بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي
امام تصاعد انتفاضة فلسطين في التصدي للاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه من خلال تمسك شباب وشابات الانتفاضة بخيارهم النضالي حيث يؤكدوا على وحدة الأرض والشعب والقضية ، يجب التوقف أمام منعطفات الانتفاضة ودورها المستقبلي بهدف المزيد من الفعل المقاوم في مواجهة الاحتلال الصهيوني ، وهذا يتوقف على المعادلات الجديدة التي يجب أن تقوم الفصائل والقوى بصياغتها وفق المتغيرات المتسارعة والبطيئة من حولنا ، حيث خلقت الانتفاضة مناخا وجسرا للجميع نحو تعزيز الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت والحقوق الوطنية من خلال شلال الدم ، كما يستدعي ذلك تعزيز ثقافة المقاومة واعادة القضية الفلسطينية الى واجهة الاهتمام ببعديها الفلسطيني والعربي حقا ، بدلا من الذهاب الى مؤتمر دولي يكون مصيدة حسب شروط عربية امريكية تخدم اهداف الاحتلال ، لأن الشباب الفلسطيني الذي يقدم التضحيات كان يتطلع وما زال الى نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، والعمل على تثوير الشعب الفلسطيني بوحدة وطنية متكاملة في مقاومة المحتل وقطعان مستوطنيه وازالة جدار الذل العنصري ، وتعزيز دور الانتفاضة الشعبية عبر وحدة الهدف والدم والمصير .
ومن هذا الموقع نرى اهمية احتضان الانتفاضة والعمل على تثويرها ، وهذا يتطلب بالدرجة الاولى انهاء الانقسام الكارثي الذي يتهرب منه البعض ، كونه يشكل اسس لوحدة وطنية وتعزيز لدور القيادة والشراكة في المؤسسات ، باعتبار ذلك أهم انجاز ، وهو رد على محاولات طمس وتبديد هوية ووحدة الشعب وحقوقه الوطنية، وجعل منظمة التحرير الفلسطينية الإطار الوطني الفلسطيني الجامع الذي استطاعت من خلال نضالات شعبنا وقواه المنظمة من فرض ذاتها كَمُعَبِّر سياسي قانوني وتنظيمي عن وحدة الشعب وهويته وشخصيته الوطنية وكيانه الوطني. لهذا نرى ان الدعوة في الوقت الراهن وفي ظل الانتفاضة الى مؤتمر دولي على ارضية دعوة وزراء الخارجية العرب ووفق ما يتم الحديث عنه على ارضية مبادرة السلام العربية، يعني القبول بالشروط الأمريكية الإسرائيلية ، والتي للأسف يبدو ان البعض الفلسطيني بدأ يهلل له ، رغم توقعاتنا بانه في حال عقد هذا المؤتمر سيسفر عن الاعتراف بدولة شكلية أو قابلة للحياة بدون حق العودة ، وبدون سيادة حقيقية على أرضها ومواردها من ناحية وتكريس الاعتراف بيهودية دولة العدو الاسرائيلي من ناحية ثانية .
أن هذه السياسات ليست جديدة علينا ، وهي لا تستجيب لارادة الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده ، فخيار الشعب الفلسطيني يستدعي ايلائها الأهمية التي تستحق الارتقاء إلى ما تفرضه من مهام ومسؤوليات، وجعل الوحدة والانتفاضة خياره ، وهذا يحتاج الى تعزيز الانتفاضة و الالتفاف حولها وتطويرها ، وانهاء كافة الاتفاقات المعقودة مع دولة الاحتلال حسب قرار المجلس المركزي الفلسطيني، لان الدعوة لمؤتمر دولي لا علاقة له بنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني ، ولا يعبر بالمطلق عن أماني ومصالح وحقوق شعبنا ، بل هو بكل وضوح شيك على بياض يتم تقديمه للعدو الإسرائيلي دون أي مقابل .
ان الشعب الفلسطيني سيبقى منشدا لحقوقه الوطنية المشروعه وفي مقدمتها حق العودة الى دياره وممتلكاته التي شرد منها عام 1948، وحق تقرير مصيره واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وهذا يتطلب نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة ومطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، وهذا الموقف يشكل ضرورة وطنية.
من هنا لا يجوز في ظل الانشغال العربي باوضاعه الداخلية وما تشهده بعض الدول العربية من احداث مؤلمة نتيجة ما يسمى الربيع الاسود ، عقد المؤتمر الدولي الذي يتم الحديث عنه ، لأنه جوهر الصراع مع العدو الإسرائيلي هو صراع عربي إسرائيلي ، حتى لا يأتي هذا المؤتمر بفرض الشروط وفق التصور الصهيوني بلاءاته الخمسة : لا انسحاب من القدس، لا انسحاب من وادي الأردن ، لا إزالة للمستوطنات ، لا عودة للاجئين، لا للدولة الفلسطينية كاملة السيادة على الأراضي المحتلة .
ان الدعوة للمؤتمر الدولي تأتي في ظل حدة الاستقطاب الإقليمي، بين محوري السعودية وإيران ، بما فيها الانحدار إلى مستنقع الاستقطاب الطائفي، الذي يهدد بمزيد من النيران الطائفية، ترسم صورة قاتمة للعلاقة العربية الإيرانية، وعلى الوضع الإقليمي، المشتعل والمتدهور أصلا، وتفتح الباب أمام المزيد من التدهور وحالة عدم الاستقرار، بل واستمرار شلالات الدماء المنهمرة في سورية والعراق واليمن وليبيا، وربما ما هو أكثر من ذلك، لهذا فأن الخيار البديل لواقع الصراع الحالي، والتصعيد بين الطرفين، هو اللجوء إلى خيار الحوار الاستراتيجي بين المحورين، والذي قد يبدو، للوهلة الأولى، مستحيلا أو صعبا جدا، في ظل حالة الاستقطاب الشديد، وما وصلته الأزمة من مديات بين الطرفين، إلا أن التمعن الحقيقي بالخيارات المطروحة اليوم لمستقبل الصراع بين المحورين، وفق ما نراه حاليا، يرسم صورة أكثر قتامة، ولا يصب، بمطلق الأحوال، في مصلحة أي من الطرفين ولا مصلحة المنطقة، ما لا يدع مجالا آخر إلا الذهاب إلى حوار استراتيجي، عربي إيراني، على غرار الحوار الاستراتيجي الذي جرى بين إيران والولايات المتحدة والدول الكبرى والتى وصل الى درجات كبيرة، مما يمكن من تعزيز عقد مؤتمر دولي على ارضية تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة دون تقديم تنازلات على حساب الحقوق الوطنية المشروعة .
فالعالم التي تحكمت فيها بضعة سنوات الإدارة الأمريكية وتحديدا منذ احتلال العراق ، اليوم هذا لا يعني الاستخفاف الكامل بالقوى الأخرى روسيا وأوروبا والصين ، رغم الموقف الأمريكي المعادي لحقوق شعبنا وقضيتنا ، صحيح ان الصعيد العربي الرسمي يعيش حالة انهيار وانقسام وتفتت , ويحاولون من خلال الصراع الدائر تصفية الصراع العربي – الصهيوني وتصفية الصراع الفلسطيني – الصهيوني في هذه المنطقة من العالم ، فان دعوة وزراء الخارجية العرب تأتي في سياق المشروع الامريكي لان ما يريدونه منا أن نوافق على تصفية قضيتنا بأنفسنا لأنه من خلال موافقتنا فقط يمكن أن تحصل التصفية ، وهذا الكلام الذي تعبر عنه الادارة الامريكية هو الهدف منه الوصول الى حكم ذاتي في أحسن الأحوال ، وممنوع أن نفكر بتقرير المصير أو الدولة الفلسطينية .
ونحن نؤكد بانه منذ بداية الصراع العربي الصهيوني ، ومنذ تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني وإقامة دولة العدو الصهيوني على ارض فلسطين التاريخية ، فإن المخططات الساعية إلى استئصال وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين لم تتوقف أبداً عبر التعاون المتواصل بين القوى الاستعمارية والامبريالية والحركة الصهيونية والقوى العربية الرجعية، حيث يتبوء الدور الأمريكي مكانة متميزة، عبر العديد من المشاريع الهادفة إلى تهجير وتوطين اللاجئين الفلسطينيين ، وتصفية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، من خلال القيام بسلسلة من الإجراءات المتبعة من ضمنها سياسة التقليصات المتبعة من قبل وكالة غوث اللاجئين " الاونروا " تجاه تقديمها خدمات للاجئين ، وصولاً إلى إنهاء دورها من قبل اللوبي الصهيوني وبعض الجماعات الضاغطة في الكونغرس الأمريكي الذي يطالب بنقل صلاحيات الوكالة إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وللدول المضيفة وأن هناك بعض الدول الغربية والعربية باتت تتماشى مع هذا المخطط ، حيث يتم اليوم الحديث عن الازمة المالية الذي تعاني منه (الاونروا) على حساب الفلسطينيين، مما يؤثر على حياة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف حياتية صعبة.
ان التحرك الذي يقوم به اللاجئين في مخيمات لبنان يشكل ضرورة ملحة من اجل الحفاظ على أهمية استمرار عمل (الاونروا) حسب التفويض الممنوح لها عبر القرار 302 وعدم المساس بولايتها أو مسؤولياتها وعدم تغيير اسمها أو نقل مسؤولياتها إلى أي جهة أخرى لحين عودة اللاجئين الى ديارهم التي هجروا منها وفقا للقرار الاممي 194، وهذا الحل هو مسؤولية المجتمع الدولي بأسره الذي أهمل القضية الفلسطينية لما يزيد عن 67 عاماً دون حل طبقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .
وفي ظل الحديث عن مؤتمر دولي بشأن فلسطين ، نرى ان معابر الحدود الدولية كافة فتحت آفاق جديدة، بعيدة المدى، متعددة الاحتمالات والخيارات متأرجحة النتائج في الأجواء السياسية والعسكرية والدولية، نعم لقد شكلت ايران نصر بعد رحلة صبر طويلة، وبعد رحلة هدوء دبلوماسي ذكي لم تتوقف إيران عن المضي بها رغم كلّ العقبات والعراقيل والألغام التي وضعت أمامها لقطع الطريق عليها ، فهل فلسطين قادرة من خلال استثمار ساحة الانتفاضة في الميدان ان تحقق النصر دون اي تراجعات او ضغوطات او تنازلات ، لأن عرب اليوم يختلفون عن عرب الامس ، وفلسطين بحاجة الى دعم حلفاء مقاومين ، وليس حلفاء يريدون التخلص من قضية فلسطين ، لهذا نقول لقد بدأت مرحـلة جديدة من تاريخ هذا العالم، نأسف ان لا يكون للعرب مكان في هذا التاريخ يليق بتاريخهم.
اصبح من الواجب ان نعطي الأولوية للعمل النضالي, العمل الانتفاضي بشتى أشكاله وألوانه دون أن ننسى أهمية العمل السياسي والدبلوماسي ، لإن جسر الهوة بين إعلان الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض مهمة كفاحية شاملة وطويلة , فالشباب والشابات ابطال الحجارة والمقلاع والسكين والدهس يريدون دولة مستقلة وذات سيادة على كامل تراب وطنهم وعاصمتها القدس مع حق عودة جميع الاجئين في الشتات والمنافي الى ديارهم التي شردوا منها , يريدون علما ونشيدا وطنيا وجواز سفر ومقعدا في هيئة الأمم , لا يريدون حكماً ذاتيا.
في ظل هذه الظروف نرى اهمية الذهاب الفوري لعقد المجلس الوطني الفلسطيني وإنهاء الانقسام والتمسك بالثوابت الوطنية والوحدة الداخلية التي تضمن حق الاختلاف والتعدد كأولوية ورسم استراتجية تستند لخيار النضال بكافة اشكاله وحماية الانتفاضة وتطويرها ، لاننا ما زال شعبنا في مرحلة تحرر وطني ورفض الشروط الاسرائيلية الأمريكية في ظل نظام عربي ودولي شبه مرتهن لسياسة التحالف الإمبريالي الصهيوني، حيث بات واضحا أن اي حل يعني بوضوح تخلي عن حق العودة وتقرير المصير والاستقلال الكامل ، حيث تكون بذلك قد طغت التفاصيل وضاعت القضية.
وامام كل ذلك يتوجب على كافة الفصائل والقوى الفلسطينية الحفاظ على تعزيز دور الانتفاضة باعتبارها تشكل الخط التحرري المقاوم الذي يحافظ على الاشتباك مع الاحتلال بالحجر والمقلاع والسكين بوتائر تتناسب مع إمكانيات الشعب ومتطلبات النضال الطويل الأمد، وكذلك العمل على تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في الوطن والمنافي، لكي تصبح هذه البنية عصية على فرض الحلول.
ختاما : لا بد من القول ، أن انتفاضة فلسطين استعادت هدف الصراع ، لا ينبغي علينا استسهال الأمر ، فهي ليست عملية ارتجالية ولا ميدانا للمزايدات ، انه تحدي المستقبل الذي يفرض علينا التمسك بكافة أساليب النضال الكفاحية بوعي وإرادة من اجل تحرير الارض والانسان ، إن مشاعل الحرية والعودة التي أضاءها شهداء فلسطين والثورة الفلسطينية ومناضليها وقادتها العمالقة ، وشهداء الانتفاضة الراهنة لن تنطفئ ولن تتوقف مهما تزايدت عدوانية دولة الاحتلال وحليفها الإمبريالي ، ومهما تزايدت المخططات والمحاولات الامبريالية الصهيونية التي تتوهم انهاء القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين وشطب الهوية الوطنية أو وقف نضال شعبنا الوطني.