الفضاء غير المسموع

196
حجم الخط

أحداث كثيرة تمت منذ بداية العام  الحالي _ نصف شهر_ مليئة بالاستفسارات والاستنكار والضياع المجتمعي على عدة أصعدة، استنادي على ادعائي السابق جاء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، ما أود التركيز عليه في هذا المقال هو لماذا لا يتم معرفة واستنباط المزاج العام للشارع الفلسطيني من خلال تحليل مضمون ما ينشر وليس قمعه بأي شكل؛ لأنه مختلف بوجهة النظر او السياق الذي يرسمه شخص أو مجموعة ما؟! بالتالي العمل على رسم السياسات والتخطيط ومعالجة ما يمكن علاجه، وأفضل مثال ناجح لمؤسسة فلسطينية على ذلك هو ما تقوم به بلدية رام الله بسرعة علاج/توضيح/قضية ما يتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وادعائي الثاني ان مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مقياسا للواقع تستطلع به آراء الناس من خلال كتاباتهم المختلفة أهم من استطلاعات الرأي التقليدية أو الحديثة.       إن الآراء الإلكترونية المختلفة بأي شكل كانت، هي آراء تحضر وتتواجد لمدة قصيرة جداً، اذن هي ليست بحث أكاديمي علمي رغم اختلاف وتنوع أصحاب الآراء من حيث التحصيل العلمي فقد تجد شخصا ما لم يحالفه الحظ للحصول على الشهادة الثانوية العامة يناقش أستاذ العلوم السياسية في جامعة ما، بالتالي يخلق هذا الفضاء نقاشا لا نجده في الأغلب بقاعات المؤتمرات في الفنادق أو الجامعات.

مما أدى الى تحطيم المساحة الفاصلة بين ما تم تسميته في منتصف القرن الثامن عشر» ثقافة النخبة» و «ثقافة العامية». في حالتنا الفلسطينية وعلى اعتبار وجود « نخبة» بمفهومها الواسع وليس فقط السياسي_ أقدم لها النصيحة بقراءة ثقافة/ثقافات العامية الفلسطينية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي دون الوقوع في فخ الإنكار بأن هذه الوسائل لا تعبر عن المجتمع الفلسطيني؛ والخروج من العزلة المكتفية بتقديم الإرشاد الأخلاقي من أجل الحفاظ على ديمومة الذات فقط، وحتى لا أكذب على معشر «النخبة» أقول بأن هناك إحساسا متزايدا بشعور الانقسام/الاغتراب بين «النخبة» والعامة؛ يتم الاستشعار فيه كونه هيمنة وديكتاتورية سياسية، ثقافية، اقتصادية، اعلامية، دينية....الخ.

والمحزن والخطير في الأمر؛ أن هناك من قام/ويقوم بتعزيز حالة الهيمنة من خلال تعزيز التصادم والاقتتال الإلكتروني بالتراشق على صعيد الكلمة، الفيديو والصورة  من أجل تعزيز التقسيمات والانقسامات كل حسب مصلحته الفئوية الخاصة، وذاك بدوره مهّد الطريق أمام تحول آخر في قضيتنا وهو انسلاخ جديد وصل مرحلة الكفر بالقيادات المتنوعة مما أدى الى عدم التواصل بأي شكل من الإشكال.

مما أنتج ثقافة شعبية إلكترونية لا تقرأ أو تشاهد أو تسمع بوسائل الإعلام التقليدية. الثقافة الشعبية الإلكترونية هي من الناس وإليهم تتمرد على الإعلام التقليدي الذي لا يقوم بتغطية تلك الآراء المختلفة لأسباب كثيرة بحاجة لبحث علمي.

وهنا يجب الإشارة أيضاً أن الآراء الشعبية أيضاً منقسمة الى عدد ضخم من الآراء في القضية الواحدة، ولنا أن نتخيل قضية ما ونقيس كم الانقسامات في وجهات النظر التي تصل في مراحل ما حد التخوين والتجريح وجلد الذات الفلسطينية، والممتع بالأمر بأن الآراء الشعبية أصبحت تظهر حنكتها من خلال الطريقة التي تطور فيها أدوات/أساليب/تكتيكات جديدة من أجل استقطاب مؤيدين جدد ومتابعين لهم، على سبيل المثال: أسلوب الفكاهة، الكوميديا الساخرة، الموسيقى والأغاني، الصورة. تلك الثقافة الشعبية الإلكترونية غير المسموعة من قبل «النخبة» أصبحت تنتج مفاهيم ولغة بالتالي أفعال جديدة على صعيد فضاء المجتمع الفلسطيني من خلال المبادرات الفردية والجامعية، وهنا يولد سؤال بسيط :هل هناك قيمة لكل ذلك؟ بمعنى هل هناك فائدة يتم تحقيقها على الصعيد الشعبي؟ الإجابة السريعة نعم تم تحقيق فائدة؟ لكن كم هي نسبة الفائدة التي تم تحقيقها؟ وهل هذه الفائدة تعبر عن توجه مجتمع أم مجموعة مبادرة حققت الهدف وغابت لتظهر بعد فترة بمبادة جديدة وهكذا...

بمعنى فقدان الفعل المنظم لمواجهة   « النخبة» أو الاحتلال الإسرائيلي في أي فعل كان، والاقتصار بردود الأفعال. أخيراً أتمنى من «النخبة» أن لا تكتفي فقط باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار والصور الخاصة بهم، وإنما الطلب من دوائر الإعلام  بتقديم تحليل مضمون عن الآراء الشعبية في تلك الوسائل من قضايا معينة، أو معرفة اهم الإشكاليات الآنية كل حسب اختصاصه والعمل على معالجتها بالسرعة المتاحة. دون التصادم بأي شكل من الأشكال مع أصحاب تلك الآراء والمبادرات ما لم يخالف الدستور والقانون الفلسطيني.