لولا تلك المرأة التشيكية لكُنتُ مكثتُ في ضجرٍ قاتل

تنزيل
حجم الخط

بقلم : عطا الله شاهين
تفاجأـتْ من منعي من الخروجِ من مطار لارنكا، حينما وصلته ذات يوم، وكنتُ لحظتها قادماً من موسكو، في زيارةٍ للأهل، ولمْ أكنْ أعلمُ مسبقاً بأنه يمنعُ الخروجُ من المطار، مع أنني كنتُ أُريدُ السّفرَ بالباخرة، لأنَّ النقودَ التي بحوزتي لمْ تكد تكفي لشراءِ تذكرةِ طائرة إلى مطار اللد.
وحينما كنتُ واقفا في قاعة الترانزيت تقم صوبي أحد مسؤولي أمن المطار وقال لي :عليكَ شراء تذكرة أو سنعيدكَ إلى موسكو، فقلتُ له سأتصلُ بالأهل وسأخبرهم قصّتي، فهزّ رأسه وذهبَ، أما أنا فجلستُ هناك في قاعة الترانزيت حزينا، لأنني كنتُ تواقا لرؤية الوطنِ والأهل بعد غيابي عنهم لسنوات..
تمكّنتُ من الإتصالِ في الأهل في اليوم التالي، وحين كنتُ جالسا، والحزن بدا جليا على سحنتي المرهقة من قلقي وتعبي.. وبعد قليل رأيتُ تلك المرأة، التي كنتُ رأيتها حينما وصلتُ بالأمسٍ، فقلتُ لربما تنتظر طائرتها.. فتقدمتُ صوبها وكانتْ تحمل بيديها كتابا، ومستمتعةٌ  في القراءة، فقلتُ لها ألديكِ مشكلة؟ فنظرتْ صوبي وردّتْ بلى، لقد تمّ منعي من الخروج، فقلت لها: وأنا مثلكِ، وشعرت حينها بأنها ترّحبُ بجلوسي معها بعدما وضعتْ الكتاب جانباً، فجلستُ بجانبها وبدأنا نتحدثُ باللغة الانجليزية، وسألتها من أين أنتِ؟ فقالتْ لي : أنا تشيكية، من تشيكوسلوفاكيا، ووصلت هنا في زيارة، ولكن منعتُ من الخروج، وأنتظرُ أحدَ أقاربي لكي يكفلني، أما أنا فرحتُ أقصُّ عليها قصّتي، وعند سماعها لحكايتي شعرت بأنها حزنتْ وتعاطفت معي، وبقينا سوية في قاعة الترانزيت نقتلُ الضجر حتى اليوم الخامس، حينما تمكنتْ هي من الخروج.. وبقيتُ وحيدا أنتظر تذكرة الطائرة، وفي اليوم السابع وصلت تذكرتي، وفرحت كثيرا، لأنني سأرى الوطن الجريح وقلت في ذاتي: لولا تلك المرأة التشيكية لكنت مكثتُ تلك المدة في ضجرٍ قاتلٍ .. وسافرتُ وبقيتُ أتذكرها، وحتى اللحظة أتذكرها، وأتذكر ضحكاتها، لأنها هي من سلّتني طيلة خمسة أيام من مكوثها معي ..