هارتس : تقديم التنازلات لسموتريتش وبن غفير: نتنياهو يمس بأداء الجيش الإسرائيلي

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



ينجح وابل العناوين، التي توفرها الاتفاقات الائتلافية في مواضيع الدين والدولة، في إثارة عاصفة إعلامية جديدة كل بضع ساعات في الأيام الأخيرة.
يصعب التنافس مع المجموعة المختارة من القضايا التي تعرضها هنا حكومة نتنياهو الآخذة في التبلور، بدءا بالحق المعطى للتحريض على العنصرية والتمييز ضد الأقليات، مروراً بالسماح للأطباء بالامتناع عن تقديم العلاج لمريض لأسباب دينية، وانتهاء براتب شهري لطلاب المدارس الدينية، يفوق راتب الجنود المقاتلين.
هذه بالفعل هي الهدية التي لا تتوقف عن الإعطاء، وعلى المدى البعيد قد تؤدي إلى تآكل تعاطف الناخبين العلمانيين والتقليديين مع «الليكود».
لكن يجب الانتباه أيضا إلى ما يحدث على الصعيد الأمني، وأيضا في الاتفاقات الائتلافية وخلف الكواليس وفي الاتصالات والتفاهمات غير الرسمية للشركاء في الحكومة المستقبلية.
التنازلات التي قدمها هنا رئيس «الليكود»، بنيامين نتنياهو، للشركاء المستقبليين واسعة ومتنوعة، ولا تقل عما كشف عنه في موضوع الدين والدولة. هذه تنازلات شاملة تقلص صلاحية الجيش ووزارة الدفاع وتقوض سلسلة القيادة في الجيش.
التغيير الأبعد هو الذي يظهر في «المناطق». ففي إطار الاتفاقات أعطى نتنياهو لشريكيه في اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، صلاحيات غير مسبوقة.
ستعطى لوزير من قبل حزب سموتريتش، الصهيونية الدينية، السيطرة على جهاز منسق أعمال الحكومة في «المناطق»، التابع للإدارة المدنية في الضفة الغربية، وعلى تعيين المستشارين القانونيين الذين سيتعاملون مع الأحداث في «المناطق».
بن غفير، وزيرا للأمن القومي، ستعطى له ليس فقط صلاحيات موسعة على المفتش العام للشرطة وعلى الشرطة، بل سيطرة مباشرة على حرس الحدود بصورة يتمكن من خلالها من التأثير على التعليمات للقوات في الميدان، وحتى تحريك فصائل حرس الحدود من الضفة إلى النقب والجليل كما يريد.
هذه الخطوات هي خطوات مكملة ستضعف بحركة كماشة أداء الجيش في «المناطق». للمرة الأولى أضيفت إلى الهرمية العسكرية - الأمنية جهات خارجية.
رغم أن إدارة جهاز الأمن لم تكن في أي يوم مهنية، إلا أن الجهات التي دخلت إلى هذه الهرمية هي سموتريتش وغفير، أصحاب الميول السياسية والواضحة التي كل هدفها هو توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية وتخريب العلاقات المتبقية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
حصانة للجنود. حسب طلب بن غفير فإنه ستتم المصادقة على تشريع يقلص إمكانية تقديم الجنود للمحاكمة بسبب نشاطات عملياتية. ومثلما شرح ينيف كوفوفيتش هنا في الأسبوع الماضي فإن توفير حصانة جزئية للجنود يمكن أن يحقق هدفا معاكسا للهدف المعلن.
تقوم إسرائيل حتى الآن بصد طلبات لمحاكمة دولية للجنود في «المناطق» بتهمة جرائم حرب، منذ 55 سنة. مبررها الرئيس هو أنها تدير منظومة قضائية ناجعة ومستقلة، وتهتم بإنفاذ القانون على من يستحق ذلك. من اللحظة التي سيتم فيها إلغاء هذه الاحتمالية، التحقيق والتقديم للمحاكمة، استناداً لمبرر سياسي يتمثل بدعم الجنود، فإن النتيجة هي سلسلة طلبات الهدف منها هو جر جنود وضباط إسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
من الذي سيعين الحاخام العسكري؟ الائتلاف القادم يمكن أن يعود ويدفع قدما بمشروع قانون قديم، بحسبه الحاخام العسكري الرئيس يتم تعيينه بناء على توصية من لجنة، يكون من بين أعضائها أيضا الحاخام الرئيس السفاردي.
الحاخام العسكري الرئيس، كما تم الاتفاق، لن يكون خاضعا لرئيس الأركان (في المواضيع الدينية – المهنية). وإذا لم يكن هذا كافيا فإن قائمة الصهيونية الدينية تطالب أيضا بإعادة رتبة جنرال إلى الحاخام العسكري الرئيس، والتي خفضت قبل عشرين سنة.
هذه الخطوة لها تأثيرات خطيرة محتملة. الأول، سيضعف خضوع الحاخام العسكري الرئيس لرئيس الأركان، وستتم شرعنة عملية تجري في الأصل بشكل تدريجي، وإخضاع الحاخام العسكري الرئيس لصلاحية حاخامية مدنية.
هذا الأمر إشكالي؛ لأنه بذلك سيتم إدخال أجندات خارجية – مدنية، وحتى سياسية، إلى الجيش الإسرائيلي من البوابة الرئيسة.
الثاني، يمكن أن يكون ثمة خطر على إدخال أحكام دينية متشددة، حتى الآن تم كبحها بفضل خضوع الحاخام العسكري الرئيس المباشر لرئيس الأركان.
وهكذا الأمر بالنسبة لوحدة منسق أعمال الحكومة في «المناطق، حيث توجد هنا خصخصة لصلاحيات عسكرية ونقلها إلى جهة خارجية، جهة لها ميول سياسية واضحة في موضوع الدين والجيش.
قانون التجنيد. ربما يكون التحدي الأكبر أمام علاقات الجيش مع المجتمع في إسرائيل على المدى البعيد يكمن في خضوع نتنياهو الذي يلوح في الأفق لطلبات الحزبين من أجل سن قانون جديد للتجنيد.
يتوقع أن يعفي هذا القانون، إلى الأبد، الأغلبية الساحقة من الشباب المتدينين من واجب الخدمة في الجيش.
ورغم أنه حتى الآن خدمة المتدينين في الجيش مقلصة جدا إلا أن إعطاء خاتم قانوني لهذا الاتفاق يمكن أن يضعضع نموذج الخدمة في الجيش. يمكن أن يضر هذا بدافعية التجند في أوساط هذه المجموعة السكانية، الآخذة في التقلص، التي ما زال فيها الشباب والفتيات يلزمون بأداء الخدمة الكاملة دون صفقات ودون تصاريح قانونية أو إلهية.
اتفاق الخضوع
في الوقت الذي استجاب فيه نتنياهو، كما يبدو، لطلبات بعيدة المدى لشركائه في اليمين يبدو أنه يجمد والى الأبد الطلب الذي طلبه بصوت عالٍ وبدراماتيكية في الفترة الأخيرة لحملة «الليكود» في الانتخابات الأخيرة.
أعضاء «الليكود» في الكنيست، هاجموا بشدة الاتفاق الذي وقعت عليه الحكومة السابقة في اللحظة الأخيرة قبل الانتخابات وهو ترسيم حدود المياه الإقليمية مع لبنان.
محاولتهم التشويش على هذه الخطوة التي رفضت من قبل قضاة المحكمة العليا، الذين وافقوا على مواقف حكومة لابيد – بينيت وجهاز الأمن.
هؤلاء قالوا إن الاتفاق مطلوب حتى أن انسحاب إسرائيل منه في اللحظة الأخيرة يمكن أن يؤدي إلى الاشتعال في المنطقة الشمالية.
في التصريحات قبل الانتخابات كان نتنياهو فظا وواضحا. «خضع يائير لابيد لتهديدات حزب الله». «اتفاق الخضوع الذي عقده غير قانوني ولن يلزمنا»، قال في مناسبة أخرى.
في مناسبة أخرى وعد من خلال تغريدة في تويتر بأنه «سنفوز في الانتخابات وسنقوم بإلغاء هذا الاتفاق المخجل».
نتنياهو في الحقيقة فاز في الانتخابات. ولكن في مقابلة باللغة الانجليزية أجرتها معه قناة «العربية» سمع بشكل مختلف. «أنا قلت إنني سأفحص (الاتفاق)، وسأجد طرقا – إذا كانت هناك أمور سيئة وضارة، من أجل إصلاح ذلك بطريقة مسؤولة. ليس بالضرورة أنني سأمزق الوثائق. لا أعتقد أن هذا ما ستكون عليه الحال».
هذا بالطبع رد منطقي في هذه الظروف. نتنياهو سياسي مجرب بما فيه الكفاية كي لا يقفز ويشطب اتفاقات دولية حصلت على دعم الولايات المتحدة والأمم المتحدة، التي تحطيمها يمكن أن يكون ثمنه العنف.
لا مناص من التوصل إلى استنتاج بأن الانتقاد الانفعالي لنتنياهو و»الليكود» لاتفاق الخضوع الذي كما يبدو يعرض أمن إسرائيل للخطر، لم يكن إلا خدعة انتخابية.
من اللحظة التي توقف فيها هذا الأمر عن خدمته فإن نتنياهو تنازل عنه.
من الواضح أن لديه في هذه الأثناء مواضيع ملحة أكثر على جدول الأعمال.

عن «هآرتس»