ترى فريدة فرهي، وهي محاضرة في جامعة هاواي الأميركية، أن آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 76 عاماً، يتأمل الإرث الذي سيخلفه وراءه مع اقتراب يوم الانتخاب في 26 فبراير/شباط، حيث سيتم انتخاب 88 من رجال الدين ليشكلوا "مجلس الخبراء" الذي تقوم مهمته الوحيدة على تحديد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
تقول فرهي في مقابلة مع مكتب صحيفة الغارديان البريطانية في طهران، إن الانتخابات مهمة، ليس فقط لأن المجلس الذي تدوم دورته 8 سنوات قد يختار خلفاً لخامنئي، بل أيضاً لأن الانتخابات والطريقة التي ستتم بها، ستحدد مصيرَ منصب المرشد الأعلى و"مكتب المرشد" اللذين يُعدان مركزي الهيكل السياسي الإيراني.
أسابيع حاسمة في إيران
يجعل هذا من الأسابيع القليلة القادمة حاسمةً، لذلك ستراقب فرهي عن كثب تقييم المرشحين من قبل مجلس مراقبة الدستور، أي ما يُعرف في إيران باسم "المجلس الحارس".
لا توجد سوابق لانتخاب مرشد الثورة الإسلامية، ففي الماضي شهدت انتخابات مجلس الخبراء تشديداً من قبل مجلس مراقبة الدستور، والخلافة الوحيدة التي حصلت في منصب المرشد الأعلى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979 كانت حين فاز خامنئي بتصويت المجلس في عام 1989 بسبب الموافقة المسبقة التي كان قد حصل عليها من آية الله روح الله الخميني أثناء مرضه الأخير.
تقول فرهي "ثمة فرصةٌ أن تشهد هذه الانتخابات تنافساً للمرة الأولى، فقد ترشح بعض رجال الدين الأكبر عمراً الذين رفضوا الترشح في الماضي بسبب ترفُّعهم على التقييم، كما أن بعض رجال الدين الشباب سيترشحون أيضاً، بمن فيهم أحد أحفاد خامنئي على الأقل (حسن) المقرّب من المعسكر الإصلاحي".
ترى فرهي في خامنئي "بانياً لمؤسسة"، حيث غيّر منصب مرشد الثورة عما كان عليه أيام الخميني، إذ اعتمد المنصب حينها على شخصيته القوية. أما خامنئي فقد وسّع سلطة المكتب في شؤون السياسة والمجتمع.
وتضيف فرهي "إرث خامنئي، مثلما هو إرث معظم القادة الشرق أوسطيين، سيتجسد في الطريقة التي سيرحل بها أكثر مما فعله كقائد. فمدى ارتباط المؤسسة التي بناها؛ مكتب المرشد، بشخصه تحديداً ليس واضحاً بعد. إن كانت مرتبطة به لدرجة كبيرة، فسيكون رحيله منطلقاً لعدم الاستقرار وبالتالي لن ينعكس إيجاباً على إرثه. دستورياً، يُعتبر مكتبه جوهرَ الجمهورية الإسلامية، ودوره الرئيسي هو ضمان استقرار الجمهورية، حتى في الفترة الانتقالية".
تراجع سلطات المرشد مقابل الاستقرار
لذا تعتقد فرهي أن انتخاب مجلس الخبراء دون التدقيق المعهود غير المبرّر للمرشحين قد يخلق فرصة لتمثيل المزيد من التيارات وبالتالي مجلساً محترماً أكثر يستطيع "انتخاب مرشد جديد أو ربما يدعو إلى تأسيس مجلس ينوب عن منصب المرشد"، وهو خيارٌ سيتطلّب المصادقة عبر إصلاحٍ دستوري.
إذا أخذنا بعين الاعتبار سيطرة المرشد الأعلى على مجلس مراقبة الدستور الذي عيّن نصف أعضائه بنفسه كما هيمن على قراراته في بعض الأحيان، فإن خامنئي يمكن أن يساعد في تقديم مزيد من ممثلي التيارات المتنوعة في المجلس. "إن حدث هذا، فإن الطريق ممهَّد لاختيار المرشد الجديد الأقل سلطةً ولكنه يدير مؤسسةً أكثر استقراراً على المدى البعيد".
لذا تقول فرهي إن انتخابات شباط التي تتزامن مع الانتخابات البرلمانية، ستكون حاسمةً بطريقة أو بأخرى في رحلة إيران تجاه حكومةٍ تمثّلها بحق منذ الثورة الدستورية التي حدثت في عام 1905.
الانتخابات الإيرانية.. تاريخ من الشكوك
الشكوك حول نظام الانتخاب الإيراني كانت قد ازدادت بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في عام 2009، حين رفض مرشّحان رئاسيان، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، نتائج الانتخابات وانضم الآلاف إلى احتجاجات عُرفت باسم "الحركة الخضراء".
بعد اضطرابات عام 2009، جاءت الانتخابات البرلمانية، وحينها فشلت السلطات في إعلان نتائج الانتخابات، "فالعديد من الناخبين، خاصة في المدن، كانوا ساخطين بسبب انتخابات 2009 والعنف الذي تبعها، بقوا في منازلهم، مخمنين نتائج الانتخابات المقرّرة سلفاً"، كما قالت فرهي.
لكنها اعتبرت انتخابات 2013 الرئاسية نقطةَ تحوّل، لأن مشاركة 73% من الإيرانيين في التصويت أظهرت أنهم يؤمنون بأن التصويت قد يُحدث فرقاً. وجاء فوز روحاني لأن "الأمل تغلّب على السوداوية"، كما كتبت فرهي في مقال عنوانه "لماذا روحاني؟" نشرته في صحيفة London Review Of books.
يحدد هذا المشهد لانتخابات شباط القادم. تقول فرهي "بالدرجة الأساسية، انتخابات شباط مهمّة إن انتهت إلى تأكيد أن سياسة الانتخابات التنافسية، داخل إطار الجمهورية الإسلامية، أصبحت ضرورية في تحديد التوجه السياسي للبلاد، مثلما في إعادة تشكيل موازين القوى داخلها. إن كان معدل المشاركة مرتفعاً في المدن الكبرى، فإن هذا سيؤكّد أن الناس تعي أهمية الانتخابات، وأن انتخابات 2009 كانت استثناءً وليست قاعدة في عملية الدسترة التدريجية للعملية الانتخابية، وهي العملية التي ستمضي بإيران إلى ممارسة سياسة تنافسية أكثر عملية".
فرهي كانت قد غادرت إيران عام 1972 للدراسة في الولايات المتحدة، لكنها كثيراً ما عادت إلى إيران خلال الحرب العراقية، كما قضت معظم التسعينيات مدرّسة في الجامعات الإيرانية. وقامت أخيراً بعدة زيارات إلى طهران.
عن موقع "هافينغتون بوست" الاميركي