هارتس : زيارة الرئيس الصيني للسعودية.. اختراق استعراضي وبحث عن استراتيجيات جديدة

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

أربع طائرات قتالية رافقت طائرة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عندما وصلت لزيارة للسعودية في الأسبوع الماضي. ومن خلفها، نفذت طائرات نفاثة مناورات بهلوانية، حيث أطلقت دخاناً كثيفاً باللون الأخضر، مثل لون علم المملكة المستضيفة. فرش أمامه السجاد الأحمر، وفي الخلفية سمعت أصداء إطلاق مدافع حرس الشرف. السعودية تعرف كيف تظهر احترام الملوك للضيوف المهمين.

الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي زار الرياض في 2017 ورقص فيها “رقصة السيوف”، سيشهد على ذلك. ولكن الرئيس الحالي سيجد صعوبة أكبر. الاستقبال الذي حظي به بايدن في الصيف، بعد فترة طويلة من البرود الذي ميز علاقاته مع العائلة المالكة في السعودية، كان في الواقع محترماً، لكنه كان مغمساً بالحامض. بعد فترة قصيرة من الزيارة، تلقى صفعة حين رفضت السعودية تقليص كمية إنتاج النفط فيها ونفط “أوبك +”، وهو الطلب الذي كان الذريعة الأساسية لزيارة بايدن واستعداده لمصافحة الرئيس الفعلي للدولة محمد بن سلمان.

ليست هذه هي الزيارة الأولى لرئيس الصين إلى المملكة، فقد زارها عام 2016 ولكن في ظروف دولية مختلفة. في حينه، كان ترامب يجلس في البيت الأبيض، وكانت السعودية حليفة الولايات المتحدة المفضلة، بصفتها زعيمة التحالف المناهض لإيران وزبونة مرغوباً فيها وثرية لصناعة السلاح الغربي بشكل عام، وصناعة السلاح الأمريكي بشكل خاص. محمد بن سلمان بدأ في حينه خطواته الأولى كزعيم كان بحاجة إلى علاقات مع البيت الأبيض، التي راكمها من أجله سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبي، الذي ربط بينه وبين جاريد كوشنر.

ترامب نفسه، الذي اتهم هيلاري كلينتون في حملته الرئاسية بأنها حصلت على الأموال “من الأشخاص الذين يلقون المثليين من أعلى المباني ويقتلون النساء… ومن المسؤولين عن العمليات في أبراج التوائم”، تحول إلى صديق حميم لولي العهد. بعد سنتين، في 2018، اندلعت قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، و أدرك بن سلمان أن الدعامة التي منحه إياها ترامب غير مصنوعة من الفولاذ. بعد هجوم بالصواريخ من قبل الحوثيين على منشآت النفط السعودية، أوضح الرئيس الأمريكي بأنه مستعد لمساعدة الرياض، لكن بالمقابل. لم يكن الحزام الأمني الاستراتيجي مفهوماً ضمناً، وعندما بدأ بايدن حملته لتجديد الاتفاق النووي مع إيران بدأت السعودية تبحث عن بدائل.

على هذه الخلفية، تبدو زيارة الرئيس الصيني للسعودية اختراقاً باهراً واستعراضياً إلى داخل ما اعتبر دائماً منطقة جغرافية أمريكية. مثل بايدن، رتب الرئيس الصيني لنفسه قمة ثلاثية، مع السعودية وزعماء دول الخليج، وقمة عربية منفصلة شاملة أكثر. ولكن التوقيع على تحالف استراتيجي شامل بين الدولتين وعلى اتفاقات بمليارات الدولارات يلخص عملية طويلة من التعاون الاقتصادي والعسكري التي بدأت في التسعينيات والتي تصل الآن إلى النضوج الاستراتيجي. هذه تهدد حصرية أمريكا، ليس فقط في السعودية، بل في كل الخليج الفارسي. عرضت الرياض الاتفاق كجزء من الجهود المشتركة لدمج رؤية محمد بن سلمان 2030 مع مشروع بكين “الحزام والطريق”. وأظهرت تصريحات رسمية زيادة بـ 380 في المئة في حجم التجارة بين الدولتين في الأعوام 2016 – 2020. وهذا يستند بالأساس إلى زيادة في قيمة حجم تصدير نفط السعودية إلى الصين. في السنة الماضية، وصل حجم التصدير إلى 44 مليار دولار. النفط يغذي العلاقات بين الدولتين، لكن قضية الذرة قد توصلها إلى المستوى القادم.

أعلنت السعودية في 2011 عن نيتها بناء 16 مفاعلاً نووياً لإنتاج الكهرباء خلال 25 سنة بتكلفة تبلغ 80 مليار دولار. في الزيارة السابقة، وقع شي على مذكرة تفاهم لبناء مفاعل، وفي 2017 تم التوقيع على اتفاق آخر لإقامة منشأة لتحلية المياه، ستزود الكهرباء لتشغيلها من مفاعل نووي. في موازاة ذلك، طلبت الرياض من واشنطن مساعدة لإقامة المفاعلات النووية، لكن الصين وضعت طلبات تضمنت الخضوع للوكالة الدولية للطاقة النووية، الأمر الذي أنزل التعاون السعودي – الأمريكي عن جدول الأعمال. في 2020 نشر في “وول ستريت جورنال” عن خطة تثير قلقاً جراء التعاون بين الصين والسعودية من أجل تزويد “كعكة صفراء” من كبريت اليورانيوم الذي تمتلكه المملكة بوفرة. بعد فترة قصيرة، نشر أن المخابرات الأمريكية تفحص معلومات تقول بأن الرياض تنوي بناء منشأة لإنتاج المياه الثقيلة بمساعدة بكين. في زيارة الرئيس الصيني الأسبوع الماضي، طرحت مسألة الذرة مرة أخرى، وتم عرض الصين كمرشحة لبناء المفاعل النووي الأول في المملكة، إلى جانب نية إقامة مركز لأبحاث الفضاء في السعودية.

 تنوي التوقيع على هذا المشروع أيضاً شركة “روساتوم” الروسية، التي تبني مفاعلات في تركيا ومصر. فهل تنازلت السعودية عن بناء مفاعل نووي بالتعاون مع الولايات المتحدة؟ أوضحت الرياض بأنها لن تسمح بالرقابة على إنتاج الوقود النووي، ويبدو أن مكانتها في واشنطن لا تساعدها في الحصول على موافقة الكونغرس بسهولة على نقل تكنولوجيا نووية إليها حتى للاستخدام السلمي.

تحية من باكستان 

الخوف من حصول السعودية على الذرة قد يزداد إزاء تصريحات أخيرة أدلى بها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان. في مؤتمر دولي عقد في أبو ظبي بداية الأسبوع، أوضح بأنه “إذا حصلت إيران على السلاح النووي العملياتي، فإن جميع الاحتمالات مفتوحة”. لم يفصّل بن فرحان القصد من السلاح العملياتي، ولم يشرح ما ستفعله السعودية. ولكن في 2018، أثناء زيارة لواشنطن، قال بن سلمان بأن المملكة لا تريد الحصول على سلاح نووي “لكن إذا حصلت عليه إيران فسنذهب بلا شك في أعقابها”.

حسب تقديرات خبراء غربيين في الذرة، فإن السعودية بعيدة جداً عن القدرة على إنتاج سلاح نووي بنفسها، لكن قد تشتريه جاهزاً عن الرف. عدد من الخبراء ذكروا بأن لدى الرياض صواريخ بالستية بعيدة المدى من إنتاج الصين، التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية متفجرة. هذه في الواقع صواريخ قديمة بيعت لها في التسعينيات، لكنها قادرة حتى اليوم على خدمة هذا الهدف. أشار المتشائمون إلى العلاقة الوثيقة بين باكستان، الدولة ذات القدرة النووية العسكرية المؤكدة، والسعودية. وهم لا يستبعدون احتمالية موافقة إسلام أباد على تحويل تكنولوجيا نووية مقابل قرض بمبلغ 4.5 مليار دولار، الذي طلبته باكستان من الرياض.

ولكن السعودية رغم كونها مزودة النفط الرئيسية للصين، لكنها ليست الحليفة الوحيدة لبكين في الخليج الفارسي، وبالأحرى في الشرق الأوسط. ينتظر في الجارور تطبيق اتفاق التعاون الاستراتيجي بحجم كبير جداً يبلغ 400 مليار دولار خلال 25 سنة، الذي وقعته الصين مع إيران. الاتفاق الذي لم يتم نشر تفاصيله الكاملة، يمنح الصين مكانة تقريباً احتكارية على النفط والغاز الذي سيتم إنتاجه في إيران، وسيمكنها من إقامة قواعد عسكرية بغطاء حماية منشآت النفط. هذا مقابل استثمارات ضخمة في البنى التحتية والصناعة والخدمات العامة.

لكن تبين لطهران في الأسبوع الماضي بأن هذا التحالف الذي أوجد اعتماداً إيرانياً على الصين يأتي مع ثمن سياسي مر. وقع شي، في زيارته للسعودية، على بيان مشترك مع زعماء دول الخليج، تضمن أربعة بنود تتعلق بسلوك إيران. وورد في هذه البنود أن الزعماء يؤيدون الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل حول ملكية الجزر الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي تدعي إيران والإمارات ملكيتها، والتي احتلتها إيران فعلياً عام 1971. ردت طهران بغضب على البيان، وأوضحت بأنها جزء لا يتجزأ من أراضيها الجغرافية.

في الواقع، تجنبت إيران ذكر اسم الصين بصراحة، ونشرت ردها باللغة الفارسية فقط، بدون ترجمة إلى اللغة الصينية كما تعودت من قبل. ولكن البيان لمشترك ذهب أبعد عندما نص على أن الصين ودول الخليج تؤكد الحاجة إلى الحوار حول نشاطات إيران “التي تقوض الاستقرار في المنطقة… ودعمها لمنظمات طائفية تتعامل بالإرهاب”؛ إضافة إلى نشر صواريخ بالستية ومسيرات.

سارعت إيران إلى استدعاء سفير الصين للاحتجاج، وطلب تفسيرات. بعد ذلك، أوضحت بأن السفير “تم استدعاؤه ولم تتم دعوته”. رداً على ذلك، أرسل شي إلى طهران نائب رئيس الحكومة الصيني، هو تشونخوا، لتهدئة إيران، الذي تم إبعاده مؤخراً من المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، ولكن إرساله كان بمثابة صب الزيت على النار. اضطرت إيران إلى ابتلاع هذه الضفدع الكبيرة، لكنها تدرك بأنه ما إن بقي حلفها الاستراتيجي قائماً مع الصين، فلن يكون الوحيد، بل يتنافس وحلفها المفضل مع دول الخليج. وأوضحت الصين لإيران بأن التحالف الاقتصادي بينهما يرتبط بتجديد الاتفاق النووي مع الغرب، الذي بدونه هي لا يمكنها تنفيذ التزاماتها للاستثمارات في الجمهورية الإسلامية. السؤال الذي بقي هو: هل الضغوط الصينية والمنافسة التي تضعها دول الخليج، لا سيما السعودية، على العلاقات مع الصين قد تدفع بالاتفاق النووي قدماً، الذي يبدو في الواقع أنه دخل إلى تجميد عميق ولكنه ما زال حياً؟ أعلنت طهران بأن بعثة من الوكالة الدولية للطاقة النووية قد تصل في الأيام القريبة القادمة إلى إيران لـ “تبديد الضباب الذي يلف عدة نقاط”، أي مناقشة مسألة المنشآت غير المعلن عنها والتي اكتشفت فيها بقايا يورانيوم مخصب. تلتزم طهران بتوفير تفسير مقنع للقضية قبل أن يكون بالإمكان مواصلة المفاوضات حول الاتفاق.

 

 هآرتس