ملامحُ المخطّط العنصري الفاشي

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 

صعود الفاشية العنصرية في إسرائيل، ليس صدفةً أو ضربة حظ خارجة عن السياق العام لتطور المشروع الصهيوني، وحوامله الاجتماعية والسياسية.
حين تصعد العنصرية الفاشية إلى مؤسسات اتخاذ القرارات التشريعية، والتنفيذية في دولة احتلال، سبق لها أن حدّدت هويتها العنصرية من خلال قانون القومية، فإن مثل هذا التطور لا بدّ أن يستند إلى قاعدة اجتماعية منحته أكثر من رُبع أعضاء الكنيست.
هذا يعني أن المجتمع الإسرائيلي اليهودي، يتّجه بوتائر سريعة، نحو التأسيس لمرحلة جديدة، على مستوى إقرار السياسات، والاستراتيجيات الصهيونية التوسعية، وحدّد وقرّر أدوات تحقيق ذلك.
في استطلاع حديث نشرته «يديعوت أحرونوت»، وأجراه «معهد الديمقراطية» الإسرائيلي، يؤيد 55% من الفئة المستطلعة آراؤهم، أنّ على الجيش أن يقتل المسلحين الفلسطينيين حتى لو لم يعودوا يشكّلون أيّ خطر.
الاستطلاع ذاته يشير إلى أن 45% يؤيدون استهداف السكان المدنيين في غزة، لردع الصواريخ على إسرائيل.
بمقارنة هذه النسب، مع العام 2018، فإنّ ذلك يشير بوضوح إلى المَيل المجتمعي المتصاعد والمستمر، نحو العنصرية الفاشية، فلقد كانت نسبة المؤيدين لقتل الفلسطينيين من دون تهديد 37%، ومن يطالبون بقتل المدنيين من سكّان قطاع غزة بنسبة 27,5%.
أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ يرى عن حق أنّ الصراع دخل مرحلةً جديدة تتطلب تغييراً شاملاً في الخطة الوطنية لمواجهة المشروع الصهيوني.
الشيخ لم يتحدّث عن إصلاح الأوضاع الفلسطينية أو عن إنهاء الانقسام، أو إصلاح المنظمة، وإنما تحدث عن تغيير شامل، وهو بذلك يكون قد أصاب كبد الحقيقة نظرياً، ويبقى السؤال: متى وكيف يمكن أن يشكّل استنتاجه، رأياً عاماً نافذاً لدى كل مستويات القرار، وتوفير إرادة الإقدام على التغيير؟
منذ فترةٍ طويلة والكثير من الفلسطينيين، يشيرون إلى أنّ السعي وراء تحقيق الحقوق الفلسطينية، عَبر المفاوضات، قد وصل إلى طريقٍ مسدود وأن «رؤية الدولتين» لم تعد قائمة بفعل الأمر الواقع.
ماذا ينتظر الفلسطينيون حتى يعترفوا بفشل هذا النهج، ويبادروا إلى إجراء التغييرات اللازمة، التي يفرضها الواقع، إذا كانت شخصية أميركية رفيعة المستوى، مثل السفير الأميركي السابق مارتن إنديك، وهو أحد أطقم المفاوضات يُعلن عن نعي «حل الدولتين» بعد اتفاق بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير؟
ليس من باب العتب ولا الشماتة، نقول: إن هذا النعي متأخّر، فإذا كانت «حكومة الكوكتيل» برئاسة يائير لابيد، قد أوغلت في الدم الفلسطيني، فماذا نتوقع من حكومة تدير سياسة عنصرية فاشية من دون تجميل ومن دون أية «إكسسوارات»؟
لابيد وغانتس، ومسؤولون إسرائيليون آخرون أمنيون وعسكريون سابقون، وكُتّاب وصحافيُّون، لا يتوقفون عن التحذير من الكارثة، التي تنتظر إسرائيل بسبب هذا التطوّر.
خمسة شهداء في يومٍ واحد، وعشرات المصابين والمعتقلين، قبل أن يضع بن غفير يده في حفلة القتل، فكيف ستكون الأوضاع بعد أن يتسلّم مسؤولياته كوزير للأمن القومي، بصلاحياتٍ واسعة؟
بيني غانتس وزير الجيش الإسرائيلي، يقول إن بن غفير يسعى لتشكيل ميليشيا خاصة له. ترجمة ذلك، جاءت في الصلاحيات التي اتفق عليها نتنياهو وبن غفير، حيث سيكون تحت إمرته «حرس الحدود»، بالإضافة إلى تشجيع المستوطنين على حَمل السلاح، وتشكيل ميليشيات منظمة لاستهداف الفلسطينيين.
بن غفير أوضح ذلك في إحدى تغريداته، حين قال: إنه سيعمل على تغيير الواقع القائم في القدس والمسجد الأقصى، وإنه سيجري تغييراً على قواعد إطلاق النار، بما يسمح لأدوات القتل بإطلاق النار على كل فلسطيني حتى لو أنه لا يشكّل تهديداً».
وفق هذا التطور في المشهد الاجتماعي والسياسي الإسرائيلي، فإن المرحلة القادمة ستتجاوز مسألة وضع نهاية لـ «اتفاقية أوسلو»، ونهاية أكيدة لكل حديث عن السلام و»رؤية الدولتين»، باعتبار ذلك من مقتضيات خطاب سابق ومرحلة سابقة.
المرحلة الجديدة عنوانها، تجريف الوجود الفلسطيني، بعد أن تمّ تجريف الحقوق السياسية وحتى المدنية للفلسطينيين.
في الواقع فإن سياسة إطلاق النار والقتل، من دون وجود تهديد تعني أنّ الفلسطيني لا حقوق له لا سياسة ولا مدنية، ولا حتى وجودية.
هذه مرحلة من مراحل المخطط الصهيوني الأساسي، الذي قام على زعم «أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض»، ولعلّ الفلسطينيين في الأرض المحتلة العام 1948 ليسوا خارج هذا السياق.
ثمة تركيز واضح، واستهداف من قبل حزبي بتسلئيل سموتريتش وبن غفير لسكان النقب الفلسطينيين، بينما لا تتوقف احتجاجات خمسة وعشرين ألف فلسطيني من سكان مدينة يافا، في مواجهة سياسة مصادرة لأملاكهم واقتلاعهم من أرضهم وبيوتهم.
وفق هذا المنظور، فمن المتوقع أن تشهد الضفة الغربية مواجهات دامية، حيث يتوعّد نتنياهو بأن حكومته ستسعى لفرض «السيادة الأمنية» على كامل الضفة.
وفي ضوء ذلك، فإن إسرائيل قد تنتقل إلى مرحلة تصعيد دور المستوطنين، كمجتمع كبير في الضفة والقدس، وبحيث يلعب هؤلاء دوراً مباشراً في سياسة اقتلاع الفلسطينيين والتطهير العرقي.
استناداً إلى رؤية إسرائيل بأن هذه الأرض متنازع عليها. واضح أن إسرائيل تسعى لاستغلال النظام الدولي القائم، لتحقيق «نقلة نوعية» في مخططاتها التوسعية على كامل الأرض الفلسطينية، قبل أن ترسو التطوّرات الدولية على واقعٍ مختلف.