افتتح مؤتمر اتفاقية التصدي لآثار التغير المناخي بمدينة شرم الشيخ، يوم ٦ تشرين الثاني، بعد مرور ثلاثين عاماً على التوصل إلى الاتفاق الإطاري، ومع يقين أوضح وأشمل لتداعيات التغير المناخي والإجراءات الواجب اتخاذها للتصدي له، ومع توافر أدلة علمية قاطعة بضرورة التحرك الجماعي والعاجل لخفض الانبعاثات السامة، لتجنب ارتفاع درجات الحرارة، وفي ظل قناعة واسعة بأهمية توفير الدول المتقدمة الدعم للأطراف النامية للتعامل مع تداعيات تلك المشكلة، لتتمكن من الإسهام في هذا الجهد.
وانعقد الاجتماع في ظل مناخ دولي بالغ الصعوبة، وسحابة ضبابية من الاستقطاب والشيطنة بين الدول الكبرى، وتوقعات أن الاقتصاد العالمي أو على الأقل اقتصاديات الدول الكبرى منه على حافة الانكماش الاقتصادي، توترات ومشاكل تفاقمت نتيجة للحرب الأوكرانية - الروسية، وأثرت على استقرار سلسلة التوريدات لسلسلة التطوير والإنتاج الصناعي والاقتصادي، وشهدنا ارتفاع الأسعار والتضخم عامة، خاصة للسلع الغذائية والطاقة، وأوضاعاً قاسية على الدول النامية.
ومن خصائص التغير المناخي أنها قضية متعددة الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ولا بديل إزائها عن التعامل معها سوياً بروح تعاونية يشارك فيها الجميع بدرجات وأساليب مختلفة، ومع مراعاة أن الدول الصناعية هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية فيما وصلنا إليه، وأن الدول النامية لها حق مشروع ومنطقي في أن تواصل جهودها التنموية، لتلحق بركب التطور والتنمية الذي أطلقته الدول المتقدمة من قبلها، وفي الكثير من الأحيان على حسابها باستغلال خيراتها ومواردها.
كان هناك اهتمام عالمي واسع ورغبة للتعامل مع تداعيات قضية المناخ، لذا شهدنا حضوراً دولياً واسعاً في شرم الشيخ، رغم غياب قادة بعض الأطراف المؤثرة مثل الهند، والصين، وروسيا، وأستراليا.
وحضر عدد كبير من ممثلي المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية والمالية، للتفاوض حول تخفيض الانبعاثات، ودعم قدرات الدول في التعامل مع تداعيات التغير المناخي، وتأمين الدعم الفني والمالي للدول النامية في هذا المجال على وجه الخصوص.
وباستثناء تنامي اليقين بخطورة تجاهل المشكلة وبأهمية وعجالة التصدي لها انعقد المؤتمر في أسوأ ظروف سياسية واقتصادية دولية ممكنة، وصفتها في مناسبة أخرى بأنها عاصفة مكتملة.
في ظل كل ذلك ماذا يمكن استخلاصه من نتائج من إنجازات وإخفاقات دولية خلال مؤتمر المناخ؟
أولاً أعتقد أن مصر نجحت في استضافة المؤتمر، رغم بعض الشكاوى والملاحظات السلبية المتكررة في الإعلام الغربي، خاصة البريطاني، كما نجحت الأمم المتحدة في تنظيمه، رغم التفاعلات العصبية المتناثرة، علماً أن التجمعات الكبرى التي تجمع عدداً هائلاً من ممثلي الحكومات والمجتمع المدني سوياً من الصعب إدارتها، لتباين الممارسات والمصالح والتوقعات من قبل المشاركين.
ورغم عدم اهتمامي أو ثقتي كثيراً بما وقع من مذكرات تفاهم باعتبارها خطابات نوايا غير ملزمة، ولنا تجربة غير حميدة معها بعد المؤتمر الاقتصادي قبل الأخير، أعتقد أن مصر نجحت في خلق زخم لا بأس منه ويحمل مؤشرات إيجابية لها في الدفع بوسائل الطاقة البديلة، خاصة الهيدروجين الأخضر، حتى إن لم تترجم كلها إلى حيز النفاذ، في ضوء أن عدداً منها مرهون بتوفير التمويل اللازم لتنفيذها.
ومن الإيجابيات الدولية إعلان أوروبا أنها ستسرع في تنفيذ انخفاضها في انبعاثات الكربون، وكذلك استئناف المفاوضات الأميركية الصينية حول مواجهة التغير المناخي رغم أنها لم تحقق نتائج ملموسة، وموافقة الولايات المتحدة على توفير٢٠ مليار دولار إلى دول جنوب شرقي آسيا للإقلال من استخدامها للفحم، وهناك بوادر للمزيد من المشاريع حول طاقة الرياح ودعم الجهود الإفريقية في التحول إلى الطاقة النظيفة.
وتضمن البيان الختامي للمؤتمر الاتفاق على إنشاء صندوق لدعم الدول النامية من التداعيات والخسائر الناتجة عن التغيير المناخي، وخرج المنسق الإفريقي الذي قاد تلك المفاوضات وكذلك رئيسة مجموعة الـ٧٧ للدول النامية في نيويورك سعداء بهذا الإنجاز. وبادرت أوروبا بإظهار التعاون أكثر بشأنه خلال هذا المؤتمر، مع المطالبة بأن يساهم فيه كافة الدول التي تخرج عنها انبعاثات كثيرة أو لديها قدرات مالية بما يشمل عدداً من الدول النامية المستهلكة للفحم وأخرى بترولية، ويعنى عدم قصر الإسهام فيه على الدول الصناعية، وهو ما أثار عدداً من التحفظات، كما وضعت أوروبا حدوداً وقيوداً على الاستفادة من الصندوق، وعلى المجتمع الدولي استكمال هذه الفكرة، فتضمن النص أيضاً إشارة إلى أهمية تطوير عمل المؤسسات المالية الدولية تسهيلاً لتلك الجهود، ويجب تحديد حجم التمويل الخاص بالصندوق وإجراءاته وآلياته، حيث يلاحظ أن الولايات المتحدة وغيرها ترفض تفسير النص على أنه يحمل أطرافاً ومؤسسات مسؤولية دفع التعويضات عن ممارسات محددة، لذا هناك أمور عديدة حول هذه الخطوة الإيجابية لم تحسم خلال المؤتمر وستكون محل اهتمام لجنة متابعة تم تشكيلها، ويتطلب تحقيقها توافر حسن النية، خاصة أن الدول الصناعية لم تستوف تعهداتها السابقة بتوفير ١٠٠ مليار دولار سنوياً للدول النامية لدعم تحولها نحو الطاقة النظيفة.
وكان على رأس أهداف المؤتمر أيضاً ضمان عدم تجاوز درجات الحرارة المناخية 1.5، حتى لا يتعرض سكان الأرض لدرجات حرارة ورطوبة تشكل خطراً عليهم، أو تكرار الفيضانات مثلما شهدته الباكستان أخيراً، علماً أن هناك ما يزيد على ١٥ مليون إفريقي يعانون من ضعف الأمن الغذائي نتيجة للجفاف، ويتطلب ذلك تطوير وتغيير ممارساتنا الحياتية، التي تحمل في طياتها مخاطر جمة، ومنها التصدي للزيادة السكانية، وأعربت بعض الدول المتقدمة بحدة عن عدم رضاها عن الصياغات النهائية حول الالتزام بتخفيض الانبعاثات، لشعورها بأنها تكرار لصياغات مؤتمر غلاسكو دون إضافات طموحة، وأعربوا عن قلقهم من أن تستغل الإشارة إلى مصادر «الطاقة الأقل انبعاثاً» مبرراً لعدم التزام البعض أو الإبطاء في التحول نحو الطاقة الجديدة.
لذا فإن تقييم نتائج هذا المؤتمر ومدى نجاحه أو إخفاقه في التصدي لتغير المناخ يتطلب الانتظار إلى أن يتسنى تقدير مدى توافر حسن النية لدى الدول الأطراف خلال الفترة القادمة، وقد تمتد مرحلة التقييم أشهراً وحتى المرحلة التمهيدية لاجتماعات COP28 في دولة الإمارات المتحدة.