ما أشبه اليوم بالأمس، استيقظ الشعب الفلسطيني قبل 35 عاماً على نبأ استشهاد أربع عمال فلسطينيين من مخيم جباليا، بعد أنّ دهسهم مستوطن بشاحنته على حاجز يت حانون "إيرز"، وعلى إثرها اندلعت "انتفاضة الحجارة" حيث كانت "الحجارة" سلاح الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واليوم في العام 2022، في صباح الثامن من ديسمبر، استيقظ الشعب الفلسطيني أيَضاً على نبأ استشهاد ثلاثة مقاومين في مدينة جنين، في إطار محاولات الاحتلال القضاء على الحالة النضالية المتصاعدة مُنذ استشهاد مؤسس كتيبة جنين جميل العموري في يونيو 2021.
انتفاضة الـ87 دارت في كل "قرية وبيت وحارة"
سبع سنوات هي عمر انتفاضة الحجارة، لم تتوقف خلالها عن الدوران في كل"قرية وبيت وحارة" كما يقول النشيد الثوري، حيث شارك بها كل بيت وعائلة وجدار وشارع ومخيم وحارة ومدينة وقرية فلسطينية في الضفة وغزّة والقدس والأراضي المُحتلة عام 1948.
1550 فلسطيني اُستشهد خلال الانتفاضة الأولي، واُعتقل نحو 100 إلى 200 ألف فلسطيني، وفقاً لمعطيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى، كما تُشير معطيات مؤسسة الجريح إلى أنّ عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يُعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، و65% من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف مهمة.
كما كشفت إحصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي، أنَّ 40 فلسطينياً اُستشهدوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية، بعد أنّ استخدم المحققون معهم أساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات.
سياسيًا، يمكن تلخيص أبرز ثلاثة عوامل صاغت انتفاضة الحجارة، أولاً: جاءت بعد أنّ فقدت منظمة التحرير آخر معاقلها بعد خروج المقاومة من بيروت عام 1982، وبالتالي خسارة أحد أهم أوراق الضغط على الاحتلال، ثانياً "جاءت في توقيت بدأ فيه التفكير بنقل العمل المسلح إلى غزّة والضفة.
أما العامل الثالث، فهو أنّها جاءت في فترة، كان يعتقد الاحتلال أنّه سيبقى بلا تكلفة، فغيرت الانتفاضة قواعد اللعبة في المنطقة.
ولعل العامل الأخير، في الانتفاضة الأولى يتشابهه كثيراً مع الحالة النضالية المتصاعدة الحالية التي تهدف لرفع كلفة الاحتلال الذي يقتل ويعتقل ويصادر أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة، مُعتقداً أنّه أنهى النضال الفلسطيني، وحصره في المقاومة بغزّة؛ لكِن رد الشُبان المقاوم العابر للفصائلية الذي جسدته فكرة "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" قلبت المعادلة؛ الأمر الذي جعله يقول إنَّ هذه المجموعات تُسبب لنا صداع مزمن في شمال الضفة، فيُحاول القضاء عليها لمنع انتشار الفكرة إلى بقية مدن الضفة والقدس المحتلة والداخل المحتل.
انتفاضة الحجارة والحالة النضالية المتصاعدة
بدوره، رأى الباحث السياسي، ورئيس المركز الفلسطيني للحوار الديمقراطي والتنمية السياسية، وجيه أبو ظريفة، أنَّ "الانتفاضة الفلسطينية الأولى، جاءت ردًا على سياسات الاحتلال العدوانية بحق الإنسان الفلسطيني، وكذلك للرد على الهجمة الاستيطانية في ذلك الوقت وعلى حالة الإحباط من عدم وجود أيّ أفق سياسي، والتي لا تزال موجودة حتى الآن وهي مقدمات لتصعيد دائم".
وقال أبو ظريفة، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ الانتفاضة الأولى تختلف سماتها عن الآن؛ لكِن ما نشهده من عمليات تصعيد في الضفة الغربية ومقاومة بكل الوسائل وفي كل الأيام والأوقات، هي انتفاضة حقيقية بغض النظر إنّ كانت انتفاضة مُعلنة أو متقطعة أو دائمة، بل هو عامل انتفاضي مختلف في الشكل ومتطابق في المضمون".
وبالحديث عن إمكانية تكرار تجربة انتفاضة الحجارة؛ خاصةً حالة الوحدة الوطنية التي تجسدت خلالها، بيّن أبو ظريفة، أنَّ "الانتفاضة الأولى لها سمات تختلف بفعل الحقبة الزمنية، فقد جاءت بعد خروج المقاومة من لبنان وتوقيع اتفاقيات سلام بين العرب وإسرائيل، وكانت تلك الفترة محبطة، ولم يتوقع أحد أنّ تقوم انتفاضة شعبية عارمة في وجه الاحتلال بهذا الشكل والقوة".
وأردف: "وبالتالي كانت عملية تجانس بين الشعب بأكمله ووسائل المقاومة نفسها من المقاومة الشعبية للتعليم الشعبي للجان المدن إلى القوات الضاربة، وكل ذلك تخلله انسجام ما بين القيادة الوطنية الموحدة الموجودة في الداخل وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج وهو الأمر الذي نفتقده الآن".
وأشار إلى أنَّ أهم سمات الانتفاضة الأولى أنّها حيدت الآلة الإسرائيلية؛ بسبب طابعها السلمي والشعبي وانتشارها، وإضافةً إلى أنّها كسبت الرأي العام العالمي، مُؤكّداً في ذات الوقت على أنَّ الشعب الفلسطيني ما زال هو نفسه وكذلك الحق الفلسطيني وإجراءات الاحتلال نفسها؛ وبالتالي من الممكن أنّ يكون هناك كسب للرأي العام العالمي ووحدة وطنية.
واستدرك: "لكِن يحتاج ذلك لعمل فلسطيني مستمر ما بين كل المكونات، وأنّ تكون القضية الفلسطينية والقضية الوطنية هي المحرك الأول للمواقف السياسية سواء من قبل القيادة السياسية أو من قبل الفصائل والمكونات الشعبية"، مُشدّداً في ذات الوقت على أنّ مقاومة الشعب الفلسطيني ستستمر طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية.
استثمار برسم ثلاث مرتكزات
وعن كيفية الاستثمار السياسي للحالة النضالية المتصاعدة الراهنة، قال أبو ظريفة: "إنّ الانتفاضة وكل عمل مقاوم هي وسائل من أجل التحرر الوطني، وبالتالي يجب استثمار أيّ فعل يُقربنا من التحرر سواء على المستوى السياسي أو الدبلوماسي أو حتى مستوى عمليات المقاومة بكل أشكالها".
وأكمل: "ينبغي العمل وفق ثلاث نقاط رئيسية لاستثمار الحالة النضالية المتصاعدة الحالية، أولاً بتحقيق الوحدة الوطنية؛ لأن الشعب الفلسطيني يستحق قيادة وطنية موحدة تقود العمل الكفاحي، وثانياً عبر مواجهة حكومة الاحتلال الفاشية الجديدة بقطع العلاقة معها وتطبيق قرارات المجلس المركزي واجتماع الأمناء العامون، حيث يجب أنّ يتم تعرية الحكومة الفاشية بزعامة نتنياهو وعزلها".
واستطرد: القضية الثالثة هي استكمال المشروع الوطني، بإعلان دولة فلسطين تحت الاحتلال والذهاب للعالم وتحميله المسؤولية للاهتمام بدولة فلسطين والمطالبة بانسحاب القوات الغازية منها"، مُشيراً إلى أهمية أنّ تكون هذه النقاط الثلاثة على قائمة الاستثمار السياسي، وإلا فسيكون كل ما يحدث إهدار للتضحيات التي قدمها شعبنا.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس، فريد أبو ضهير، فقد رأى أنَّه "لا يوجد تشابه بين انتفاضة الحجارة والحالة النضالية المتصاعدة حالياً، لأنَّ المقاومين يعتمدون السلاح في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي كان مفقوداً في الانتفاضة الأولى التي كانت تعتمد على الحجارة، باستثناء بعض الحالات الوطنية التي كانت تعتمد على وجود جيش الاحتلال في المدن والحواجز، فيلجأ الشبان إلى الحجارة".
وأضاف أبو ضهير، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لكِن فيما يتعلق بالحالة النفسية للجمهور الفلسطيني، فهناك تشابه بين انتفاضة الحجارة والحراك الحالي؛ من حيث الربط الجماعي والتصميم على مواجهة الاحتلال والالتفاف حول فكرة المقاومة والتصدي".
وعن كيفية الاستثمار السياسي للحالة النضالية المتصاعدة، أوضح أنَّ "المكاسب السياسية عادةً ما تكون مبنية بقدر التأثير على الاحتلال؛ ولذلك لابّد من تعزيز الحالة النضالية لصمود الشعب الفلسطيني الذي يُوفر الدعم للمقاومة حيث تكون مُؤثرة من الناحية السياسية والنفسية على الاحتلال".
وشدّد على تخوف المستوطنين من الحالة الراهنة، حيث تم إطلاق دعوات لزيادة الحراسة على المستوطنات والطرق التي يسلكونها؛ الأمر الذي يؤكد تأثير الحالة الفلسطينية على واقعهم، مُعتقداً أنّه من الممكن استثمار هذه الحالة أيّ خوف الاحتلال ومستوطنيه عربياً وإقليماً ودولياً.