جنيف: مباحثات لالتقاط الصور

30_1428063573_9503
حجم الخط


يعود مسلسل مباحثات جنيف بين ممثلين عن الحكومة السورية وآخرين عن المعارضة المعتدلة إلى الواجهة من جديد، وسط تضارب في المواقف واحتمالات أن تقود هذه العملية السياسية التي تدفع بها الأمم المتحدة إلى صفر نتائج.
ستيفان دي مستورا المبعوث الدولي الخاص إلى سورية تابع مهمته لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف المؤثرة على الساحة السورية، غير أنه كالعادة يصطدم بمواقف صلبة وصعبة تهدد بإفراغ المباحثات السياسية من محتواها.
كثيرة التحديات التي تواجه دي مستورا قبيل توفيقه وجمعه فرقاء النزاع السوري في جنيف بعد عشرة أيام، إذ يحاول الرجل جاهداً التأكيد على اقتراحه السابق الذي يدعو أطراف النزاع في سورية إلى تجميد القتال فيما بينهم، يستثنى من ذلك بطبيعة الحال التنظيمات المتطرفة مثل "داعش" وأخواتها.
حالياً أكثر ما استطاعت الأمم المتحدة فعله هو إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل من مضايا والفوعة وكفاريا، وسيكون من الصعب جداً إنشاء ممر آمن مستدام إلى تلك المناطق، في ظل حالة التسخين والترقب بين الفرق العسكرية السورية.
ما يطمح به دي مستورا يتجاوز فكرة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين والمحاصرين السوريين، إذ يريد المبعوث الدولي الخاص إلى سورية أن يتوقف النزاع في أهم المناطق التي تلتحم فيها القوات السورية الحكومية مع فرق عسكرية من المعارضة.
الرجل يعتقد أن وقف القتال كمبادرة تسبق المباحثات من شأنها أن تضيف قيمةً للعملية السياسية السورية في جنيف، غير أن ذلك من المستبعد تحقيقه في الوقت الحالي، ارتباطاً بتصريحات صدرت عن رياض حجاب منسق المعارضة السورية المعتدلة، الذي قال مؤخراً إن الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها بشأن سورية، مع تشكيكه بإمكانية إجراء محادثات سلام في ظل ما اعتبره قصف روسي لمناطق المعارضة في حلب.
حجاب يعتبر أن الموقف الأميركي تراجع قياساً عما كان حاله في السابق، لجهة أن الإدارة الأميركية لم تعد تطرح قضية رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وأنها تحت الضغط الروسي واستجابةً لسياسة المساومات وافقت من حيث المبدأ على تشكيل حكومة مختلطة ممثلة عن الحكومة السورية والمعارضة المعتدلة عبر حصول الأخيرة على عدد قليل من الوزارات.
أيضاً علّق حجاب على القصف الروسي الذي قال إنه يستهدف المعارضة المعتدلة في حلب، بأن هذا الاستهداف سيؤثر بشكل أو بآخر على مصير المباحثات السياسية في جنيف، وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال حجم الحساسية التي تحملها المعارضة السورية إلى روسيا التي تدخلت عسكرياً بناء على طلب من الحكومة السورية.
ثمة تضارب كبير في الأجندات السورية سيربك محادثات جنيف لا محالة، والسبب يتعلق بالآتي: أولاً تريد المعارضة السورية الحضور على قاعدة الحديث عن مرحلة انتقالية تستبعد الأسد عن السلطة وليس حكومة وحدة وطنية تشترك فيها الحكومة السورية بقيادة الأسد، وثانياً: هناك عدم توافق كامل بين مختلف أطياف المعارضة المعتدلة، وهذا الأمر من شأنه أن يضعف المباحثات في حال عقدت، إلى جانب أن عدداً من الدول تصنف تنظيمات من المعارضة على أنها إرهابية، بينما تصنفها دول أخرى معتدلة.
ثالثاً: النظام السوري يهمه الحديث في المقام الأول عن ضرورات محاربة "الإرهاب" والتنسيق بين مختلف الأطراف لضرب التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها "داعش"، ويعتبر أن القضية الثانية التي يمكن الحديث حولها هي تشكيل حكومة وحدة وطنية تشترك فيها المعارضة دون الإتيان لا من قريب أو بعيد بموضوع الرئيس الأسد.
رابعاً: المشهد الدولي يسوده حالة من التوتر والارتباك، على خلفية عدم التوافق الأميركي- الروسي تحديداً حول ملفات عدة تتعلق بالشأن السوري، يتبع ذلك التوتر بين الدولتين الإقليميتين السعودية وإيران، على خلفية تدخل الأخيرة في الشأن الداخلي السعودي، واقتحام مقرات البعثات الدبلوماسية السعودية في كل من طهران ومشهد.
هذه العوامل جميعها ستكون حاضرة في محادثات جنيف، إذ يبدو أن المعارضة التي تشكك بانعقاد هذا التاريخ، ستحضر إلى هذا الاجتماع على قاعدة عدم تحميلها مسؤولية إفشال هذه المباحثات في حال لم ترغب في الحضور.
وستحضر المعارضة لكن منقسمة على نفسها في المواقف، وغير مستقرة على مظلة تجمع كل أطيافها، أما الحكومة السورية فستحضر إلى جنيف من منطق الرجل القوي المسنود بقوة من روسيا والذي لن يقدم تنازلات إلى غريمه.
في هذا الإطار يبدو أن الصورة باتت واضحة لمستقبل هذه الجولة من مباحثات جنيف المرتقبة، حيث سيجتمع فرقاء النزاع السوري ويتبادلون الصور ويطلقون التصريحات، وسيخرج بيان فضفاض ولن يقود إلى مرحلة مفصلية تقرب من حل النزاع السوري المعقد.
إن إطالة أمد النزاع السوري يعود في الأساس إلى تدويل هذا الملف المشتبك بأبعاد إقليمية ودولية، ولأن الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري لم تتفق بعد على خريطة طريق لحل هذا النزاع، فإنه خاضع للمزيد من الوقت حتى يصار هناك حل في سورية.
وفي حقيقة الأمر، يبدو أن كل عام يمر على أجندة النزاع السوري، سيقود إلى وقائع كارثية تهدد الأمن والسلم العالميين، بدليل أن تواصل النزاع السوري أفضى إلى تعميق وجود "داعش" وظهور تنظيمات متطرفة أصبحت تشكل خطراً على دول الجوار.
أضف إلى ذلك أنه بدون تضافر الجهد الدولي وتوسيع قاعدة محاربة "داعش"، لتشمل الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري والتنسيق مع الحكومة السورية، فإن "داعش" سيبقى واحداً من المهددات التي تقلق وتربك العالم الذي يحتاج إلى سنوات عدة لوقف توالد وإجهاض مشروع هذا التنظيم الإرهابي.
وعلى الأرجح أن تكون مباحثات جنيف مقدمة للمزيد من "جنيفات" تعقد، اللهم إلا إذا خرج عن المارد الأميركي أو الروسي تصريحات جديدة تعكس موقفاً يتساوق مع متطلبات حل النزاع السوري، حينها يكون من السهل أن تجمع الرعية طالما حضر الراعي. 

 

-