكن يمتلك نفس قدرات المؤسس أسامة بن لادن، ويفتقر إلى الكاريزما كقائد [51]، ارتكب الظواهري أخطاءً كان من غير المرجح أن يرتكبها بن لادن، كما أنه لم يكن -على عكس بن لادن- قائدًا تكتيكيًا، حيث لم يتم شن هجمات كبيرة على هدف غربي منذ عام 2015، ودعا إلى العزلة وشجع القادة على الاختباء في مخابئ تحت الأرض[52]، وأيضًا لم يكن قائدًا عملياتيًا، حيث أصدر تعليماته للمنتسبين للتنظيم بعدم تنفيذ هجمات في الخارج، مما قلل من ظهور القاعدة عمليًا في المسارح الدولية[53].

رابعًا: اتجاهات الخليفة المحتمل:

عند النظر إلى التجربة التاريخية لتنظيم القاعدة في اختيار القيادة، يتضح أن لديه خططًا بيروقراطية للخلافة، ذلك أنه كان يتم تعيين نائب الزعيم الجديد سلفًا بناءً على اجتماع مجلس الشورى، لذلك؛ كان الظواهري الخليفة الواضح لأسامة بن لادن[54]. لكن في الوقت الحالي، يبدو أنه ليس لدى التنظيم خطة خلافة راسخة لتسهيل الانتقال الثاني للقيادة بشكل منظم، وإن كان كبار أعضاء “لجنة حطين” التابعة للتنظيم، التي تحكم عملية القيادة وتنسقها، سيلعبون دورًا مهمًا في هذه العملية [55].

ووفقًا لمنظور نظرية Bacon and Grimm الخاصة بتعاقب القيادة داخل التنظيمات الإرهابية، والضغوط التي يتعرض لها التنظيم في هذه المرحلة[56]، والتي قد تدفعه للعمل من أجل البقاء والاستمرار، فإن اختيار قيادة التنظيم الجديدة قد تعكس فهمه لهذه الضغوط، حيث يتطلع إلى شخص قادر على التعامل مع التطورات الراهنة، ومواجهة حالة الضعف في التأطير(لماذا)، والتكتيكات (كيف)، والانحراف عن رؤية القائد المؤسس خلال مرحلة الظواهري، وهو ما دفع العديد من الأعضاء للمطالبة بوجود قائد صاحب اتجاه جديد[57]، إذ يحتاج التنظيم إلى بن لادن آخر، صاحب رؤية كاريزمية قادر على إعادة تنشيطه وإعادته لمشروعه [58]، وهو النوع الرابع من القيادة وفقًا للنظرية الخاصة بتعاقب القيادة، شخصية صاحبة رؤية، تقوم بتغييرات متدرجة لكل من التأطير والتكتيكات وتعبئة الموارد (لماذا وكيف) معًا، والاتساق مع رؤية القائد المؤسس، ومواجهة التحديات الراهنة.

ومن ترجيح الخليفة المُحتمل لقيادة التنظيم، سيتم إسقاط فرضيات نظرية Bacon and Grimm على القيادات الأربعة المرشحة، سيف العدل، أبو إخلاص المصري، عبد الرحمن المغربي، أمين محمد الحق صام خان.

– سيف العدل: يعتبر الشخصية التالية لتولي القيادة، وبحكم خبرته العسكرية والاستخباراتية من الممكن أن يكون عامل إصلاح، ويُدخل بعض التغير في التكتيكات وتعبئة الموارد (كيف)، ومع ذلك، وفقًا لسيرته الذاتية، فإنه يفضل تاريخيًا أن يظل بعيدًا عن الأضواء، لذلك إن أصبح خليفة سيمثل النوع الخامس من القيادة كرئيس صوري/شكلي على صعيد التأطير (لماذا) والتكتيكات وتعبئة الموارد (كيف) وفقًا لنظرية Bacon and Grimm [59].

بيد أنّ وجوده في إيران يجعل توليه الخلافة أمرًا معقدًا للغاية، ويخلق تساؤلات كبيرة حول الشرعية إذا تولى القيادة [60]، ذلك أن وجوده طوال فترة طويلة في إيران، أفقده دعم الجيل الجديد في التنظيم والأعضاء المناهضين للشيعة [61]. وفي هذا الصدد، وعلى مدار العقد الماضي، شكك أعضاء كبار في التنظيم في مصداقية التعليمات الواردة منه نظرًا لموقعه في إيران، ومن ثم فإنه إذا أصبح القائد الجديد، فمن شبه المؤكد أن يبدأ منتسبو التنظيم في العمل على استقلالهم التنظيمي بشكل أكبر[62].

-عبد الرحمن المغربي: بحكم خبرته في البرمجيات من الممكن أن يكون عامل إصلاح، ويُدخل تغيرًا متدرجًا في جانب التأطير (لماذا) في جزئية الدعاية والإعلان والترويج، فيمثل النوع الثالث من أنواع القيادة “المُصلح” وفقًا لنظرية Bacon and Grimm، ومع ذلك يواجه نفس التحديات التي يواجها سيف العدل، بالنظر إلى إقامته الطويلة في إيران، فإنه يواجه معضلة الشرعية، وبالتالي تأثيره على كبار قادة القاعدة، وقدرته على إدارة عملية خلافة دقيقة ستكون محل شك [63].

-أبو إخلاص المصري: ليس جزءًا من القيادة التاريخية لتنظيم القاعدة، ويتمركز أيضًا خارج منطقة أفغانستان وباكستان، مما قد يخلق مشاكل أخرى فيما يتعلق بعامل الشرعية [64].

-أمين محمد الحق صام خان: قد يكون خيارًا مفاجئًا، فهو يتمتع بالكثير من الصفات التي يحتاجها تنظيم القاعدة لمواجهة التحديات في المرحلة الراهنة [65]، وذلك لعدة اعتبارات يمكن بلورتها فيما يلي:

– عامل الجغرافيا يلعب دورًا مهمًا لدى تنظيم القاعدة. فلطالما كانت أفغانستان دائمًا جوهرة تاج التنظيم، وغالبًا ما يدير قادة التنظيم أموره من هناك [66]، ومن ثم فإن انحدار خان من مقاطعة ننجرهار في أفغانستان يشكل ذلك إضافة مهمة للتنظيم [67].

– مدى تماسك حركة طالبان في المرحلة القادمة، فمع وصول طالبان إلى السلطة والتوجه نحو المجال السياسي، برزت خلافات داخل الحركة بين المعتدلين والمتطرفين، على إثرها انقسمت الحركة إلى ثلاث مجموعات، الأولى الجناح الذي انخرط في محادثات سلام مع الولايات المتحدة، ويقوده الملا عبدالغني برادر، والثانية الجناح العسكري لطالبان بقيادة الملا يعقوب نجل الملا عمر، والثالثة شبكة حقاني، بقيادة سراج الدين حقاني، وترتبط الأخيرة بعلاقات وثيقة بتنظيم القاعدة منذ أحداث 11 سبتمبر[68]، فالمنزل الذي قُتل فيه الظواهري يتبع شبكة حقاني، كما تتبنى الشبكة رؤية تنظيم القاعدة نفسها بشأن “الجهاد العالمي” وتطوير العلاقات مع تنظيمات في أماكن أخرى، بينما تركز طالبان على الشؤون الداخلية فقط، وقد يؤدي استمرار شبكة حقاني في هذا السياق، إلى ظهور سيناريو تنفصل فيه الشبكة عن طالبان[69].

 ويعتمد حدوث هذا السيناريو على العلاقة بين شبكة حقاني وتنظيم القاعدة بعد الظواهري، فإذا كان القائد الجديد المحتمل (أفغاني الجنسية) فإن الصراع والانقسام داخل طالبان سينخفض، ومن مصلحة تنظيم القاعدة كما من مصلحة حركة طالبان الحفاظ على وحدة الحركة وتماسكها في الوقت الراهن. ويعتبر أمين محمد خان عامل ربط قوي بين الطرفين، فبالإضافة إلى كونه أحد قيادات القاعدة، فهو شخصية بارزة في حركة طالبان، وعمل في لجنة الأسرى التابعة لها، وكان مفاوضًا مع الولايات المتحدة في الدوحة في محادثات للإفراج عن آلاف السجناء من طالبان [70].

وقد يتمكن خان، حال اختياره زعيمًا جديدًا للتنظيم، من إدخال تغيرات على التأطير (لماذا)، والتكتيكات وتعبئة الموارد (كيف)، بالاتساق مع رؤية القائد المؤسس، ومواجهة التحديات الراهنة، إذ قد تتحقق (لماذا) من خلال امتلاكه علاقات شخصية داخل المنطقة، كما أن تمتعه باحترام قيادة طالبان والقاعدة، يمكنه من اكتساب الولاء والشرعية، وتتحقق (كيف) بوصفه قائدًا عسكريًا حارب القوات السوفيتية خلال ثمانينيات القرن الماضي في أفغانستان، كما أنه قادر على الاتساق مع رؤية القائد المؤسس، كونه يحمل ذات الرؤية “عالمية الجهاد” والتي تُشكل دافعًا للعمل على إعادة لمّ شمل التنظيم وإعادة تفعيله، كما كان رفيقًا موثوقًا ومقربًا جدًا من بن لادن، حيث شغل منصب رئيس أمنه الشخصي في تورا بورا في عام 2001، والمنسق الأمني ​​للحرس الخاص، ووحدة النخبة المسؤولة عن حمايته[71]، وتُمكنه علاقته الوطيدة مع طالبان من مواجهة التحديات الحالية في صعود طالبان للحكم واتجاهها نحو السياسة، وتعهدها وفقًا لاتفاق الدوحة عدم السماح لأعضائها أو لأفراد أو لجماعات أخرى، بما في ذلك القاعدة ، باستخدام أراضي أفغانستان لتهديد الأمن[72].

وفقًا لهذا المنظور، يمثل خان في حال توليه القيادة، النوع الرابع من أنواع القيادة وفقًا لنظرية Bacon and Grimm، القائد صاحب الرؤية، حيث يقوم بتغييرات متدرجة لكل من التأطير والتكتيكات وتعبئة الموارد (لماذا وكيف) معًا، والاتساق مع رؤية القائد المؤسس، ومواجهة التحديات الراهنة، مستجيبًا بذلك إلى مطالب أعضاء التنظيم بضرورة وجود قائد صاحب اتجاه جديد يُعيد تنشيط التنظيم [73]، قائد صاحب رؤية كاريزمية قادر على إعادة تنشيط التنظيم وإعادته لمشروعه [74].

خاتمة:

عند تحليل عملية اختيار الخليفة في تنظيم القاعدة، يجب وضع إطار نظري قادر على تفسير كيفية اختيار القائد الجديد، فاختيار القائد بوصفه فاعلًا رئيسيًا وأساسيًا في التنظيم، يفترض تبني مقترب تحليلي يأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل والتعقيدات. وبالرغم من أن عملية اختيار القائد الجديد تتم في إطار مجلس شورى التنظيم، الذي يملك القول الفصل في هذا الأمر، إلا أن هذه العملية تخضع لعدة اعتبارات، داخلية وخارجية تشكل الإطار الذي يدفع باتجاه اختيار القائد الجديد للتنظيم.

وتخلص الدراسة إلى استبعاد سيف العدل وأبو إخلاص المصري وعبد الرحمن المغربي، وترجّح أمين محمد الحق صام خان، كخليفة محتمل لقيادة تنظيم القاعدة بعد الظواهري، باعتباره قادرًا على إحداث تغيير في التأطير، والتكتيكات وتعبئة الموارد (لماذا وكيف) معًا، والاتساق مع رؤية القائد المؤسس، ومواجهة التحديات الراهنة.

للاطلاع على البحث كاملاً والمراجع المستخدمة فيه: اضغط هنا