لا أدري ما هي الاستراتيجية التي أعدتها منظمة التحرير لكيفية التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة في ضوء سيطرة اليمين المتطرف عليها ووجوده على خط التماس مع الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
ولا شك بأن إصرار زعيم الصهيونية الدينية سموترتش على أن يتولى مسؤولية تعيين رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية ومنسق الحكم العسكري تعني أنه نصب نفسه رئيسا ً للوزراء في الضفة الغربية ولكن ليس رئيسا للوزراء الفلسطينيين وإنما رئيسا ً لحكومة المستوطنين في الضفة الغربية والتي باتت تؤسس لحل الدولتين، دولة يهودا الحريدية ودولة إسرائيل العلمانية.
ومن المفترض أن يكون قد تم عقد اجتماعات لحكماء بني "فلسطين" تم خلالها وضع السيناريوهات المستقبلية لسياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة والخطط اللازمة للتعامل مع كل سيناريو. علماً بأن الأنباء التي ترشح من الجانب الإسرائيلي تفيد بأن اللقاءات بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين فلسطينيين ما زالت مستمرة وأن احدها كان مؤخرا ً وطلب فيه الجانب الفلسطيني الافراج عن جثمان الشهيد المرحوم ناصر أبو حميد خشية أن يؤدي استمرار احتجاز جثمانه الى تفجير الأوضاع في الضفة – على ذمة الاعلام الإسرائيلي –.
ومع ذلك فإنني أود وضع الملاحظات التالية لإثراء النقاش.
أولا، أدعو الى عدم المبالغة في تضخيم الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة الإسرائيلية الجديدة وتصدير الخوف منها، وذلك لأن ما يقوله السياسيون بشكل عام عندما يكونون في المعارضة ليس هو بالضرورة ما سيفعلونه عندما يصلون الى سدة الحكم بسبب القيود والاعتبارات التي لا يستطيع صانع القرار تجاهلها. ومع ذلك فإن من المؤكد بأنها ستقوم بتصعيد العمل حيثما كان سهلا ً عليها وتخفيف حدة اندفاعها حيثما وجدت نفسها تحت الضغط. فالأيام القادمة صعبة وفي احشائها مفاجئات غير سارة ولكنها ليست بالشكل المنفلت من الرسن. وعلينا أن نكون متيقظين وعلى أهبة الاستعداد للمواجهة، ولكل حادث حديث.
ثانيا، علينا ألا نبالغ في التوقعات بشأن ما يمكن أن تقوم به أمريكا أو أوروبا للضغط على حكومة نتنياهو لمنعها من تغيير الوضع القائم أو حثها على عدم القيام بأعمال تسد الطريق أمام امكانية حل الدولتين علما ً بأن هذا الحل لم يعد قائما وتم قتله ودفنه منذ زمن بعيد ولم يعد موجودا ً إلا في خيال المعزولين عن الواقع أو الذين يريدوننا أن ننعزل عنه ونعيش على الأوهام. ولنستحضر المبدأ القائل "ما حك جلدك مثل ظفرك".
لقد كانت سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العقدين الأخيرين تقوم على أساس تكريس وضع اللا- حل لأنه وحده هو الذي يمكن إسرائيل من تنفيذ برنامجها الاستيطاني التوسعي بهدوء وتحت غطاء قنبلة دخان اسمها الحل السياسي. ومن أجل ذلك فقد عملت هذه الحكومات على استمرار نهجها الاستيطاني التوسعي على الأرض، وبنفس الوقت المزج بين استمرار العمل الأمني والعسكري ضد أية بادرة للمقاومة الفلسطينية، وردع حماس لمنعها من القيام بأي أعمال عسكرية، وتقوية قيادة السلطة الفلسطينية من خلال إعطاء بعض الامتيازات لبعض شخوصها، والقيام ببعض الأعمال التجميلية بحجة أنها تؤدي الى تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين في أراضي السلطة، والتغاضي الى حد ما عن الجهود التي تقوم بها القيادة الفلسطينية لزيادة الضغط الدولي على إسرائيل ومحاولة اجهاض هذه الجهود دون الدخول في مواجهة مباشرة مع السلطة.
ومن الواضح بأن الحكومة الجديدة، وبوجود سموترتش وبن جبير في مواقع قيادية رئيسية فيها، ستسعى لإضعاف السلطة بدل تقويتها وستعمل على إساءة ظروف معيشة الفلسطينيين لحملهم على الهجرة حسب مخططاتها وأحلامها، وستبحث عن أية ذريعة لتبرير سياساتها القمعية في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس، وستنتهج سياسة تسريع الضم الزاحف الذي كانت تنهجه الحكومات السابقة.
ومن المتوقع أن نشهد طفرة في محاولات خلق واقع جديد في القدس والمسجد الأقصى مع التمويه والادعاء بالحفاظ على الوضع القائم status quo وبنفس الوقت استمرار تغيير هذا الوضع بشكل نمطي، امعانا ً في تضليل الرأي العام العالمي ولتخفيف أي ضغط يمكن أن يمارس على إسرائيل. فالوضع القائم بالنسبة للإسرائيليين هو وضع قائم متغير.
وفي اطار الرؤية الإسرائيلية الجديدة وتولي سموترتش مسؤولية الاشراف على الإدارة المدنية الإسرائيلية والمنسق العسكري، فإن من المتوقع استبدال طواقم الإدارة المدنية بمستوطنين. وهذه الطواقم هي عبارة عن أقسام تشبه الوزارات فيها ضباط بمثابة وزراء مثل ضابط الشؤون الصحية وضابط الشؤون التجارية وضابط الشؤون التعليمية وضابط شؤون المجالس المحلية وضابط المياه والمصادر الطبيعية وضابط الشؤون الدينية وهكذا، وسيقوم هؤلاء باعتبارهم مجلس وزراء المستوطنات، بتجيير عمل كل هذه الأقسام (الوزارات) لصالح المستوطنات لتكريس كل الإمكانيات لتوسيع وتثبيت الاستيطان والمستوطنين بالاستيلاء على المزيد من الأراضي الحكومية والخاصة وتنفيذ أوامر الهدم بالجملة بحجة أن المناطق "ج" هي أراض إسرائيلية.
فماذا نحن فاعلون؟
إن من الخطأ بل الخطيئة التاريخية أن نركن الى المجتمع الدولي والاستجداء السياسي لوقف هذه الهجمة الإسرائيلية، وعلينا عدم الاكتفاء بموقف ردود الفعل بل أن نمسك بزمام المبادرة والمواجهة.
وعلى الجميع أن يفهم بأن المواجهة يجب أن تكون على كل ساحات الوطن وليست مواجهة مقتصرة على بؤر معينة. والمواجهة ليست بالضرورة مواجهة مسلحة لسنا كفؤ فيها مع الاحتلال، وإنما مواجهة شعبية تشمل العمل الجماهيري في الشارع والمقاطعة الاقتصادية الحقيقية في السوق الاستهلاكي المحلي في الضفة والقطاع. ويجب في اطار هذه المواجهة إعادة تفعيل مسيرات العودة والأنشطة التي كانت ترافقها على حدود القطاع، ودراسة إمكانية تطبيق هذه المسيرات في الضفة.
ولا شك بأن كل هذه الأعمال تتطلب موقفا ً وطنيا تحت مظلة اجماع وطني وهذ يعيدنا الى المربع الأول وهو مربع الانقسام والمصالحة. وسيسجل التاريخ بأن كل من يقف حجر عثرة في طريق انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة هو عدو لتطلعات شعبنا وحقوقه وخادم لأجندة الاحتلال وخططه التوسعية.