شكراً المغرب شكراً قطر

تنزيل.jpg
حجم الخط

بقلم عاطف أبو سيف

 

 

 

ثمة شكر مستحق للمغرب على أدائها المشرف في نسخة كأس العالم الحالية، ولقطر على تنظيمها هذه النسخة بهذا الشكل اللافت الذي صار مفخرة للعرب. ربما كان صدفة أن يكون اكبر نجاح حققه العرب في تاريخ مشاركاتهم في المونديال قد تم في المونديال الذي تم تنظيمه من قبل دولة عربية، لكن المؤكد أن الأمر اكثر من مجرد صدفة. لقد كان هذا الحضور لافتاً كما كان حضور قضية العرب الأولى أي القضية الفلسطينية لافتاً. إنه الحضور الذي يقول، إن الأشياء تتكامل ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض. فحين تحضر فلسطين يكون صوت العرب قوياً وحين ينجحون في المسابقة يزداد تمركز فلسطين في قلب قضاياهم. أيضاً لم يكن هذا ليتم لولا التنظيم الرائع الذي قامت به قطر. ليس فقط التنظيم بل المساحة التي أتاحتها من أجل ذلك. ربما لو كان المونديال في دولة أخرى لما كان حضور فلسطين بهذه القوة إذ سيصار لوضع بعض القيود والعراقيل التي تجعل من رفع العلم الفلسطيني أكثر كلفة ومخاطرة على المشجعين وفرقهم. قد لا يحدث هذا، لكن المؤكد أن القوى المعادية كانت ستعمل على ذلك عبر الضغط على «الفيفا» وعلى الجهة المنظمة ولكن هذا لم يحدث في قطر لأن المساحة التي أتيحت جعلت مثل هذا الحضور جزءاً من الاحتفال وصار العلم الفلسطيني منتخباً وحده.
لم تكن فلسطين لتغيب عن المونديال بكل الأحوال ولم يكن العلم الفلسطيني سيختفي من المدرجات بشكل كامل لكن لم يكن الأمر أيضاً ليكون بهذا الشكل اللافت الذي لم يمر مرور الكرام لا على الحضور ولا الصحافة ولا المتابعين. فلسطين قضية المظلومين في العالم وستظل كذلك حتى يتم تصحيح مسار التاريخ ويعود الحق لأصحابه. وهي قضية كل من يريد أن يقف إلى جانب العدل ويقول إنه لا يساند الظلم وسرقة بلاد الآخرين. وعليه فإن كل من رفع علم فلسطين كان يقول حقيقة إنه ينتمي إلى الإنسانية في وجه الفاشيين والصهيونية وكل هؤلاء يتشابهون. ومع ذلك فثمة مساحة جعلت هذا الحضور وهذا التظهير أسهل وممكناً بشكل لافت.
ربما التوقيت كان لافتاً أيضاً إذ إن هذا الالتفاف جاء في الوقت الذي هرولت بعض الدول العربية فيه للتطبيع مع إسرائيل واعتقدت الأخيرة أنها باتت مواطناً صالحاً وليس قاتلاً ودموياً وسارقاً في المنطقة العربية. وربما بات مواطنوها يظنون انه يمكن لهم أن يتجولوا في شوارع العواصم العربية بحرية وسهولة أكثر من بقية العرب. ربما أصابنا نحن الشعور نفسه وضربنا اليأس وقتها ونحن نرى هذه الهرولة. ما حدث شيء مختلف فثمة اتفاقيات موقعة بحبر لا ينتمي للشعب العربي الذي قال بوضوح، إن فلسطين هي قضيته وستظل كذلك ولن يغير من هذا أي اتفاقية أو سلام.
لذلك، شكراً لقطر وللشعب العربي من محيطه لخليجه على كل هذا الحب وكل هذا الوفاء المستحق. وشكراً للمنتخبات العربية التي شاركت في البطولة والتي أيضاً كان علم فلسطين جزءاً من طقوس ظهور لاعبيها في احتفالاتهم بالفوز أو بعد ذلك. سيمر زمن طويل وسنظل نتذكر هذا المونديال العربي بوصفه أكبر محفل دولي حضرت فيه فلسطين. في الأمم المتحدة، تحضر فلسطين منذ قبل قرار التقسيم من أجل أن تذبح بدم بارد ولكن في التظاهرات وفي المونديال تحضر من أجل أن يقول الناس العاديون، إنهم ضد الظلم وإن مواقف دولهم لا تمثلهم ومن يمثلهم هو علم فلسطين الذي صار علماً للحرية وللنضال ضد الاستعمار.
شكراً للمغرب لأنها إلى جانب كل ذلك قدمت لنا عروضاً كروية لافتة رفعت من عزة العرب وقوة حضورهم في الكرة العالمية. كنا في السابق نحلم بالتأهل لدور ثمن النهائي أي فقط ننجح في الفوز في دور المجموعات. وفقط في حالات نادرة تمكنا من ذلك وكانت المغرب السباقة أيضاً في نسخة سابقة العام 1998 وكانت بعض الدول قاب قوسين أو أدنى من فعل ذلك سابقاً. سابقاً، صعدت تونس العام 1978 وبعدها تأهلت المغرب والسعودية والجزائر التي كانت آخر الصاعدين إلى دور الـ16 قبل صعود المغرب الأخير وكان ذلك في العام 2014. عموماً، لم يكن صعود المغرب إلى هذا الدور بعد ترؤسها لمجموعتها بسبع نقاط مفاجئاً ربما ولكن أن تتمكن من الإطاحة بإسبانيا ومن ثم البرتغال فهذا كان المفاجئ. كان ثمة أمل في تأهل السعودية خاصة بعد الأداء المميز أمام التانغو الأرجنتيني لكن الخسارة غير المتوقعة أمام بولندا غيرت مسار كل التوقعات، كذلك تونس التي هزمت فرنسا حاملة اللقب كان يمكن لها أن تقدم أفضل من ذلك. وبشكل عام فإن المشاركات العربية لم تكن سيئة رغم أن المغرب هو من قدم الأداء الأكثر تميزاً. هزم العرب في هذه الدورة حامل اللقب سواء أكانت إسبانيا أو الأرجنتين أو فرنسا وقدموا مباريات قوية وناجحة تقول لنا الكثير عن مستقبل المشاركات العربية اللاحقة في النسخ القادمة.
لذلك وجب أن نشكر المغرب أنها جعلتنا نحلم ونفكر أن بإمكاننا أن نحصل على الكأس. سابقاً، كان أقصى طموحنا أن ندخل الدور السادس عشر، ألا نخرج بلا أهداف وبلا انتصارات لكن المغرب جعلتنا فجأة نحلم أن نفوز بالنهائي. تدريجياً، صار ذلك شبه يقين خاصة بعد تصاعد الأداء المغربي في المباراتين الأخيرتين. لم يتحقق الحلم لكنه لم يكن بعيداً. يكفي أننا صرنا نحلم وصار سقف توقعاتنا أعلى وأبعد. يكفي أننا صرنا نقول، إن بإمكاننا أن نحقق ما نريد ونتخطى الكبار في عالم كرة القدم. الحلم جزء من النجاح ومن الإصرار على تحقيقه.