كانت النساء من بين أول من احتج على الجمهورية الإسلامية بعد أن نَفّذ مؤسسها الثوري روح الله الخميني الحجاب الإلزامي بعد فترة وجيزة من توليه السلطة في عام 1979. واليوم ترى المتظاهرات أن بقاء القيادة الدينية الإيرانية يتعارض مع حقوق المرأة، وعليه تردد صدى هتافات “الموت للديكتاتور” في جميع أنحاء إيران منذ اليوم الأول للمظاهرات الحالية التي شهدتها الدولة الإيرانية.
يكافح النظام الإيراني لسحق موجة ضخمة من الاحتجاجات الذكية والدائمة، على عكس أي احتجاجات واجهتها الجمهورية الإسلامية في الماضي، فقد نمت قوة الحركة غير القيادية على الرغم من حملات القمع القاسية المتزايدة، بالاعتماد على التضامن غير المسبوق بين الأقليات العرقية، والجماعات الدينية المختلفة، جنبًا إلى جنب مع الرجال المتحالفين مع النساء المُحتجّات.
بعد وفاة مهسا أميني، الفتاة ذات الأصل الكردي البالغة، سرعان ما انتشرت الاحتجاجات في سقز إلى طهران ومدن أخرى في جميع أنحاء البلاد، إلى أن وصلت الآن لشهرها الثالث، ولا تظهر الاحتجاجات أي علامات على التوقف، على الرغم من العنف المروع الذي نشرته قوات الأمن ضد المتظاهرين. وشملت الاحتجاجات نساء وشباب، وطلاب المدارس، حيث مزق النساء حجابهن وقصصن شعرهن في الأماكن العامة، وهو عمل يدل على الحداد والتحدي للسلطة.
اسكات الثورة بصوت بالرصاص
منذ البداية، قامت قوات الأمن بقمع المتظاهرين “بعنف شديد”، لا سيما في المناطق التي تعيش فيها الأقليات العرقية، مثل كردستان وبلوشستان. حيث تم إطلاق النار على أشخاص بسبب إطلاق أبواق سياراتهم دعمًا للمتظاهرين، مع اعتقال عدد كبير من الصحفيين (بما في ذلك أولئك الذين أبلغوا عن وفاة أميني لأول مرة) والمحامين والمشاهير ونجوم الرياضة ومجموعات المجتمع المدني.
أصبح رد فعل الحكومة على الاحتجاجات أكثر تطرفًا كلما ارتفعت الموجة، فمن استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية تحول الأمر مع مرور الأيام إلى إطلاق النار على المتظاهرين بالكريات المعدنية والرصاص الحي، وتظهر جثث العديد من المراهقين القتلى إصابات خطيرة في الرأس. كما أدت الاعتقالات الجماعية والتهديدات بالإعدام والقتل العشوائي إلى تأجيج دعوة المتظاهرين لتشكيل حكومة جديدة والموت للديكتاتورية.
قُتل أكثر من 300 شخص خلال الاحتجاجات، ويشمل حوالي 50 طفلاً دون سن 18 عامًا، ولكن من الصعب تعقب الضحايا والاعتقالات، حيث إن الأعداد التي ذُكرت ليست بالأعداد الواقعية. كما تم تقييد الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل كبير، ولا يمكن للصحفيين الأجانب الوصول إلى البلاد لنقل مجريات الأمور.
وفي هذا الصدد صرح مصدر أمني، أن قوات الأمن قتلت المتظاهرين بشكل عشوائي باستخدام “بنادق قتالية متعددة، مثل AK 47″، مضيفًا أن المستودعات تُستخدم لاحتجاز الأشخاص لأن السجون أصبحت ممتلئة. كما أظهرت أدلة على إطلاق رشاشات من عيار 50 على المدنيين في أجزاء من كردستان. مع العلم أن هذا النوع من الأسلحة يُستخدم عادة في الحروب ومناطق القتال، حيث يبلغ قياس الرصاص 138 ملم من الأعلى إلى الأسفل. وبعد كل هذا، وكعادتها، ألقت إيران باللائمة على الأنظمة الدولية وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، بإثارة المعارضة، رغم عدم وجود دليل على ذلك.
في الحقيقة، تنم هذه الاحتجاجات عن غضب عميق في إيران من سياسات الحكومة الإسلامية، خاصة تلك المتعلقة بقواعد اللباس. والتي كانت امتدادًا للمظاهرات التي استمرت منذ أن أصبح الحجاب إجبارياً في عام 1983، وتفاقمت حالة الإحباط منذ أن تولى المتشدد “إبراهيم رئيسي” رئيس في عام 2021، وبدأ في تكثيف الرقابة على قواعد لباس المرأة.
هل تستطيع الحكومة الإيرانية وقف الزخم؟
لدى المجتمع الإيراني تاريخ طويل من الاحتجاج، لكن النظام نجح في سحق الحركات الجماهيرية السابقة مثل احتجاجات 2009 و2019 بسرعة كبيرة. واستندت هذه الحركات حول قضايا فردية، مثل الانتخابات المزورة للزعيم الذي لا يحظى بشعبية محمود أحمدي نجاد للرئاسة في عام 2009 وارتفاع أسعار الغاز في عام 2019.
إيران تعتبر خليطًا من طوائف وأعراق مختلفة، وبالتالي فهي عرضة لنفس خطوط الصدع التي دفعت البلدان الأخرى في المنطقة إلى صراع أهلي”. ولكن هذه الاحتجاجات مدفوعة في المقام الأول بإحساس مشترك على نطاق واسع بالقومية، وليس النزعة الانفصالية. فعلى الرغم من أن النظام حاول تصويرهم على أنهم يشكلون تهديدًا لوحدة أراضي البلاد، وفي بعض الأحيان استفزاز الانفصاليين من خلال نشر درجة أعلى من العنف في المقاطعات الحدودية الإيرانية، حيث تعيش الأقليات، إلا أن الشعب حافظ على الطابع القومي. فانهيار النظام الديني سيتطلب على الأرجح “ضغوطاً من الأسفل وانقسامات في القمة.
البؤس الاقتصادي الذي تواجهه إيران نتيجة للعقوبات الصارمة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، اضافة الى أجندات النظام الخارجية التي استنزفت خزائن البلاد من أجل ممارسة نفوذ ارهابي في سوريا ولبنان واليمن، كانت من بين الدوافع التي دفعت بالأغلبية الصامتة من المجتمع باحتضان الاحتجاجات التي تلت مقتل مهسا أميني ليحولها الى ثورة حرية ترفع شعارات اجتماعية ومنها السياسية التي تطالب برحيل النظام.
ومع ذلك، يبدو أن النخبة في البلاد تتخطى الانهيار الاقتصادي وتحافظ على دعمها للنظام وعلاقاتها معه. فحتى الآن لم نشهد انشقاقات خطيرة للطبقة العليا القوية وذات النفوذ في البلاد، وهو ما يفسره البعض بأن مسار الأوضاع لم يتضح وأنه من الأحسن تجنب المخاطرة في الانضمام الى الاحتجاجات قبل أن تتضح الرؤية وتميل كفة القوة في صالح الشارع.
يبدو أن الانقسامات السياسية ليست متطرفة كما كانت في حركات الاحتجاج السابقة، ويرجع ذلك على الأرجح إلى حقيقة أن النظام طَهّر أكثر القوى البراغماتية في السياسة الإيرانية وأصبح الآن إما مع “المتشددين أو المتملقين”.
فالخطر الرئيسي يكمن في أنه إذا ثبت أن الحكومة الدينية غير قادرة على كبح جماح الاحتجاجات، فقد يدفع الحرس الثوري رجال الدين جانباً ويتولى زمام الأمور.
هل يمكن للاحتجاجات أن تسقط النظام؟
انقسم المراقبون حول ما إذا كانت الاضطرابات يمكن أن تُسقِط النظام. على الرغم من القمع العنيف، واستمرار الاحتجاجات في واحدة من أكبر التحديات التي واجهتها منذ ثورة 1979.
ما تشهده في إيران حاليًا هو تهديد أخطر بكثير للمؤسسة الخمينية من “الربيع الفارسي” غير العنيف لعام 2009، والذي انهار بسبب إرهاب الدولة، والسجن الجماعي، إلا أن التمرد الحالي أصبح أكثر انتشارًا بسبب تطبيق الشرطة الوحشي للحجاب الإلزامي، الذي أشعل فتيل الضجة الحالية، حيث إن الشعب الإيراني يريد إنهاء هذا القانون، إلا أن رجال الدين، لن يقبلوا أبدًا فكرة عدم الحجاب.
واعتبرت مجلة ايكونوميست البريطانية أن الاحتجاجات مختلفة تماما عما سبقتها من حيث السياق والشمولية والإطار الزمني الذي تحدث فيه خاصة مع الأوضاع الاقتصادية التي تضغط بشكل كبير على الشارع وكأنها الوضع شبيه بكرة الثلج التي كلما تدحرجت كلما كبر وهو تشبيه يقصد منه أن الحالة الايرانية نتاج سنوات طويلة من التراكمات.
ورأت المجلة أنه من المؤكد أن خامنئي والنظام الملالي يواجهان مشاكل أعمق من أي وقت مضى منذ الإطاحة بالشاه في عام 1979. وهم مترددون، غير متأكدين مما إذا كانوا سيقمعون بمزيد من الوحشية أو يتنازلون”.
وحسب صاحب المجلة: “قد تتلاشى الاحتجاجات كما حدث من قبل. لكن هذه المرة هناك فرصة على الأقل لاستمرارها. يجب أن تكون بداية نهاية النظام الإيراني في الأفق بالتأكيد”.