دلالات صعود الصهيونية الدينية وتراجع الثقة بالجيش

26bdf1e396a251f4b77de6c4cd38b1b0.jpg
حجم الخط

 بقلم: العميد أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

 

 

كان تضاعف قوة الصهيونية الدينية وزيادة تأثيرها في القرار السياسي الإسرائيلي من أبرز نتائج الإنتخابات الأخيرة التي جرت في بداية شهر تشرين الثاني الجاري وفاز فيها معسكر نتنياهو اليميني بأغلبية مريحة، الأمر الذي يمكنه من تشكيل حكومة يمينية خالصة بعد أن فشل في تشكيل حكومة مستقرة خلال الجولات الإنتخابية الأربع التي جرت خلال اقل من أربع سنوات مضت.
اللافت هنا أن صعود أحزاب الصهيونية الدينية وزيادة تأثيرها في القرار السياسي الإسرائيلي جاء مقترناً بمواصلة تراجع نسبة ثقة المواطنين اليهود في إسرائيل بالجيش الإسرائيلي الذي أنيطت به مهمة تثبيت وجود الدولة وحمايتها من التهديدات الخارجية والداخلية، الأمر الذي يجعل من المشروع فحص إذا ما كان هناك علاقة إرتباط بين صعود الصهيونية الدينية وتراجع نسبة الثقة بالجيش، وهل سيكون لعلاقة الإرتباط هذه أثر على إستقرار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في قادم الأيام، وبالتالي على شرعية وجود الدولة، ثم ما هي تداعيات هذه العلاقة على الأمن القومي الإسرائيلي؟
وفيما ستحاول هذه المقالة التأسيس لإجابات على هذه الأسئلة، إلا أن ذلك لن يكون بكاف لتقديم إجابات تصلح لبناء تدخلات فلسطينية مناسبة، الأمر الذي يجعل من هذه المقالة بمثابة دعوة للباحثين المتخصصين في الشأن الإسرائيلي خاصة في الأمن القومي الإسرائيلي للشروع في الإجابة على هذه الأسئلة وما قد يتفرع عنها من أسئلة من خلال أوراق وأيحاث علمية محكمة.
وحول صعود الصهيوينة الدينية في المجتمع الإسرائيلي اليهودي، فقد أظهرت نتائج الإنتخابات الأخيرة أنها الفائز الأكبر في هذه الإنتخابات، وذلك مقارنة بنتائج الجولة السابقة التي جرت في آذار العام 2021، سواء من حيث عدد المصوتين لمكوناتها (حزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسليل سموترش، وحزب القوة اليهودية بزعامة بن غفير) أم من حيث عدد مقاعدالكنيست التي حصلت عليها، إذ صوت لها هذه المرة 516146 ناخبا في حين صوت لها 225641 ناخبا في انتخابات العام 2021، وفيما حصلت في العام 2021 على 6 مقاعد في البرلمان حصلت هذه المرة على 14 مقعدا، لتصبح القوة الثالثة في الكنيست بعد كل من الليكود وهناك مستقبل.
وعلى الرغم من وجود تيار ديني وصهيوني منذ تأسيس إسرائيل، إلا أن ما يميز تيار الصهيونية الدينية بزعامة سموتريش وبن غفير وفقاً لمجادلة بشارة هو مطابقة هذا التيار بين الدين والصهيونية، لا سيما منذ صعود موجات الإستيطان في الضفة الغربية بعد العام 1967، حيث خرج هذا التيار من رحم حركة الإستيطان في الضفة الغربية وشرق القدس، الأمر الذي جعل من المستوطنين في الضفة الغربية والقدس وامتدادهم في الجيش القاعدة الإنتخابية الأساسية لهذا التيار، إذ تظهر نتائج الإنتخابات انه حصل على 20% من اصوات الجيش.
أما من حيث تراجع ثقة المواطنين (اليهود) في إسرائيل بالجيش فقد أظهرت نتائج مسح الرأي العام السنوي الذي يجريه معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي (INSS) لأغراض قياس الأمن القومي، أن نسبة الثقة بالجيش بلغت (78%) في مسح العام الجاري 2021-2022، فيما بلغت في مقياس العام 2020-2021 (84%)، وبلغت في مقياس العام 2019-2020 (93%)، وبلغت في العام 2018-2019 (88%)، أما في العام 2017-2018 فبلغت (90%).
وتبين الأرقام أعلاه أن درجة ثقة المواطنين اليهود في إسرائيل في العام الجاري هي الأدنى في السنوات الخمس الأخيرة، وكانت الأعلى في العام 2019-2020، إذ هبطت من 93% في بداية العام 2020 الى 78% في بداية العام الجاري، أي أن الهبوط بلغ (15) درجة، وهبط بواقع 6 درجات مقارنة بالعام الماضي 2021، وإذا جرى ربط الثقة بالجيش بصعود الصهيونية الدينية، فيبدو واضحاً هنا أنه كلما تصاعدت قوة الصهيونية الدينية، كلما هبطت درجة الثقة بالجيش.
وتتضح علاقة الإرتباط هذه أكثر من خلال تكرار حالات إعتداء المستوطنين في الضفة الغربية على أفراد وضباط الجيش، وكذلك في اعتداءات وحدات من الجيش خاصة تلك التي تخدم في مناطق المستوطنات، لا سيما في قلب مدينة الخليل على المواطنين الإسرائيليين اصحاب القناعات اليسارية كما حدث يوم الجمعة الموافق 25/11/2022، في حادثة الإعتداء على الصحفي الإسرائيلي (بيتان) الأمر الذي دفع الصحفي الإسرائيلي دافيد باراك في تغريدة له على حسابه بتويتر الى إعتبار هذا الإعتداء بمثابة تفكك أخلاقي لوحدات الجيش الإسرائيلي.
ولا تعتبر الإعتداءات سواء على الجيش أو من قبل وحدات من الجيش على مواطنين إسرائيليين مؤشرا على تراجع الثقة بالجيش وانهيار منظومة القيم التي تحكمه وحسب، بل تعتبر مؤشر على اهتزاز مكانة الجيش في نظر المستوطنين، الأمر الذي يمكن ملاحظته في نتائج مسح الرأي العام في العام 2018-2019، إذ أظهرت نتائج هذا المسح أن ما نسبته 34% من المواطنين اليهود في إسرائيل يعتقدون أن منظومة القيم التي يعتنقها كبار الضباط في الجيش لا تتوافق مع منظومة القيم التي يعتنقها عامة مواطني الدولة.
وعلى ضوء ذلك تجادل هذه المقالة أن أحزاب الصهيونية الدينية ستسعى مستغلة صعودها وتنامي نفودها الى الشروع في تنفيد أجندتها الأيدلوجية ضد الشعب الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق العام 1948، وذلك عبر تغيير الأطر البنيوية والعملياتية للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية العاملة في الضفة الغربية خاصة على صعيد الجيش والإدارة المدنية، من خلال بناء جيش وجهاز شرطة جديدان مرتبطان هرميا بزعيم حزب القوة اليهودية (بن غفير) الذي سيتولى في حكومة نتنياهو الجديدة وزارة الأمن الداخلي أو وزارة الأمن الوطني وفق تعريفها الجديد.
ما تقدم يبين أن مؤشر ثقة الشعب بالجيش آخذة بالتآكل، لا سيما وأن قوة أحزاب الصهيونية الدينية آخذة بالصعود، الأمر الذي من شأنه أن ينقل الصراع في إسرائيل من صراع سياسي على من يحكم في إسرائيل كما تجلى في الجولات الإنتخابية الخمس الأخيرة، الى صراع على ماهية الدولة ومؤسساتها، وفي القلب من هذه المؤسسات المؤسسة العسكرية ومنظومة الأمن القومي التي تتعرض للتفكك كما صرح بذلك كل من رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد قبل أسبوعين من الآن، ووزير الأمن جانتس يوم الجمعة الموافق 25/11/2022.
ومن جهة أخرى يبين أن الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين الإنتدابية الممتدة من النهر للبحر الذي ترى فيه أحزاب الصهيونية الدينية أنه ليس أكثر من عبيد قد تمردوا على أسيادهم اليهود، وأنه قد آن أوان توظيف مزيد من القوة ضدهم وتكرار تجربة نكبة العام 1948، لحسم الصراع على الأرض والمقدسات وكذلك على الإنسان، الأمر الذي يفرض على الشعب الفلسطيني الإستعداد ليس فقط لمواجهة خطط إسرائيل بوجهها الصهيوني الديني الجديد، بل للإنتصار على هذه الخطط بمزيد من الصمود والوحدة والحكمة والشجاعة والجرأة.