بقلم: سميح خلف

العالم اليوم بلا مونديال

سميح خلف
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

قد يشعر العالم ومنها بالتحديد الشعوب العربية والشعوب والدول التي كانت تتامل ان تحافظ على امجادها في استحواذ كاس العالم لاكثر لعبة شعبية تنال المتابعات والتشجيع من كل فئات ومستويات الشعوب الرسمية والغير رسمية ، ولكن قد يكون الامر مختلف تماما بالنسبة للشعوب العربية والاسلامية حيث تنظر باعمق من اعمق بان كونها لعبة للتسلية او للرفاهية او لاستجلاب المال لمحتكري الرياضة.

بالتاكيد ان الحدث بالنسبة للعرب بالعمق الدولي لم يحدث من قبل ولم يحدث امام التشكيك الاوروبي بان دولة عربية صغيرة في التعداد السكاني والمساحة تستطيع ان تنظم عملا ضخما للمونديال قيمه الكثيرون ومنها وزيرة الثقافة الفرنسية بانه اضخم مونديال على مر التجربة الرياضية في العالم ، وهنا ترفع القبعة للاسلوب الرفيع والتقني والفني لدولة قطر وكادرها وكل الخبراء الذين اشتركوا في اخراج هذا العمل الرائع .

 قد نتخطى تعقيدات السياسة في تقييمنا لهذا الانجاز الذي هو محل جدل  وخلاف بناءا على القواعد الايديولوجية والفكرية التي تحركه ولكن بتجرد من كل تلك الابعاد التي تضع الخلافات في جانب والاتفاقات في جانب فان الحدث في قطر ليس حدثا عاديا يقبل الاتفاق عليه او الاختلاف عليه فالشعوب العربية والاسلامية وكثير من الشعوب الاخرى قد التفت حول هذا المونديال والذي ساهم بانجاحه بشكل كبير.

ما حدث في المونديال ليس سطحيا بعمقه الاخر الذي يخرج عن الفوتوغرافيا الرياضية بل دخل في حيز التاريخ وماضيه ومستقبل هذه الامة التي تعاني من تفتت وانشقاق وضعف وترهل وتبعية ، اقصد هنا الانظمة الرسمية فالشعوب العربية قد قررت وحدتها الثقافية والالتفاف حول التاريخ وامجاده وما حققته الفرق العربية في الحاضر من فن رائع واستيعاب عصري للغة الكرة وتقنياتها وتكتيكاتها ، هذه الشعوب التي خطت الى الحُلم العربي ليبدأ المشوار فنتذكر في التاريخ الفتوحات وطارق بن زياد ونتذكر تحرير القدس بصلاح الدين ومساهمة المغاربة في هذا التحرير الذي ابى صلاح الدين ان تعود تلك القوات الى المغرب ويبقى لها مساحة مجتمعية وبنائية سميت باب المغاربة في القدس ، حيث وصفهم صلاح الدين بالاشداء والمدافعين عن عقيدتهم.

اذا كان نريد ان نتحدث عن فرسان المغرب العربي فالحديث يطول وكيف انتمى لاعبي المغرب المحترفين في النوادي العالمية الى بلدهم العربي ليلعبوا من خلال فريقه رغم انهم كانوا قادرين ان يمثلوا البلاد الذين ولدوا فيها ويحملون جنسيتها ومنهم حكيمي وزياش .

كانت فلسطين التي تجمعت عليها الشعوب العربية سواء داخل المدرجات او خارجها هي لغة الوحدة التي وحدت الشعوب العربية من خلال ملاعب كرة القدم في الدوحة .

وعلى سبيل المثال لا الحصر قالت مجلة ايكومنست ان نجاح المنتخب المغربي اعاد الثقة والتاريخ للهوية العربية وان الرمزية التي حققها فريق عربي اكبر من ان تكون لعبة كرة قدم ، حيث وصل فريق عربي الى النصف النهائي وفاز على فرق عتيدة مثل البرتغال واسبانيا التي مازالت تحتل جزر مغربية مليلة وسبيتة وجزر منذ القرن الخامس عشر ، وهنا ليس بمقام ان ندخل في تقييم التحكيم في مباراة فرنسا واسبانيا التي تغاضى فيها الحكم عن عدة اخطاء منها ضربات جزاء لصالح الفريق الاخر .

ابعاد لا يمكن ان تنسى حققها سياسيا وثقافيا المونديال في قطر :

1 – العمق العربي والقومية العربية تذكرنا بالخمسينات والستينات ، وفكرة حقيقة لا يمكن التاويل فيها وهذا اجماع شعبي عربي بذلك والشعور بالرابطة القوية بين الشعب العربي التي تربطهم ثقافة ولغة واحدة مهما تعددت الانظمة القطرية والمنعطفات التي مرت فيها الامة نتيجة وجود الكيان الصهيوني وما فعله الربيع العربي من نكسات وتفتت وتشرذم ودول فاشلة .. احتفل العرب بانتصارهم من خلال المغرب العربي .

2 – العمق الافريقي الذي ينتمي له المغرب العربي سيسجل هذا النصر في تاريخها بان فرقة افريقية بما يدعون بالعالم الثالث قد حققت المستوى الاول حضاريا وفنيا برغم التجاذبات التي تحدث في العالم اليوم ودعوة امريكا لمؤتمر افريقي امريكي يعقد الان في واشنطن لمواجهة تحديات المتغيرات في العالم ومنها دخول الصين على افريقيا ورفع الغطاء الاقتصادي عن الدولار .

3 – ما حققه المونديال في قطر والفوز العربي هو تلك الذي نادى به القوميين العرب والوحدويين وحركات التحرر ومنها الفلسطينية ان يعود اليهود الى بلادهم التي اتوا منها فهنا نسجل ان اليهود المغاربة " احتفلوا بفوز فريق المغرب  ولم يحتفلوا بفوز الارجنتين مثلا او اسبانيا او فرنسا " بل اصطفوا الى قوميتهم العربية الاصلية ومن هنا يفتح المجال للقول ان الامة العربية في قوتها قد تعيد الحسابات لليهود للعودة الى اوطانهم الاصلية في المغرب وتونس والعراق واليمن ومصر وهذا تبويب ثقافي سياسي ايديولوجي استراتيجي للبناء عليه .

اذا اخيرا مونديال قطر ليس مونديالا عاديا كما عقد في اوروبا بل هو مونديال جمع التاريخ والحاضر والحلم بمستقبل زاهر للامة ، فسكان هذه المنطقة ما زال يجمعهم الترابط الثقافي والتاريخي .