في غزة التصريح المسبق اغتصاب للحيز العام والخاص

جهاد حرب.jpg
حجم الخط

بقلم جهاد حرب

 

 

 طلب أجهزة حماس الحكومية في قطاع غزة من منظمات المجتمع المدني الحصول على تصريح مسبق أي ترخيص من قبل وزارة الداخلية لعقد الاجتماعات ليس مخالفة للقانون "قانون الاجتماعات العامة رقم 12 لسنة 1998" فقط بل هو اغتصاب للحيز العام والخاص؛ فانتهاك القانون هنا يتمثل بغياب الفهم لغايات المشرع الذي نظم حق المواطنين المطلق بالتجمع، ليس فقط لغايات فكرية أو اجتماعية أو علمية بل أيضا لغايات سياسية للاحتجاج على أفعال السلطة الحاكمة وسياساتها، مراعاة لحقوق المواطنين الآخرين وليس لفرض سيطرة سلطة الحكم من جهة، ومن جهة ثانية يتمثل بالانقلاب على أحكام القانون ونصوصه الواضحة التي أشارت إلى أنَّ الاجتماعات العامة التي تحتاج إلى اشعار سلطات الحكم "المحافظ أو مدير الشرطة" هي تلك الاجتماعات التي يدعى إليها خمسون شخصاً على الأقل في مكان عام مكشوف "الساحات العامة والميادين والملاعب والمتنزهات وما شابه ذلك".

أي أنَّ مفهوم الاشعار هنا يتمثل بإعلام جهات الاختصاص "المحافظ أو مدير شرطة المنطقة" بالاجتماع الذي ينطبق عليه الشرطان المتمثلان بالعدد المذكور أعلاه والمنطقة المفتوحة. كما أنَّ الغاية من الاشعار، وفقا للمشرع الفلسطيني، هي لضمان السلطة الحاكمة حق المواطنين بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم حتى تلك المناهضة للحزب الحاكم أو سياسات الحكومة، ولقيامها بتوفير الحماية لهم من أي اعتداء من طرف مختلف معهم. ووفقا لقانون الاجتماعات العامة لسنة 1998 فإن الاستثناء الوحيد لسلطة الحكم في هذا الشأن يتمثل بأن يضع المحافظ أو مدير الشرطة ضوابط على مدة أو مسار الاجتماع بهدف تنظيم حركة المرور، على أن يبلغ المنظمون بهذه الضوابط خطياً بعد 24 ساعة على الأكثر من موعد تسليم الإشعار، وذلك دون المساس بالحق في الاجتماع.

كما أنَّ المعنى الواسع لمفهوم الاشعار يتمثل بعلم سلطة الحكم من خلال الاشهار والإعلان عن الاجتماع في وسائل الإعلام المختلفة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، أو علم الجهات الحكومية التي عادة تدعى للاجتماعات العامة أو النشاطات التي تعقد في قاعات الفنادق أو المراكز والنوادي والجمعيات والمنظمات الأهلية أو مقرات الأحزاب والفصائل بغض النظر عن العدد المدعو لها، والتي لا يضع القانون قيودا على القيام بها أو تنظيمها.

في ظني لا يحاجج الفلسطينيون بمسألة الشرعية أو عدم الشرعية لسلطة الحكم في غزة باعتبار أنَّهم يتعاملون مع سلطة الأمر الواقع (de facto) إلا أنَّ أي سلطة حكم هي محمولة على الالتزام بسيادة القانون وعدم انتهاكه أو اغتصاب حق المواطنين في التعبير عن آرائهم أو مواقفهم أو فرض قيود إضافية خارج القانون على حقهم بالتعبير عن مواقفهم أو ممارسة أعمالهم ونشاطاتهم المنظمة بالقانون بما فيه قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية.

عدم المحاججة هنا بشرعية سلطة الحكم في قطاع غزة لا تعني القبول بها كحقيقة بل التعامل معها كواقع؛ فأغلبية واسعة من الفلسطينيين في قطاع غزة (75%)، وفقا لنتائج الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في بداية هذا الشهر، يطالبون بإجراء الانتخابات العامة "التشريعية والرئاسية" كونها الأساس الشرعي والمقبول لأيِّ سلطة حكم أو حكومة مقبولة.

إنَّ عدم الاكتفاء باغتصاب السلطة وسلب إرادة المواطنين بحكم القوة والانقسام يتحول التصريح المسبق/الترخيص لنشطات واجتماعات المنظمات الأهلية اليوم إلى اغتصاب للحيز العام والخاص وإحكام السيطرة عليهما بحكم أدوات القوة التي تمتلكها سلطة الأمر الواقع.