هارتس : نتنياهو يزرع المنطقة بـ"العبوات الناسفة": الدول العربية تخشى الانفجار

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



استقبل عبد الله، ملك الأردن، هذا الأسبوع، الحكومة الجديدة بنداء تحذير. "توجد لنا خطوط حمراء، ومن سيجتازها سنعرف كيف نتعامل معه"، أعلن في برلين لشبكة "سي.إن.إن". أحد هذه الخطوط الحمراء تم اجتيازه في السابق؛ عندما وضعت الحكومة في خطوطها الأساسية أنه "يوجد للشعب اليهودي حق حصري غير قابل للتصرف على كل مناطق أرض إسرائيل. ستدفع الحكومة قدماً وتطور الاستيطان في كل أرجاء البلاد - في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة". هذا "الحق" في الحقيقة كان متضمناً في الخطوط الأساسية لحكومات سابقة، لكن الحصرية غير القابلة للتصرف هي الأمر الجديد، فعندما تضاف إلى حقيقة أنه لا يوجد أي ذكر لنية للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، فإنها تبني جبهة سياسية ليس فقط ضد الفلسطينيين والأردن، بل أيضاً تضع إسرائيل أمام الولايات المتحدة والدول الغربية.
أكثر ما يقلق في هذا التصريح الملك عبد الله هو أن طبيعة تطبيقه وتداعياته تقربانه من اللحظة التي سيضطر فيها إلى مواجهة القضية الرئيسة التي تتعلق بمسؤوليته عن الأماكن المقدسة في القدس، التي يعتبرها ذخراً "غير قابل للتصرف"، سواء من قبله أو من قبل مملكته.
هل يمكن الاعتماد على صديقه، جو بايدن، كي يوقف طموحات نتنياهو، وبالأساس طموحات وزراء اليمين القومي المتطرف - مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش - الذين يسعون إلى إقامة "الهيكل الثالث"؟ هل يمكنه الاعتماد على التحالف الفارغ الذي يسمى "الوحدة العربية"، بشكل خاص عندما يزداد الحديث عن التطبيع مع السعودية التي لا تخفي الرغبة في تولي الرعاية على الأماكن المقدسة في القدس، وأن تزيح الأردن عنها؟ ولا يقل عن ذلك أهمية، هل سينجح الملك في مواجهة احتجاج الجمهور الذي يمكن أن يندلع في الأردن ويجر وراءه جمهوراً واسعاً في الدول العربية والإسلامية؟
في المرة السابقة، التي أعلن فيها نتنياهو نيته فرض القانون الإسرائيلي في "المناطق"، اقترحت دولة عربية وهي اتحاد الإمارات، التي من أجل أن تزيل التهديد عن الطاولة، في المقابل تقديم بديل مناسب بشكل خاص وهو السلام والتطبيع مع إسرائيل. السرعة والنطاق التي فيهما تطورت العلاقات بين الدولتين والسلام الدافئ الذي ساد بينهما (خلافاً للسلام البارد الذي يميز العلاقات مع مصر والأردن) يمكن للوهلة الأولى أن يكونا الضمانة لأن تظهر أبو ظبي أكبر قدر من المرونة تجاه سياسة نتنياهو في "المناطق".
بشكل عام، طورت الإمارات في السنوات الأخيرة سياسة خارجية مستقلة غير متطابقة مع سياسة دول الخليج أو سياسة دول عربية أخرى. وهي تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران، واستأنفت العلاقات مع تركيا، وانسحبت من التحالف السعودي في الحرب على اليمن، وتغازل الصين وروسيا، وفي الوقت ذاته تعتبر نفسها حليفة للولايات المتحدة. أعطاها السلام أداة تأثير على سياسة إسرائيل في الشرق الأوسط، لكن استخدام هذه الأداة محدود. ستجد أبو ظبي صعوبة في أن تهدد بخرقه أو الانسحاب منه، باسم التضامن مع الفلسطينيين.
في الطرف الثاني من الخارطة، في مصر تطورت تحت حكم عبد الفتاح السيسي منظومة علاقات يمكن اعتبارها تحالفاً إستراتيجياً غير رسمي مع إسرائيل، يستند إلى فهم واعتراف عميق بالمصالح الأمنية المتبادلة. لا يدور الحديث فقط عن تعاون استخباري أو موافقة على النشاطات العسكرية لمصر في "المناطق"، التي حددت كمناطق منزوعة السلاح في اتفاق كامب ديفيد أو بمصادقة إسرائيل على تغيير مكانة جزر صنافير وتيران في البحر الأحمر. هذه فقط نتائج لبنية سياسية وعسكرية ولدت سوية مع الإستراتيجية الإسرائيلية بتحويل غزة إلى عائق أمام أي عملية سياسية مع الفلسطينيين، بوساطة سياسة الفصل بين الضفة والقطاع.
تعترف مصر من ناحيتها بشكل غير رسمي بأن حل الدولتين ليس حلاً منطقياً في المستقبل المنظور، وبناء على ذلك فمن الحيوي بالنسبة لها تحييد التهديد الأمني، الذي يمكن أن يتطور في غزة وينزلق إلى أراضيها. صحيح أن مصر في السابق هددت مرتين سلامة اتفاق السلام الذي عقدته مع إسرائيل، وأعادت سفيرها من تل أبيب بين الأعوام 1982 - 1993 في أعقاب حرب لبنان الأولى، والمرة الثانية بين الأعوام 2001 - 2005 على خلفية الانتفاضة الثانية، لكنها لم تقطع علاقاتها رغم ضغوط الجمهور الشديدة التي استخدمت على نظام مبارك. ولكن تشابك المصالح المشتركة بين الدولتين الآن يرتبط بمنظومة الأواني المستطرقة التي توجد بين غزة والضفة والقدس.
"حماس" و"الجهاد الإسلامي" حوّلتا "وحدة الساحات" إلى أساس في إستراتيجية مقاومة الاحتلال، وبذلك تحاولان تقويض جهود إسرائيل في إدارة منظومتَي مواجهة منفصلتين. ولكن في الواقع "حماس" في غزة مقيدة باتفاقات مع مصر وبشكل غير مباشر مع إسرائيل، وتستفيد من ضخ الأموال التي تصل من قطر ومن عمليات إعادة الإعمار التي تنفذها مصر، في حين تحولت الضفة إلى منطقة نيران مفتوحة تتركز فيها النشاطات الإسرائيلية بالأساس ضد "الجهاد الإسلامي" ومنظمات صغيرة. سيكون كافياً تغيير الوضع الراهن في الحرم أو نشاط استيطاني مسرع في شرق القدس أو مس شديد بشروط اعتقال السجناء الأمنيين من أجل تحطيم هذا التقسيم. يمكن أن تستأنف هذه التغييرات نشاطات "حماس" العسكرية في غزة، وأن تهدد بذلك الساحة الداخلية المصرية.
عندما سيكون مستقبل المساعدات القطرية لغزة غير مضمون، ومثله أيضاً حجم التسهيلات التي أعطيت للقطاع، تحت قيادة سموتريتش كوزير مكلف بتنسيق أعمال الحكومة في "المناطق"، فإن مناطق الاحتكاك يمكن أن تتسع. يمكن عندها أن تكتشف مصر أن تجارة الخيول التي أدارتها مع نتنياهو خلال سنوات تغيّر القواعد، وأنه ينضم للمعادلة عامل تدميري إسرائيلي لا يعترف بها.
سيكون نتنياهو مطالباً عندها بأن يثبت أن التفاهمات مع مصر ما زالت سارية، وأن التعهدات التي أخذتها إسرائيل على عاتقها غير خاضعة لنزوة سموتريتش. ولكن الحديث لا يدور فقط عن محور إسرائيل - مصر. تعتمد أيضاً على استقرار شبكة العلاقات هذه طموحات نتنياهو في التوصل إلى تطبيع العلاقات مع السعودية، التي ليست فقط حليفة إستراتيجية لمصر، بل تمنحها جزءاً كبيراً من الأوكسجين الاقتصادي الضروري لبقائها. تطور حركة الاحتجاج في مصر رداً على سياسة إسرائيل في الضفة والقدس وغزة سيؤدي إلى عدم الهدوء في السعودية. من الدولة التي يتوقع أن تعانق نتنياهو مقابل سلوك "مناسب" في غزة والضفة؟، خلافاً لاتحاد الإمارات، فإن السعودية لم تعمل من أجل وقف نية نتنياهو ضم أجزاء من الضفة في اتفاقات إبراهيم، ولم تقترح اتفاق سلام مقابل تغيير سياسته.
تعتبر السعودية نفسها دولة يمكنها إملاء السياسة، وليس دولة توزع الهدايا. المثال على ذلك الطريقة التي استغلت فيها الحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط الكبير لإجبار الرئيس الأميركي، جو بايدن، على التصالح مع ولي العهد محمد بن سلمان، وزيارة السعودية. عندها، بعد فترة قصيرة، قام بصفعه عندما رفض الاستجابة لطلبه زيادة إنتاج النفط. لقد أبرزت علاقاتها الوثيقة مع روسيا عندما امتنعت عن تطبيق العقوبات التي فرضت عليها، ومؤخراً استضافت بحفاوة الرئيس الصيني، ووقعت معه سلسلة طويلة من الاتفاقات للتعاون المشترك.
في الموضوع الفلسطيني، فإن السعودية صاحبة المبادرة العربية، وهي تسعى بجهد للتأكيد في كل منتدى أن هذه المبادرة الأساس الرئيس لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتضع ذلك شرطاً لإقامة علاقات مع إسرائيل. التعاون العسكري والتكنولوجي بين إسرائيل والسعودية، والسماح بعبور الطائرات الإسرائيلية في مجالها الجوي، واللقاءات بين شخصيات رفيعة سعودية وإسرائيلية، والتعارف بين بن سلمان ونتنياهو، كل ذلك جزء من مفاوضات غير رسمية تديرها السعودية وإسرائيل، نوع من الدفع على الحساب.
لكن الطريق إلى التطبيع الكامل تقتضي اجتياز عائقين كبيرين، هما: تحسين حقيقي في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، وتطور سياسي كبير في الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية. لكن إسرائيل، التي كان يمكن أن تكون عرابة المصالحة بين واشنطن والرياض، هي نفسها بحاجة الآن إلى تعزيز مكانتها في الولايات المتحدة والإثبات أن حكومتها الجديدة لا تتصادم مع القيم التي يسوقها الرئيس الأميركي في العالم، وأنها هي نفسها لا تتحول إلى "السعودية المنبوذة"، كما اعتبرها بايدن في حملته الانتخابية. من المشكوك فيه أيضاً إذا كان في وضع العلاقات المتوتر بينه وبين ابن سلمان سيوافق بايدن على العودة واحتضان ولي عهد السعودية حتى مقابل السلام مع إسرائيل.
حول الساحة الفلسطينية، فإن السعودية غير متسرعة. فهي ستنتظر في البداية رؤية كيف تنوي الحكومة أن تجسد خطوطها الأساسية في "المناطق" قبل أن تطرح خطط البناء لسفارتها في إسرائيل. الأمر الأخير الذي تحتاجه السعودية هو مصافحة علنية مع رئيس حكومة إسرائيل، حيث في الخلفية تقصف طائرات سلاح الجو غزة، وتهدم الجرافات قرى في جنوب جبل الخليل، ويخرج الأردنيون للتظاهرات ويطالبون بقطع العلاقات مع إسرائيل.
لا يمكن اتهام السعودية أو الدول العربية، التي وقعت على اتفاقات سلام مع إسرائيل، بالتضامن العميق مع الفلسطينيين. ولكن كل واحدة منها توجد لها "أسباب خاصة" للقلق من تدمير الوضع الراهن الذي وجد في "المناطق" طوال السنين. هذا وضع راهن يستند إلى ميزان الردع والرعب، وعلى مصالح تقلص طوال الوقت التوق إلى انتفاضة عنيفة. أهمية هذا الوضع بالنسبة للدول العربية هو الإعفاء الذي يعطيها إياه من معالجة القضية الفلسطينية طالما أنه يضمن أن هذه القضية لا تنزلق إلى أراضيها وتثير شعوبها.
في نظر هذه الدول، فإن هناك حكومة جديدة في إسرائيل، لديها إمكانية حقيقية كامنة لتفجير النظام القائم، وهذه الدولة لم يعد باستطاعتها الاعتماد على سيطرة نتنياهو الكاملة على ساحة العبوات الناسفة هذه. السيسي والملك عبد الله ومحمد بن زايد يؤكدون في الواقع أنه يمكنهم العمل مع أي حكومة إسرائيلية، وأن نتائج الانتخابات هي شأن إسرائيلي داخلي. ولكنهم في الوقت ذاته يجرون مشاورات كثيفة بينهم من أجل الفحص والاتفاق على أساليب عمل محتملة أمام الكابوس الذي ينمو في إسرائيل.

عن "هآرتس"