كتبت بثينة حمدان: من الآن فصاعداً لن يكون هناك شخص واحد يُجمع عليه الكل الفلسطيني، لاسيما بعد الختيار وفي زمن ما بعد الرئيس محمود عباس. واليوم تشتد في فلسطين التقلبات، تستشري التقوّلات فترفع شخصية وتلقي بأخرى في ظلال التاريخ، توقعات يبديها السياسي المحنك وغير المحنك، المواطن البسيط والمثقف، يتكهنون ملامح المرحلة القادمة لاسيما وأن الحلول السياسية السلمية والعسكرية وكأنها نفذت أو لم تُجدِ نفعاً، والعمر يتقدم بالرئيس عباس، والشائعات والأخبار المدسوسة وغيرها لا يسكتها خطاب يطمئن الناس بسلامة صحة الرئيس. السؤال الأكثر شرعية الآن هو بالتأكيد عن شكل المرحلة القادمة؟ وهو ما تحاول أن تجيب عنه استطلاعات الرأي والتي يستند إليها هذا المقال التحليلي وتحديداً استطلاع أوراد (5 تشرين الثاني 2015) والمركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي (تشرين أول وتشرين ثاني 2015) مع المقارنة باستطلاعات سابقة عام 2005 و2006 لمركز دراسات التنمية التابع لجامعة بيرزيت.
شعبية فتح وحماس قبل انتخابات عام 2006
عند مقارنة شعبية الفصيلين في استطلاعات الرأي الأخيرة، وتلك التي جرت قبل الانتخابات التشريعية عام 2006 بعشرين يوماً، نجد أن وضع فتح ليس في أحسن حال، فيما تراجعت حماس عن الماضي بـ 7%، وزادت نسبة المترددين إلى 10% (ليس تغييراً جوهرياً).
إن استطلاع أوراد الأخير يؤكد حصول فتح على 33% وحماس 22%، وقد تفوقت فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد أن كانت شعبية الفصيلين متساوية قبل عشرة سنوات، وهذا يعود لتجربة حماس في غزة والتي أدت إلى تراجع شعبيتها. ولا يُعوَّلُ على هذا التراجع، لأن فتح مرشحة للانهيار بسبب التجاذبات التي تعصف بها وتشتت أصواتها، فيما تتميز حماس بالثبات فشعبيتها ثابتة ويتوقع أن تتضاعف لتماسكها التنظيمي وعملها المنهجي واستراتيجيتها الواحدة لاسيما خلال الانتخابات، وقد تحصل على تأييد يصل إلى 50% على الأقل. ولا ننسى أن تماسكها أفشل استطلاعاً نُفِّذ يوم الانتخابات السابقة وأتى بنتائج عكسية، فلم تشارك عناصرها في استطلاعات يوم الانتخابات فكانت النتيجة فوز فتح استطلاعياً، وذلك تحاشياً للردود الفتحاوية الغاضبة، والتي لم تتوقع في اليوم التالي للاستطلاع فوز حماس!
شعبية الرئيس محمود عباس
طرح استطلاعي أوراد والمركز الفلسطيني مؤخراً خيارين للمستطلعين عن مرشحهم الرئاسي القادم بين الرئيس عباس والقيادي في حماس اسماعيل هنية، وكانت النتيجة حصول الرئيس على 32% وحصول القيادي هنية على 30%، وهذا الفارق البسيط بين المرشحين يؤكد استمرار سيطرة حماس على الشارع. وفي العادة يقدم المنصب أصواتاً اضافية للمرشحين، لكن النتيجة كانت عادية في حالة الرئيس، أما في حالة القيادي هنية فإن مجرد التقارب يعني أنه في مربع المنافسة، وربما يعني أيضاً أن الشارع لا يؤمن أنه "رئيس وزراء مقال" ولا أن "حكومته انقلابية" كما يروج الطرف الآخر.
في استطلاعات سابقة عام 2010 وفي إجابة على السؤال المفتوح: من هو المرشح الأفضل لدى المُستَطْلَعين بدون خيارات أو ايحاءات، كانت النتيجة أن الرئيس عباس لا بديل عنه وبفارق شاسع عن القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، اما في الاستطلاعات الأخيرة والتي أخرجت البرغوثي من دائرة المنافسة مع قيادات أخرى، إلا أنه حصل على 17% في اجابة السؤال المفتوح.
وحسب أوراد؛ هناك 38% لم يقرروا بعد من هو مرشحهم بعيداً عن الرئيس عباس والقيادي هنية، وهذه النسبة هي التي ستحسم الانتخابات القادمة، وهي "الفئة الضالة" والتي تزداد مع تدهور المناخ السياسي، وأغلبها في الضفة وبنسبة 40% وفي القطاع كانت 23%. (يتضح أن تجربة حماس في القطاع أدت إلى تراجع مؤيديها بعكس الضفة، كما أن الضعف الذي تعاني منه فتح جعلها تخسر مزيداً من المؤيدين في الضفة، لكنها كسبت مؤيديين في غزة بسبب تراجع حماس فيها لا أكثر).
فتح المشتتة.. حماس القوية
تفوقت فتح على حماس كما ذكرنا من حيث الشعبية بنسبة 10% وهي نسبة غير كافية لحسم النتائج في الانتخابات مع الأخذ بالاعتبار نسبة الخطأ في الاستطلاعات وهي 3% سواء زيادةً أو نقصاناً، لذا تحتاج فتح إلى أكثر من 50% في الاستطلاعات لتضمن فوزها في الانتخابات، فهي الطرف المعرض للانقسامات خاصة مع عدم وجود شخصية جامعة، بعكس حماس، أما اليسار مجتمعاً فقد حصل على 8%... يبقى تأثيره في الشارع ضعيفاً!
وفيما تنشغل فتح في همومها وصراعاتها الداخلية والسلطوية، تبني حماس استراتيجيتها على كسب التأييد الشعبي، حتى لو بدت "انتقائية" في خيار المقاومة، فهي تنام لفترات طويلة ثم تنهض لتلعب على رائحة المقاومة التي تدغدغ عواطف الشارع الفلسطيني وذلك دون أن تحرز هذه المقاومة نتيجة ملموسة، لقد بدأت حماس معركتها ودعايتها الانتخابية فأخرجت مثلاً فيديو لوحدة الظل في حفل شواء مع شاليط بعد مرور عشر سنوات على الحادثة، صورة أغضبت المخابرات الاسرائيلية، وتبادل الفيسبوكيون الفيديو مفاخرين بالذكاء الفلسطيني أو بالأحرى الحمساوي!
معركة كرسي الرئيس (بدون الرئيس)
فيما اشتدت المنافسة بين الرئيس عباس والقيادي هنية، إلا أنها بدون الرئيس تضاعفت شعبية قيادات أخرى وأبرزها: القياديان محمد دحلان واسماعيل هنية ورئيس الوزراء د. رامي الحمد الله حيث حصل كلاً منهم على 15%. واللافت تفوق القيادي دحلان في غزة بنسبة 24% أي أكثر بـ 10% من القيادات التسعة في استطلاع أوراد الأخير (اسماعيل هنية ود. الحمد الله ومصطفى البرغوثي وخالد مشعل ود. صائب عريقات ود. سلام فياض وماجد فرج وجبريل الرجوب وصبري صيدم)، وكان الأعلى في الضفة د.الحمد الله يليه مباشرة القيادي هنية. وكان نسبة "الفئة الضالة" الذين لم يختاروا من هذه القائمة 14.5%.
بالنظر إلى الفائزين بأعلى النسب، نجد أن رئيس الوزراء الحمد الله بعيداً عن طموح الرئاسي مقارنة بآداء نظيره السابق د. سلام فياض والذي كان يحصل على نسب أعلى في استطلاعات الرأي وهو في منصبه من نظيره الحالي، كما أنه في عهد د. فياض لم يحظ القيادي هنية بالشعبية التي حصل عليها اليوم في الضفة. في حين نجد دحلان يتقدم بشكل ملحوظ (من 3.8% عام 2010 إلى 15% حالياً) لكنه وحسب المؤشرات السابقة، فإنه لم يصل درجة المنافسة في معركة الفوز والخسارة.
تساؤلات مشروعة:
- هل يعاقب الشعب فتح وحماس في الانتخابات القادمة، كما عاقب فتح في الانتخابات السابقة؟
- إذا فازت حماس في ظل الرفض الدولي للأحزاب الاسلامية هل سيؤدي هذا إلى تغيير شكل الحكم في فلسطين لتصبح المكانة السياسية لرئيس وزراء مقبول دولياً، والمكانة الفخرية هي لمنصب الرئيس الحمساوي "المنتخب"؟؟؟
- إذا قدر أن تتوحد فتح خلال الانتخابات وفي ظل وجود حزب منافس قوي يتمثل في حماس، فإنها ستفوز بفارق بسيط وقد تخسر بفارق بسيط، فهل ستتوحد؟
- إذا شغر منصب الرئيس، فإن القيادات الطموحة لهذا المنصب ستعمل أكثر خلال الفترة الانتقالية والتي قد تمتد من ستة شهور إلى سنوات، فهل هي مستعدة؟
- مع شغور المنصب يتوقع اجراء انتخابات المجلس الوطني والمؤتمر السابع، وستكون النتيجة رئيساً لفتح وآخر لمنظمة التحرير فزمن الرجل الواحد انتهى!
- مع هذا الشغور هل تعصف الخلافات الداخلية خلال الفترة الانتقالية إلى درجة تحويل الصلاحيات إلى رئيس الوزراء والذي قد يكون د. الحمد الله وقد لا يكون حسب الرغبة الدولية؟
الشعب يريد التغيير
رغم ظلال الهبة الشعبية والخلافات الفتحاوية والانقسام الداخلي إلا أن 56% من عينة استطلاع اوراد متفائلون بمستقبل فلسطين، والغالبية مع اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، هذا مع وعي الفلسطينيين وبنسبة 54% بأن حلم الدولة الفلسطينية أبعد من ذي قبل، فلا حلول سحرية في ظل الاحتلال، لكنهم يريدون التغيير وأن تدار حياتهم بشكل أفضل.