حسب ما تناقلته وسائل الإعلام، فإن قطاع غزة يستورد الحمضيات من إسرائيل هذه الأيام، وحسب معطيات إحصائية فلسطينية صدرت قبل فترة، فإن حوالي ثلث الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، اي حوالي مليون وستمائة الف مواطن عانوا من انعدام الأمن الغذائي في العام المنصرم، اكثر من نصفهم في قطاع غزة، وحسب المعطيات فإن هذه النسبة في ازدياد مقارنة مع الأعوام السابقة.
وحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، فإن تحقيق الأمن الغذائي للجميع عنصر محوري في جهود المنظمة بغية تمكين الناس من الحصول دائماً على ما يكفيهم من الأغذية الجيدة، وذلك للتمتع بحياة ملؤها النشاط والصحة، وتضيف «الفاو» «ان الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول من الناحيتين المادية والاقتصادية على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية».
ومن هذا المنطلق، فان هذا يعني ان حوالي ثلث الفلسطينيين لم يتمكنوا من الحصول على أغذية كافية وسليمة في جميع الأوقات، وذلك بسبب الظروف المالية والأحوال الاقتصادية، وبما أن النسبة كانت في ازدياد، فإنه من المتوقع ان تزداد هذا العام، هذا رغم التصريحات والحملات لدعم الزراعة وتوفير الغذاء ورغم مئات الملايين من أموال الدول المانحة التي تدفقت خلال الأعوام القليلة السابقة، في العادة تحت شعار تحقيق التنمية المستدامة، ومنها استدامة إنتاج وتوفر الغذاء وبالتالي استدامة الحصول عليه. وعلى مستوى البلد او الدولة، «فإن الأمن الغذائي يتحقق حين تنتج البلد كل احتياجاتها من الغذاء الأساسي أو تكون في استطاعتها الحصول علية من الخارج تحت أي من ظروف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، ومن هذا المنطلق كذلك، فإن هذا يعني أننا كبلد لم ننتج كل احتياجاتنا من الغذاء، وبالأدق الأغذية الأساسية، أي القمح او الخبز واللحوم والدواجن والخضروات وما إلى ذلك من غذاء أساسي لا يستغني عنه الإنسان، او أننا لم نستطع توفير احتياجات الغذاء الأساسية من الخارج بقوانا الذاتية، اي بدون انتظار المساعدات او المنح او التبرعات من هنا وهناك. وبالتالي، ولكي يتحقق الأمن الغذائي في بلادنا، فأننا يجب ان ننتج غذاءنا بإمكانياتنا وباستخدام مصادرنا المتوفرة، من ارض ومياه وبشر، اي نزرع وننتج، ومن أدوات وأجهزة ومصانع، اي نصنع المنتج الغذائي النهائي، والأهم من سياسات وخطط ومشاريع وعقول وكوادر مدربة، تخطط وتتابع الإنتاج، والأهم ترسي ثقافة الاستدامة في الإنتاج، أي ليس الإنتاج أو توفير الغذاء لمرة أو لعدة مرات.
وان لم نستطع أن ننتج كل غذائنا الأساسي، فإننا من المفترض أن نكون قادرين على توفيره من الخارج، وبمصادرنا الذاتية، وبدون انتظار المساعدات والتي في العادة ترتبط بشروط وقيود وتوفر الظروف، وهذا يتطلب وكما تفعل الدول، وجود احتياطي من العملة الأجنبية لشراء وبالتالي توفير الغذاء وبالأسعار العالمية وبالجودة والسلامة اللازمتين، وفي كل الأوقات، والا انعدم الأمن الغذائي للمواطن الفلسطيني. وفي ظل التقلبات السياسية والاقتصادية، والاهم هذه الأيام في ظل التغيرات المناخية وتأثيرات الإنسان على البيئة، وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الأرض، وقلة الأمطار في بعض بقاع الأرض، والفيضانات وغياب المساحة الزراعية والتصحر في أماكن أُخرى، اصبح الأمن الغذائي مفهوماً او واقعاً غير مؤكد، وهناك بعض الدول التي باتت لا تستطيع إنتاج الغذاء بسبب قلة الأمطار والجفاف وبالتالي ازدادت فقرا، وبالتالي باتت لا تستطيع تغذية سكانها وأصبحت عاجزة بسبب الفقر من الاستيراد، وما لذلك من عواقب على شكل مجاعات او تغيرات اجتماعية وجغرافية وسياسية متعددة.
وبالتالي ولكي نضع الخطط لجسر او لتخفيف فجوة الأمن الغذائي للفلسطينيين، فإننا يجب ان نركز على إنتاج غذائنا بأنفسنا وباستخدام مصادرنا بالدرجة الأولى، آخذين بعين الاعتبار احتمالات التغيرات البيئية والمناخية، وان لم نستطع إنتاج غذائنا الأساسي، فإننا من المفترض ان نكون قادرين على الحصول عليه، آخذين التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عندنا ومن حولنا وفي العالم بعين الاعتبار.
قطاع غزة بين الحصار وتفاقم أزمة المياه بصمت! في ظل استمرار الحصار وبدون أي نهاية في الأُفق على قطاع غزة، تتواصل وبصمت أزمة المياه، وبالأخص جودة ونوعية المياه الصالحة للاستهلاك البشري، والأزمات البيئية والصحية الكثيرة، سواء أكانت بعيدة او قصيرة المدى، والتي تدور حول المياه او بسبب تلوثها، وقضية المياه في قطاع غزة، سواء من ناحية نوعيتها او جودتها او من ناحية توفرها وكميتها، ورغم عدم وضوح آثارها الملموسة حاليا، تبرز كقضية حيوية وخطيرة، ليست فقط من الناحية الصحية، ولكن كموضوع له أبعاد استراتيجية وبعيدة المدى، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية؟ وحسب تقارير محلية ودولية، فإن حوالي 96% من مياه الخزان الجوفي في قطاع غزة، هي مياه غير صالحة للاستخدام، وان معدل استهلاك الفرد من المياه حوالي 90 لتراً يومياً، وهذا اقل من المعدل العالمي الموصى به لاستهلاك الفرد المقدر بحوالي 150 لتراً في اليوم، وان الوضع المائي في قطاع غزة هو في تدهور مستمر نتيجة الاستهلاك المتزايد للمياه الجوفية، وبالتالي تسرب مياه البحر، وكذلك مياه الصرف الصحي إلى خزانات المياه الجوفية، والذي أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة وازدياد التلوث، وبالأخص زيادة تراكيز الكلوريد والنترات وغيرهما، حيث حسب التقارير تصل تراكيز الكلوريد في بعض المناطق، الى حوالي 5 آلاف ملغرام لكل لتر من المياه؟ ومن الأمور التي هي ضرورية للحفاظ على جودة المياه، وبالأخص هذه الأيام في قطاع غزة، وبالإضافة الى ترشيد الاستهلاك، هو وجود نظام الصرف السليم لمياه الصرف الصحي، وكذلك المعاملة الصحيحة للمياه الخارجة من الزراعة ومن مزارع الحيوانات، وكذلك الاستخدام الصحيح للمبيدات والأسمدة، من حيث اختيار الجرعة الملائمة والطريقة السليمة، والأهم المراقبة الروتينية والتحليل الدوري لعينات المياه.
وفي خضم ما وصل إليه الوضع الحالي للمياه في قطاع غزة، فإننا بحاجة وبسرعة للبحث عن حلول جذرية ومستدامة، أي حلول طويلة المدى لمعضلة جودة المياه، ومن ضمنها ربما يكون محطات تحلية المياه، حيث حسب احد التقارير الصحافية الإسرائيلية، فإن محطات تحلية مياه البحر، توفر حاليا حوالي 35% من احتياجات مياه الشرب في إسرائيل، ومن المتوقع أن يصل الى 40% السنة القادمة، والى حوالي 70% بحلول عام 2050، وذلك من خلال سحب المياه من البحر، اي من البحر الأبيض المتوسط، وتحويلها او تهيئتها للشرب، ومن ثم إعادة ما يتم فرزه او إنتاجه من أملاح الى البحر الواسع، وبسبب التطور التكنولوجي لمحطات تحلية مياه البحر، فإن فعاليتها قد ازدادت، وبالتالي قلت تكاليف المياه الناتجة منها التي من المفترض أن تستخدم للاستهلاك البشري.
ومحطات تحلية مياه البحر هي فقط إحدى المسارات الهامة لحل معضلة المياه، لأن هناك مسارات أُخرى تم ويتم اتباعها للحصول على المياه، ومنها التطور التكنولوجي والإداري الكبير في عملية استغلال المياه العادمة، أي إعادة تدويرها لكي يتم الاستفادة منها، وهذا ما حصل عند الجانب الإسرائيلي، حيث حوالي 90% من هذه المياه يتم تكريرها وإعادة استخدامها في الزراعة أو في زراعة أنواع معينة، وما لذلك من فوائد اقتصادية وتنموية وبيئية. ونحن نعرف أننا نتج سنوياً أو شهرياً أو يومياً، الآلاف من الأمتار المكعبة من المياه العادمة، والتي تذهب سدى أو تلوث البيئة والصحة، ولا نستغل ولو الجزء البسيط منها، فلماذا لا نقوم كذلك بوضع خطة عمل لتكريرها وبالشكل العلمي الصحيح، وليس بشكل عشوائي كما يتم الآن، ومن ثم الاستفادة التدريجية منها، في الزراعة ولزراعة أنواع معينة من المحاصيل، كما يتم في العالم؟.