يشعر الفلسطينيون أن ظلما كبيرا وقع عليهم وأن مواقفهم هذه المرة قد تغيرت تماما ولن تعود كما كانت ، وأن قتلا بشعا يمارس ضد شعب الارض المحتلة .
لم تعد نشرات الأخبار تكفي لنقل الاحزان ، وصارت الكاميرات تخجل من عيون امهات الشهداء التي تتركنا في بحر الدموع والأوجاع . والشهداء يتركون لنا أسئلة كبيرة لا نستطيع الاجابة عليها ؛ أسئلة لم نستعد لها :
لماذا بدا لي صوت الصديق الغالي فتحي خازم وهو يرثي ولده الشهيد رعد الخازم مختلفا عن صوته وهو يرثي ولده الثاني عبد الرحمن ؟
لماذا نسمع صوت الرصاصة التي تصيب قلب الحبيب تشلع السماء شلعا ، وتجفل الطيور . وبالفعل تكون تلك الرصاصة في تل اللحظة قد قتلت حبيبا غاليا انتظرنا عودته ولكنه لن يعود .
لماذا يكرهوننا لدرجة أنهم يقتلوننا ويقتلون أطفالنا أمام أعيننا . ولماذا لم نكرههم لدرجة نقتلهم ونقتل أطفالهم ؟
كيف نقنعهم أننا لن ننسى، ولن نغفر ، ولن نقبل غير فلسطين وطنا . كيف نقنعهم اننا لن نتراجع ولن نتغير ولو بعد الف عام ، وان فلسطين هي الماضي وهي الحاضر وهي المستقبل .
متى يدركون أنهم مجرد طيور مهاجرة . وان الشتاء سيمر سريعا سريعا وان الطيور ستعود الى اوروبا مهما طال الشتاء.
في بيوت عزاء الشهداء .. بات الكلام قليلا، وباتت النظرات أكثر حدة . عشرات الاف المشيعين وبطل واحد للقصة .
في خيمة عزاء الشهيد عمر مناع في الدهيشة .جاء الجميع ومن مختلف الديانات والاحزاب والأجيال . ولفت انتباهي صورة وديع حداد وغسان كنفاني وياسر عرفات وجورج حبش وابو علي مصطفى . وكأنهم حضروا من جديد لتدشين المرحلة القادمة .
يترك الفلسطينيون خيمة وينتقلون الى خندق جديد .
يتركون حاجزا عسكريا ليزرعوا بستانا .
يتركون ولدا ليستردوا وطنا.
يتركون قصرا ليسكنوا زنزانة توفر لهم كرامة جيل .
في احدى قصائد ابو ايليا الماضي يقول ( قد سألت البحر يوما
هل انا يا بحر منك
ضحكت امواجه مني وقالت:
لست أدري ) .
اما نحن
فلن نسأل البحر
بل يسألنا البحر
فنحن ندري
ونحن نعلم
ونحن هنا باقون.