يمضي الاحتلال "الإسرائيلي" في مخططاته الأمنية الرامية إلى بناء الجدران الإسمنتية حول التجمعات الفلسطينية؛ ليُشبع هوسه بحتمية حماية مستوطنيه وجيشه من أيّ عملٍ مقاوم قد يأتي بغتة من الفلسطينيين، بعد إغلاقه أيّ أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية؛ بذريعة عدم وجود شريك فلسطيني.
تفكيك كارني.. لإقامة حاجز أمني
تفكيك معبر كارني، شرق غزّة، آخر مخططات الاحتلال الأمنية؛ التي أعلن عنها الأسبوع الماضي، في سبيل تحصين المستوطنات المجاورة لغزّة، بعد توقف العمل به مُنذ العام 2011، إثر قيام فلسطينيين بعمليات فدائية هناك، وذلك لإقامة حاجز أرضي مكانه؛ ليبقى معبر كرم أبو سالم، هو المعبر التجاري الوحيد لقطاع غزّة نحو العالم الخارجي.
ومعبر "كارني" اُفتتح مع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994، وكان يُستخدم كمعبر تجاري لنقل البضائع من وإلى غزّة وكذلك لخروج عمال غزّة للعمل في الداخل المُحتل، قبل أنّ يتوقف العمل به في العام 2011 بقرار "إسرائيلي".
استكمال الجدار الأمني حول غزة
ويأتي تفكيك معبر كارني وإقامة حاجز أمني، في إطار استكمال الجدار الأمني الذي أعلنت "إسرائيل" عن استكمال بنائه في ديسمبر من العام 2021، وقد تبلورت فكرة إنشاء الجدار الأمني حول حدود غزّة، الذي استغرق بناؤه، ثلاثة سنوات ونصف، بعد عدوان "إسرائيل" خلال العام 2014 على غزّة، وذلك بعد نجاح فصائل المقاومة الفلسطينية في التسلل عبر الأنفاق في محاولات لاختطاف جنود، وكذلك استخدامها كمنصات لإطلاق الصواريخ.
ويمتد الجدار الأمني لـ6 أمتار فوق الأرض وعدداً سرياً من الأمتار تحت الأرض، بطول 65 كيلومتر على طول مسار الحاجز البحري من شاطئ زكيم شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا.
وبلغت تكلفة بناء الجدار الأمني نحو 3.5 مليار شيكل "إسرائيلي" ويحتوي على تحصينات أمنية مبتكرة؛ لإفشال أيّ عمليات تسلل للمقاومة من خلال الأنفاق، وفق مزاعم الاحتلال.
وقد تم إنشاء ستة مصانع خرسانية عند الجدار، حيث صبت حوالي 330 ألف شاحنة ثلاثة ملايين متر مكعب من الخرسانة؛ تكفي لشق طريق من "إسرائيل" إلى بلغاريا، حسب العميد عيران أوفير، مدير إدارة السياج الأمني في دولة الاحتلال.
وقال أوفير: "إنّه تم استخدام 140 ألف طن من الحديد والصلب في بناء الحاجز، أيّ ما يُعادل طول الجدار الفولاذي الممتد من إسرائيل إلى أستراليا".
ورغم انسحاب إسرائيل من غزّة التي تبلغ مساحتها 365 ألف كيلومتر مربع في العام 2005، إلا أنّها تُواصل السيطرة على المجال الجوي والمياه الإقليمية، وعلى إدارة سجل السكان وحركة البضائع والأفراد، وبالتالي لا تزال مسؤولة عن حياة 2 مليون نسمة يسكنون القطاع، وفقًا لقوانين الاحتلال المستمدة من القانون الدولي؛ لكِّن "إسرائيل" بدلاً من ذلك تُواصل سياسية العقاب الجماعي ضد السكان.
الأمن.. البقرة المقدسة للاحتلال
من جهته، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، شاكر شبات، أنَّ "تفكيك معبر كارني، وإنشاء حاجز أمني فوق الأرض وتحتها، يأتي في إطار استكمال مرحلة بناء الجدار الأمني الفاصل ما بين غزّة والمستوطنات المحاذية للقطاع"، مُردفاً: "الاحتلال الإسرائيلي يعتقد أنَّ استكمال الجدار الأمني حول غزّة، خطوة مهمة وضرورية في منطقة تُشكل خطراً أمنياً عليه".
وأضاف شبات، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "لكِن يتم ذلك دون مراعاة أنّه معبر تجاري تدخل منه البضائع إلى قطاع غزّة؛ بمعنى الأولوية لدى الاحتلال هو "الأمن الإسرائيلي" بغض النظر عن انعكاسات الخطوة على المواطنين في غزّة سواء من خلال توريد البضائع أو تصديرها".
وبالحديث عن تداعيات تفكيك معبر كرم أبو سالم على حياة سكان قطاع غزّة الذين يرزحون تحت الحصار منذ العام 2007، قال شبات: "إنَّ إسرائيل تلتفت إلى الجانب الأمني أكثر من أيّ أمر آخر -أيّ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على سكان القطاع-، وذلك لأنّها تعتقد أنَّ حياة المواطن الإسرائيلي أهم من حياة الفلسطينيين".
وتابع: "إنَّ حصر إدخال البضائع وخروجها من غزّة، من خلال معبر واحد، هدفه زيادة السيطرة والتحكم وتعميق الحصار المفروض على غزّة؛ وبالتالي إسرائيل تُريد التأكيد على أنّها تتحكم في كافة الأمور بقطاع غزّة".
وأشار إلى أنَّ حياة سكان غزّة، أصبحت أكثر قسوة بعد استكمال بناء الجدران حولها، لأنّها تحولت إلى سجن كبير، فالبحر مغلق أمام الصيادين بتحديد مساحة الصيد والاعتداءات عليهم، ومعبر رفح تتحكم به مصر والاحتلال يتحكم في حركة البضائع والأفراد من خلال معبري كرم أبو سالم وبيت حانون "إيرز"؛ الأمر الذي يؤكد أنَّ الأمن بمثابة "البقرة المقدسة" للاحتلال.
أما عن طرح الاحتلال بدائل اقتصادية كتسهيلات لسكان غزّة، مثل بناء منطقة صناعية بعد تفكيك معبر كارني، أوضح أنَّ "إنشاء منطقة صناعية في إيرز، يحتاج إلى سنوات لتهيئة البنية التحتية في مقابل أنَّ تفكيك المعبر لم يستغرق دقائق؛ وبالتالي الحديث عن مشاريع وتسهيلات مع الدول المحيطة وتشكيل لجان معناه قتل الوقت ودفن الملف".
وختم شبات حديثه، بالقول: "إنَّ إسرائيل تتعامل مع غزّة وفق سياسية البقاء على قيد الحياة، مقابل الهدوء والأمن أولاً وأخيراً"، لافتاً إلى أنَّ الاحتلال يستخدم "التسهيلات الاقتصادية" كورقة ضغط وعقاب ضد الفلسطينيين من أجل إخضاعهم وتذكيرهم بوجود الاحتلال؛ ولفض الحاضنة الشعبية عن المقاومة