هكذا تكلم نتنياهو

تنزيل (10).jpg
حجم الخط

بقلم : عريب الرنتاوي

 

 

 

على مبعدة أيام من تشكيل حكومته السادسة، رسم بنيامين نتنياهو سقوفاً للحل النهائي للقضية الفلسطينية: "إدارة ذاتية للفلسطينيين، والأمن والسيادة للإسرائيليين".. لم يتطرق للقدس فأمرها محسوم بوصفها "العاصمة الأبدية الموحدة"، ولا لتقرير المصير، فقانون "قومية الدولة" يحصر هذا الحق بين النهر والبحر بـ"الشعب اليهودي"، ولا للاجئين الفلسطينيين المرشحين للزيادة مع التلويح بالعودة لسياسة الإبعاد وسحب الجنسية، بدل النقصان بفعل العودة ولم الشمل.
الإدارة الذاتية وفقاً لنتنياهو، لا صلة لها بالجغرافيا، هي شأن خاص بـ"الديمغرافيا الفلسطينية"، فحيثما تواجدت تجمعات من السكان الفلسطينيين، يمكن لهم أن يديروا شؤونهم بأنفسهم، و"شؤونهم" هنا، تقتصر على الخدمات من صحة وتعليم ونقل ومواصلات، علماً بأن اليد الطولى لإسرائيل، ستظل تطاردهم في مناهجهم المدرسية وإذاعاتهم الصفيّة، وفي كل ما يتصل بالمجال الحيوي والفضاء العام لهؤلاء.
والواضح أن "ملك إسرائيل" لم يعد يولي اهتماماً كبيراً بمسألة التنسيق الأمني مع السلطة، فهي إن قامت بما عليها، تكون قد خدمت نفسها وأطالت أمد بقائها، قبل أن تكون قد أسدت خدمة لإسرائيل ووفرت الأمن لمستوطنيها... نتنياهو يعتبر التنسيق تحصيل حاصل، مصلحة للسلطة وضرورة وجودية لها، فلماذا يقلق والحالة كهذه، ولماذا التذكير بوجوب التزامها بمقتضياته؟. ولماذا التهديد صبح مساء، بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هي أخلّت بالتزاماتها؟
بين النهر والبحر، سيادة واحدة، أمن واحد، حق تقرير مصير لشعب واحد، أما الوظيفة الأساسية المتبقية للسلطة، فتكاد تنحصر من وجهة النظر الإسرائيلية، في أمرين اثنين: الأول إصدار جوازات سفر فلسطينية (بعد الموافقة الأمنية الإسرائيلية بالطبع)، حتى لا تجابه إسرائيل بسؤال عن هوية أو جنسية خمسة ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع.
والثاني تخفيف الأعباء والكلف المالية التي قد تقع على كاهل الاحتلال، في حال زالت السلطة أو انهارت، والاستمرار للعام الثلاثين على التوالي، في تأمين احتلال مريح، غير مكلف، من فئة خمس نجوم، يتولى المجتمع الدولي، ودافعو الضرائب الفلسطينيون، مهمة تسديد كلَفه وتغطية أعبائه، حتى أن لسان حال الرجل يكاد ينطق بالقول: دعونا نهتم أكثر برفع معدلات أرباحنا جراء "الوكالة الحصرية" التي نفرضها على سوق بعدة مليارات من الدولارات.
لا دولة فلسطينية مستقلة أو قابلة للحياة، بل إدارة ذاتية للسكان من دون أرضهم.. جميع مناطق الضفة الغربية بموجب هذا التصور، تتحول إلى "منطقة ج"، حيث السيادة إسرائيلية والأمن إسرائيلي، ولا شيء غير ذلك.. حتى فكرة الانفصال عن الفلسطينيين التي دافع عنها بعض يسار إسرائيل، حرصاً على "يهودية الدولة وديمقراطيتها"، لم تعد تروق للسيد نتنياهو الذي سبق أن أعلن قبوله بـ"حل الدولتين" في خطاب بار إيلان.
الانفصال لا يقتضي ترسيماً للحدود ولا اعترافاً بدولة وتقرير مصير، فالفلسطينيون في "معازلهم"، تتحكم بجزرهم المعزولة بوابات وجدران وحواجز عسكرية، وإن أخفق الأمن بصيغه القديمة في كبح جماحهم، فلا بأس من إناطة المهمة بأشخاص من نوع بن غفير وسموتريتش.. لا بأس من تسليح المستوطنين وتدعيم ميليشياتهم وإخضاع الشرطة وحرس الحدود لسلطان الرابايات والحاخامات الأكثر تطرفاً.
المفارقة المزدوجة التي تتكشف عنها ردود الأفعال على مواقف نتنياهو، تتجلى من جهة في كون السلطة ما زالت تبدي الاستعداد للانخراط في مسار تفاوضي، وتبرز من جهة ثانية في ضيق اليمين الأكثر عنصرية وفاشية، بتصريحات زعيم الليكود، بوصفها شديدة التهاون والسخاء مع الفلسطينيين، الذين لا يستحقون سوى العقوبات الجماعية من إعدامات وتهجير وتهديم للمنازل وكثير مما نعرف ولا نعرف، من أشكال الاستباحة اليومية لمدنهم وقراهم وبلداتهم ومخيماتهم.