بين الفكر النظري والانتفاض الشعبي توصيف البراكسيس في الضفة الفلسطينية ومقومات الجيشان الانتفاضي

79b49d91080c6f66e3de8c2e3d827910.jpg
حجم الخط

 بقلم:د. أحمد قطامش 


 

الجيشان الانتفاضي أواخر 1987
لقد استمر اربعة  أو خمسة  أعوام ، وامتلك ديناميه شعبية على امتداد هذه السنوات إلى أن انعقد مؤتمر مدريد فراح ينحسر إلى أن نشأت مرحلة جديدة هي مرحلة أوسلو .
بجرأة يمكن القول أن هذا الجيشان هو نموذج انتفاضي، فهو يحمل معايير الانتفاض كعلم عام ومعايير الخصوصية كسمات وطنية . ولأن لمرحلة أوسلو خصائص لا يمكن تكرار نموذج 87 " فمياه كثيرة جرت في النهر" سوف تلقي بظلالها على أي نهوض فلسطيني . فالتاريخ لا يعرف التكرار الميكانيكي اتصالا بما طرأ عليه من متغيرات، ولهذا كتب ماركس ( يعيد التاريخ نفسه مره على شكل مأساه ومره على شكل مهزلة " !.
فيض من الكتابات أشبعت الانتفاضة الكانونية 1987، ورغم التفاوتات والغنى وصوابيه المقاربات .. يمكن اشتقاق نقاط محددة بغية الاتكاء عليها في استقراء الغليان الذي يكتسح الضفة الفلسطينية اليوم والآليات المتخلية للارتقاء به .
1: توافر الشرط القيادي للانتفاضة الكانونية 1987 سواء لجنة قوم التي تصوغ النداء اوالمرجعيات التي تسندها بالمقترحات والأفكار وتتولى قيادة اللجان والهياكل الانتفاضيه في المدن والأرياف والمخيمات بما لديها من إمكانات متنوعة .
وهذه الشبكة المتشبعة والمعقدة من الامتدادات هي الأذرع الضاربة والنويات الصلبة التي كفلت بتلاحمها مع الجماهير استمرار الانتفاض الشعبي سنوات . ولم يعد  مبالغه القول إنها انتفاضة منظمة بعد الأسابيع الأولى من اشتعالها .
2: تسلحها بشعار سياسي ناظم استخرج هدفها ( الحرية والاستقلال) وبصرف النظر عن الآراء حول مضامين هذا الشعار فهو مقتبس من الثورة الجزائرية التي قادها عبد القادر الجزائري حينما رفض عرض فرنسا " الحكم الذاتي " وتمسك " بالحرية والاستقلال" وفلسطينيا لم يكن ثمة تطابق في فهم هذا الهدف " التحرير" كما دعا احد القادة أم حق العودة والدولة وتقرير المصير أم دحر الاحتلال دون قيد وشرط . ( يمكن العودة للكراس الذي صدر عن اجتماع قيادي في دمشق ) ولكن الجامع كان تحويل الانتفاض لنمط حياة وفي غمرة الممارسة يتم استخلاص المضامين المناسبة .
3: الركيزة الميدانية هي الأساس والقلب النابض ، وقد انخرطت فيها كافة القوى المنظمة وامتدادات شعبية واسعة جمعت كل أشكال النضال وان غلب عليها الشكل الشعبي والإضراب الجماهيري العام الذي تشارك فيه الأراضي المحتلة 67 من أقصاها إلى أقصاها ، والمظاهرات العارمة التي تنخرط فيها جمهرة كبيرة، و هذا حال جنازات الشهداء والمقاطعة الواسعة للمنتوجات الإسرائيلية والعمل في المستعمرات وسوى ذلك من مظاهر الانتفاض والعصيان .... ناهيكم عن إسناد جماهير 48 والشتات وسواهم .  
   متغيرات لها وزنها وإسقاطاتها في مرحلة أوسلو
مفيد استدعاء كلمة لينين " التعاسة في السياسة هي عدم تمثل المتغيرات " وهذا يوجب بالتالي التذكير  ب:
1: مضاعفة عدد سكان الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، إذ كان عدد السكان اقل من 2.4 مليون أما اليوم فهو أكثر من 5.3 مليون، بما ضاعف الفئة الشبابية  الطاقة الحاسمة في المواجهات ومن بينها طلبة الجامعات الذين تضاعفوا عدة مرات ويناهزون هذا العام ¼ مليون .
2: ما أصبح عليه قطاع غزة من قاعدة فدائية (72 الفا)  القائد السنوار وانفاق بطول مئات الكيلو مترات ( تصريح اسرائيلي ) وامكانات صاروخيه تصل عشرات وعشرات الكيلومترات ( إطلاق دون تحكم ) واستعداد للاشتباك بما يشكل قوة ردع لأية عمليه برية، دون نسيان الحصار والضائقة المعيشية .و..
3: إقامة حكم ذاتي ارتبطت به أجهزة وهياكل بما توالد عن ذلك من التباس ( هل يمر النضال الفلسطيني في مرحلة تحررية أم بناء دولة ) وقد انقسمت هذه السلطة لاحقاً إلى سلطتين ، سواء الملتزمة باتفاقات سياسية وأمنية بما لها من ثقل ودور اكبر وموازنة سنوية وصلت 5.5 مليار $ وتلويحها بين الوقت والأخر ب ( التحلل من الاتفاقات واعتماد قرارات  المجلس المركزي ...) وسلطة قطاع غزة  الذي يشكل 6% من مساحة الضفة .
4: تراجع وزن فصائل م. ت. ف بخلفياتها العلمانية أو الأقرب للعلمانية ، واستطلاع أيار 2021 ساوى بين فتح وحماس (33%) وساوى تقريبا بين الشعبية والجهاد(4%) ونسب منخفضة للفصائل الأخرى آخذين بالحسبان وزن الحركة الأسيرة ونضالاتها حيث تشكل فتح نصف الحركة وحماس 33% والشعبية 7-8% والجهاد 5-6% والديمقراطية 1-2%.
لم تكن الخارطة السياسية على هذا النحو في زمن انتفاض 87 وقلبئذ .
5: تقهقر وهم التسوية وتبخر الرهان على " قوى السلام الإسرائيلية " وانزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين المتطرف ( خارطة سياسية، حكومة  وشارعا، قضاء،  اعلاما     وهذا اجبر الوعي الفلسطيني سواء الذين ايدوا  " أوسلو" أو المناهضين  مواجهة هذه الحقيقة ( يمكن العودة لتصريحات قيادية فلسطينية  رسميه وغير رسميه ) مع الانتباه للفوارق بين خيارات واستعدادات النخب والتيارات والألاعيب الامريكيه بأن اداره بايدن مع حل الدولتين  وتحسين الاحوال الاقتصاديه للفلسطينيين .
6: تعاظم شأن الهم الذاتي والعائلي والنخب النافذة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وكذا العشائرية والشكوك بجدوى التضحية وحسبي  التدليل   من خبرتي الشخصية حيث كنا بالآلاف في سجون الاحتلال في السبعينات ، لم أصادف منهم في السجون في التسعينات سوى المئات والعشرات في العقد الأول من الالفيه الجديده، ولم نكن سوى اثنان في الأعوام الأخيرة احدنا شجرة الزيتون الفولاذية أبو عاصف البرغوثي الذي رحل عن الدنيا . فقد اندفعت الهويات الجزئية وان لم تنفك الهوية الوطنية هي القائدة .

ارهاصات الضفة تصطدم بتصعيد استعماري عنصري
لم يتبق للسياسة الاستعمارية من ساحة للاستباحة والتنكيل والتقتيل اليومي سوى الضفة المحتلة وما ترسمه  من مخططات عنصرية  للفلسطينيين في 48. فالمقاومة في لينان لديها قوة ردع تجلت بسفور في معادلة " كاريش وما بعد كاريش" والمقاومة في غزة راكمت قدرة على الصمود والاشتباك وافشلت أهداف ثلاثة حروب وأكثر رغم الخسائر البشرية والدمار الهائل .
والعقل والاستشراقي الذي حلله  بعمق البروفسور ادوارد سعيد لا يفهم العقل التحرري فهو يظن انه بهدم الأبراج وتقتيل المدنيين وإطلاق النار على الفتيه الذين يلقون حجارة ، تستسلم القيادة التحررية دون أن يفهم أنها تفخر بالشهداء بوصفهم زيت للتحرير ورموزاللبطولة . فنظرية " العربي  يخضع للقوة " التي  أسسها بريجنسكي لم تثبت جدواها منذ قرن وحتى اللحظة " فالقلعة لا تقتحم  الا  من الداخل " ومحاولة رشوة نخب للتساوق مع مشروع ترامب لم تحصد إلا الريح .
في زمن الانتفاض الكانوني 1987 قطع رابين رئيس الوزراء الأسبق زيارته لأمريكا واتبع سياسة  تكسير العظام وحظر التجوال وإطلاق النار ، فاشتعلت الهبة وصارت انتفاضة .
وسواء كان رئيس الوزراء صحافي واقل يمينيه أو بخلفيه عسكرية وفكر يميني ، فالإجراءات على الأرض ضد الفلسطينيين هي نفسها منذ اشكول وايغال الون المعتدل والأب الروحي للاستيطان الاستعماري ، أو مناحيم بيغن القانوني أو   أو ...وصولا لرئيس الوزراء الجديد- القديم الذي أقام ائتلافا يمينيا من قبل والآن يحاور القوى الأكثر تطرفا لتشكيل أغلبية في الكنيست . فمن المتوقع أن تشتد الإجراءات  القمعيه إذا تنفذت القوى الاستيطانية في القرار الحكومي .
ولكن  هل يجدي هذا سياسيا ؟ التاريخ أجاب عن هذا السؤال . وعلى رأي ماركس ( أننا لا نؤمن إلا بالتاريخ وعلم التاريخ ). ونسبيا أدرك المركز القومي الذي يضم جنرالات متقاعدين وأكاديميين كبار ، فتقدم بمقترحات في السنوات الأخيرة تناغمت معها " صفقة القرن  " دون أن تملك هذه المقترحات ومن لف لفها قدرة على الدوران في أوساط الشعب الفلسطيني سواء كانت براغماتيه أو غير ذلك ...