ما أنَّ ترى صور جمال الإبداع الرباني للطيور، تأخذك الراحة النفسية التي لا مثيل لها، فينطلق لسانك دون أنّ تشعر بذكر تسبيح الله والتمجيد في مخلوقاته الجميلة.
هذا الجمال اهتم به عدد من شباب قطاع غزّة الذين أصروا على أنّ تكون لهم مشاريعهم الخاصة، والتي يمكن أنّ تدر عليهم ربحاً وفيراً، فانطلقوا بالبحث والدراسة عن كيفية تربية تلك الطيور، وكيف الحصول عليها وعلى بيوضها وعن الدول التي يُمكن أنّ يحصلوا على تلك الطيور منها.
أحد هؤلاء الشباب هو أيمن حسونة الذي يعمل في مجال بعيد كل البعد عن هواية تربية الطيور الغريبة والنادرة، حيث درس في مجال الكهرباء وعمِل بها وأبدع أيضاً في مجاله، لكِن استهواه تربية الطيور منذ نحو 23 عاماً تقريباً.
ويقول حسونة: "بدأت تربية طيور الزبيرا وهو ما يعرف بـ "الفنكر" والبادجي البلدي والمعروف بـ"دويري هندي"، وانقطعت فترة الدراسة عن التربية ورجعت بعد فترة لطيور ذات جودة وجمال أعلى من التي كنت أقوم بتربيتها، وهي عبارة عن الروزوليكس والبرسوناتا والفيشر".
وحول كيفية حصوله على تلك الأنواع، أوضح حسونة، في حديثه لمراسلة وكالة "خبر"، أنّه استعان بأصدقاء من مصر والمغرب العربي والداخل المحتل، وأخذ طيور وخطوط دماء جديدة ونادرة.
وعن مرحلة الانتقال من الهواية لتربيتهم وبيعها، قال: "بعد أنّ كانت هواية وتعرفت على أنواعها وطرق إنتاجها ووسعت من علاقاتي مع أصدقاء خارج غزّة، أصبح لدي فائض فبدأت أبيعها وأُروج لها عبر صفحتي الشخصية في موقع فيسبوك."
وتابع: "البيع حسب السوق، لو السوق مناسب وفي أحسن حالاته، الأسعار ترتفع وتصبح الأمور أكثر سلاسة، وهو ما يغنيني عن العمل في مجال آخر غير تربية تلك الطيور، فتجارتها تُدر أرباحاً كبيرة في الوضع الطبيعي".
أما عن تجاوب المواطنين وحبهم لاقتناء مثل هذه الطيور الجميلة والنادرة، فقد أكّد حسونة، على أنَّ أيّ إنسان ذواق يتمنى أنّ يكون لديه أجمل طيور، وهناك فعلاً ذوق لابأس به عند الزبائن لاقتناء الطيور النادرة.
وأشار إلى أنَّ تربية الطيور الغريبة لم يكن أحد يعلم عن تركيباتها وألوانها، وكيف يتم إنتاج طفرات على مستوى البلدان الأخرى، مُستدركاً: "كنا نُدخل الطير مع أيّ مسافر، وبموافقة ورقية من وزارة الزراعة المصرية وموافقة المعبر، وأستورد أيضاً طفرات أيونج فيشر- وأبلاين جرين، مع العلم أنّني أول من أدخل الفصيلة الأوروبية عن طريق مصر، ولدي من تفريخي ألوان ومستويات نادرة وعالمية".
وبيّن أنَّ الطير ما هو إلا عبارة عن طفرات لونية وصبغيات، يجب معرفة ترتيب ألوانها ونوع الطفرة وآلية الوراثة الخاصة بها عند التربية.
وبسؤاله عن مدة التربية والاعتناء بالطير في مرحلة البيض وحتى التفقيس والاعتناء به حتى يكبر، قال: "أقل تركيبة عندي تحتاج من سنة إلى سنتين، لأحصل على حبة واحدة أو طفرة منه عن طريق تركيب ألوان، ولأنّي أقوم على نقطتين مهمتين الأولى أنّ يكون المستوى قريب للمستوى العالمي والحجم، والثانية توفير غذاء وفيتامينات معينة غالبيتها أطلبها من دول أوروبا، وهذا الموسم قمت بشراء فيتامينات ومضادات حيوية بقيمة ثلاثمائة دولار تقريباً، وتمكنت من الوصول إلى نوعيات معينة وبجودة عالية بعد صبر وتعب".
ولكي يحصل أيمن على الأنواع النادرة وبجودة عالية، لفت إلى ضرورة توافر بعض العوامل عند تربية الطير، ومنها تعرضه للشمس في ساعات الصباح لمدة تتراوح بين 3 إلى 4 ساعات، بالإضافة لمنع تيارات الهواء المباشرة عنه حتى لو كان الجو حاراً، لكي لا يمرض ويُصاب بالتهابات تنفسية ومعوية.
ونبّه إلى أنَّ بعض مُربي الطيور في غزّة يقومون بشراء الباتيهات والفواكه المستوردة، في حين يقوم هو بصنع تلك الباتيهات بشكل يومي وهي عبارة عن "حبوب منقوعة وبيض وخضار وفواكه" وهو كل ما يحتاجه الطير من الطبيعة.
وعن الصعوبات التي يواجهها في تربية الطيور، قال: "أصعب شيء هو الوقت، وعدم توافر العلاجات والفيتامينات اللازمة للطير، فهما العنصرين المهمين في التربية، وعدم الحصول عليهما يؤدي لتخفيض الإنتاج واحتمالية الموت تكون كبيرة".
وأردف: "مواقع التواصل الاجتماعي جعلت جميع المربين يتعرفوا أكثر على نوعية الطير واسمه وسعره وكيف تتم تربيته، بالإضافة للإقبال الكبير على اقتناء الطيور من قبل المواطنين الهواة، وبمجرد أنّ أقوم بالإعلان عن أحد الطيور يتم بيعه مباشرةً"، مُضيفاً: "الأسعار انخفضت قليلاً وذلك بسبب عدم تصدير الطير لدول الخارج ، والعرض هنا في غزة أكثر من الطلب".
وبالانتقال إلى أسعار الطيور، كشف حسونة، أنّ السعر يُحدده نوع ولون الطير، فمثلاً "البادجي" يتراوح سعره ما بين 40 شيكل وحتى 2000 شيكل، أما الفيشر فيتراوح ما بين 100 إلى 1500 شيكل، والروز يوجد لدي نوع يبلغ سعر الزوج منه 400 شيكل ، مُتابعاً: "بعد أسبوعين سأقوم بإنتاج طفرة أعمل عليها منذ عام ونصف يُباع الزوج منها نحو 3000 شيكل، وذلك بسبب صعوبة تفريخه".
ولأنّه يتحدث عن نوعيات وفصيلة نادرة من الطيور تحتاج لتكاليف كبيرة من حيث الغذاء والتربية، كان لابد أنّ يكون لديه نوعيات أخرى تُدر عليه ربحاً وتكون تربيتها سهلة وبسيطة، ويقول: "لدي نوعيات بلدية تُغطي على تكاليف الأكل والعلاج في حال قمت ببيعها، وهي تقدر بـ25 زوج من الطير".
ونوّه إلى أنّه يقوم بتربية تلك الطيور في منزله، وفي الأيام القادمة يُفكر بتوسيع مكان التربية ليكون له مزرعته الخاصة المكيفة لتربية الطيور وبمواصفات ممتازة.
كما تمنى أنّ يصبح في غزة اتجاه من قبل الحكومة والمختصين لتوفير المعارض والمسابقات بين المربين، لخلق نوع من التشجيع والتنافس فيما بينهم، وبالتالي فتح المجال لكل واحد منهم لبيع طيوره، بالإضافة للسماح بتصدير تلك الطيور للخارج لتدر المال عليه وعلى غيره ممن يعملون بجد واجتهاد لإنتاج طيور بمواصفات ممتازة.