عندما تصبح ضربات الريشة صوتا ناقلا للواقع , ويصبح مزيج الألوان راويا للمعاناة , وتصبح خطوط اللوحة ضياءا للأمل المنشود , فإننا هنا نتحدث عن لوحات الفنان "عبد الحميد الصوص" 36 عاما من مدينة دورا جنوب محافظة الخليل .
فلكل إنسان طريقته وأسلوبه للتعبير عما يدور بداخله , وعن الأحداث التي تجري حوله , لينطلق الفنان عبد الحميد معبرا عن واقعه بلوحات فنية تروي كل لوحة منها آلاف القصص والحكايات .
فالفن بالنسبة له موهبة قبل أن تصبح علما , فقد بدأ بالرسم عندما كان طالبا ابتدائيا , و حظيت رسوماته بإعجاب الجميع , الأمر الذي شجعه على ارتياد جامعية بولتكنيك فلسطين في مدينة الخليل , ليدرس فن خزف الزجاج , ويتخرج منها منطلقا إلى الحياة العملية .
بدأ الفنان الصوص بالعمل في سلك التربية والتعليم كمدرس للفنون والحرف في مدرستي "الياسرية والمجد" لتنمو على يده مواهب طلابية قام بمساندتها وتشجيعها وتقديم اللازم من الدعم المادي والمعنوي , إضافة لإقامة المعارض الطلابية التي تحوي في زواياها أعمال طلابه وإبداعاتهم .
لم يقتصر تعليم الفنون على طلبة المدارس فقط بل وانه يقوم بعقد دورات تدريبية يقوم من خلالها بتعليم كل ما بخص الفن والرسم للراغبين في ذلك , إضافة إلى انه قام بتعليم الفن التشكيلي لبعض الأسرى في سجون الاحتلال حين اعتقاله بعد تخرجه من الجامعة .
ولا يقتصر فنه على الرسم فحسب , بل وانه يقوم بعمل مجسمات وفنون تشكيلية كمجسم للمسجد الأقصى وللقبة والحرم أيضا والتي أبى إن يبيعها واثر الاحتفاظ بها لنفسه ناهيك عن مجسمات للنوافير والحدائق واللوحات الجدارية والتي نالت اعجاب الكثير من الناس .
أما فيما يخص اللوحات الفنية التي يقوم برسمها فاغلبها تحمل الطابع الوطني تيمنا بالواقع الذي يعيش فيه ليستطيع نقل ما يدور داخل الأراضي الفلسطينية إلى العالم من خلال حكايات ترويها اللوحات فبعضها يروي الأمل وأخرى الألم لتروي أخرى معاناة الانقسام وجدار الفصل العنصري واعتداءات الاحتلال وغيرها الكثير .
ومن أبرز اللوحات التي لاقت إعجابا من الناس لوحة تحكي قصة انقسام الضفة الغربية وقطاع غزة , والتي جسدها في قارب مقسوم إلى نصفين يحمل النصف الأول الأم الفلسطينية الحزينة والتي تحاول إنقاذ طفلها والاجتماع به وهو في النصف الآخر من القارب .
ومن بين تلك اللوحات أيضا لوحة للطفل أحمد مناصرة والتي جسد فيها ألمه من خلال عبارة "مش متذكر" التي اشتهر بها وأدخل الأمل إلى اللوحة من خلال شمس ساطعة والتي أراد بها الإفراج عنه من ظلم الاحتلال .
فكل لوحة من لوحاته تحمل حكاية لا يفهمها إلا كل فلسطيني عانى وتعايش معها ليقف أمام تلك اللوحات محدقا بها لتأخذه إلى مكان الحدث وكأنها مشهد متكامل يخفي خلفه أحداث سرية ويبقي للناظر حرية إكمال المشهد .
ومن شده ولهه بالرسم قام الفنان عبد الحميد بفتح مرسم بسيط له بالقرب من منزله يقوم من خلاله بممارسة هوايته في وقت فراغه لينتج الجديد من اللوحات مع تطور الأحداث , ذلك المرسم الذي تشهد جدرانه على أعماله وأعمال طلابه الجدارية والتي ما زالت متربعة عليها .
وقام الفنان الصوص بالاشتراك بالعديد من المعارض داخل فلسطين وخارجها لتحظى لوحاته بالإعجاب الكبير والروعة والتميز في زوايا تلك المعارض والتي يهدف بمشاركته لإيصال القضية الفلسطينية لأبعد الحدود .
فمن حلم طفل صغير إلى واقع فنان كبير انتقل الفنان عبد الحميد ليصل إلى الشهرة الفلسطينية والتي حصدها خلال سنين عمله طامحا للشهرة العالمية التي لا يراها بعيدة فثقته بأعماله ولوحاته تزيده إقبالا نحو العالمية .