معاريف : تفكيك الإدارة المدنية وإقامة جيش خاص ببن غفير يهدّدان المشروع الاستيطاني

الون بن دافيد.jpeg
حجم الخط

بقلم: ألون بن دافيد

 



هذه السنة حتى عيد الأنوار لم ينجح في طرد الظلام. ظلام دامس يهبط علينا، ولكن في ظل العتمة قد يكون ممكناً لنا أن نلحظ بصيص نور. ففي الحملة، التي بدأت هذا الأسبوع، بهدف التحطيم المنهجي لكل المؤسسات الرسمية للدولة، فإن الحكومة الجديدة قد تجد نفسها تدمر بالذات ذخرها الأعز: مشروع الاستيطان.
في توقيت تاريخي مشوق، بعد أيام من أداء الحكومة الجديدة اليمين القانونية، ستنشر المحكمة الدولية في لاهاي فتوى بمسألة هل الاحتلال الإسرائيلي في "المناطق" وضع مؤقت (كما جاء في قرارات سابقة للأمم المتحدة) أم وضع دائم (ضم فعلي).
يفهم الفاهمون في أوساط وزراء الحكومة الجديدة منذ الآن التهديد الذي يخلقونه. وليس صدفة أن سارع وزير المالية الجديد، هذا الأسبوع، ليكتب مقالاً في "وول ستريت جورنال" ينفي فيه النية لضم "يهودا" و"السامرة". بالذات هو، حامل علم إحلال السيادة في "يهودا" و"السامرة"، تعهد بأنه لن ينفذ أي تغيير قانوني أو سياسي في تعريف "المناطق". يفهم بتسلئيل سموتريتش أن مظلة الحماية التلقائية التي منحتها الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي على مدى السنين لم تعد مضمونة.
على مدى أكثر من 55 سنة، نجحت إسرائيل في أن تثبت حالة هي بمثابة شبه معجزة: احتلال شعب آخر وإبقاؤه تحت حكم عسكري، وإقامة استيطان لنحو نصف مليون إسرائيلي على الأرض، وكل ذلك دون أن تلفظ إسرائيل من أسرة الشعوب وتوصف كدولة منبوذة. هذه المعجزة نجحت في البقاء ستة عقود بفضل السياسة الملجومة التي اتخذتها كل حكومات إسرائيل على أجيالها في "يهودا" و"السامرة"، وبفضل السور الواقي الذي وفرته لها منظومة القضاء الإسرائيلية. هذان الاثنان معاً سمحا للولايات المتحدة أيضاً بمواصلة صد كل مبادرة لوصف إسرائيل باحتلال غير قانوني.
على مدى السنين حرص الجيش الإسرائيلي على تنفيذ سياسة متوازنة من استخدام القوة في "المناطق"، تميز بين منفذي "الإرهاب" والعنف وبين باقي السكان. قادة الجيش، بمرافقة متلاصقة من المستشارين القانونيين، اختاروا ألا ينفذوا كامل قوة الجيش الإسرائيلي في "المناطق" حتى في الأيام الصعبة؛ انطلاقاً من الفهم أن استخدام القوة غير الملجومة سيقوض قدرة إسرائيل على مواصلة امتلاك المنطقة. الإدارة المدنية، التي حلت محل الحكم العسكري في "المناطق" قبل 41 سنة، جاءت لتبقي على مظهر يكون فيه قانون واحد للإسرائيليين والفلسطينيين خلف الخط الأخضر. لقد امتنعت إسرائيل عن إحلال القانون الإسرائيلي في "المناطق" كي تبقيها تحت تعريف "استيلاء حرب"، أرض محتلة مؤقتاً تجرى فيها نشاطات حربية.
لقد سمح جهاز القضاء الإسرائيلي لكل فلسطيني بالاستئناف على قرارات القائد العسكري. وبفضل سمعته الدولية أقام متاريس حمت الاحتلال المتواصل. وإلى جانب ذلك حمى أيضاً مقاتلي وقادة الجيش الإسرائيلي من دعاوى جنائية بالمحاكم في العالم. وتهدد حماسة التشريع في الحكومة الجديدة بالقضاء على كل هذا. الفصل بين الإدارة المدنية وبين الجيش ووزارة الدفاع، وإيداعها في يد وزير المالية تشير إلى أنه من الآن فصاعداً سيكون قانون للإسرائيليين وقانون آخر للفلسطينيين في "يهودا" و"السامرة". كما سيقضي تحطيم جهاز القضاء أيضاً على الأسوار التي حمت مقاتلي الجيش الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية في "المناطق".
إذا أضفنا إلى هذا أيضاً تحويل حرس الحدود إلى جيش خاص للوزير إيتمار بن غفير، وكذا حملة تبييض البؤر الاستيطانية غير القانونية، فإن هذه الحكومة ستفكك بكلتا يديها بقايا الشرعية الأخيرة للسيطرة الإسرائيلية في "المناطق". الإدارة الأميركية، التي على أي حال لا تمتلئ عطفاً تجاه إسرائيل، لا تحتاج لان تقف ضدها. يكفي أن تمتنع عن استخدام الفيتو على قرارات ضد إسرائيل في المؤسسات الدولية. وستكون هذه هي الإشارة لباقي العالم الغربي، الذي كبحه الأميركيون حتى الآن، إلى أن إسرائيل هي فريسة مباحة.
بعد 12 سنة من توقع أيهود باراك، فان موجة "التسونامي السياسي" قد تغمر شواطئنا في شكل اعتراف بدولة فلسطينية، وسحب شرعية الاحتلال والمقاطعات على أنواعها.
وعليه، فثمة أهمية كبيرة في تعيين وزير الدفاع، يوآف غالنت، الذي قد يجد نفسه في وظيفة الإصبع في السد. غالنت، الذي يعرف جيداً الفعل العسكري، السياسي، والصلة بينهما، سيتعين عليه منذ الأيام القريبة القادمة أن يقرر إذا كان سيقاتل في سبيل صلاحياته ويحمي مكانة وزير الدفاع والجيش الإسرائيلي كصاحب السيادة في "المناطق"، أم يطأطئ رأسه ويصبح منفذ قول سموتريتش. حتى اليوم لم يظهر أنه سهل على الانثناء. ولا يوجد ما يبرر الافتراض أن هذا سيحصل له الآن. غالنت على وعي جيد بالأثمان التي سيدفعها إذا ما وقف على ساقيه الخلفيتين ليحمي استقلالية الجيش ووزارة الدفاع. في غضون لحظة سيصنف كيساري مناوب في الحكومة وكمن يدق العصي في دواليب الاستيطان.
لكن إلى جانب الثمن السياسي يمكنه أيضاً أن يكسب مكانته كزعيم رسمي، ذي فكر متوازن. أكثر من هذا: إذا ما حدد الأميركيون غالنت بأنه الكادح سوي العقل في الحكومة، فسرعان ما سيجعلونه محاورهم الأساسي تجاه حكومة نتنياهو السادسة. إلى جانبه يمكن أن نجد رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، التعيين المفاجئ والمشجع في الحكومة الجديدة. هنغبي، مع تجربته السياسية الخارجية والداخلية الجمة، قد يتطلع ليركز على الموضوع الإيراني بصفته رئيساً لهيئة الأمن القومي، لكن سرعان ما سيكتشف أن خطاً قصيراً يمتد بين قيادة الوسط الأميركية ونتناز، وأن السياسة في "المناطق" هي التي ستؤثر على حرية عمل إسرائيل تجاه إيران.
تعيين هنغبي، سياسياً وليس موظفاً معيناً، لرئاسة هيئة الأمن القومي، قد يبشر بعصر جديد في تاريخ هذه المؤسسة المهمة. حتى الآن عانت هيئة الأمن القومي من الضعف حيال أجسام التنفيذ ووكالات الاستخبارات الإسرائيلية. وقد عنيت أكثر بإعداد البرنامج للمداولات وأقل في رسم السياسة. لهنغبي فرصة لجعلها جسماً قيادياً كان ينقص جداً في دولة إسرائيل. بعد أن نصم سجل قوانيننا بقانون ينص على الحق في التمييز، سيكون من الصعب على إسرائيل أن تواصل بيع نفسها كـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، والتي على الطريق أيضاً تحتجز ثلاثة ملايين إنسان تحت حكم عسكري. داخل عتمة الحكومة الجديدة، فان تعيين غالنت وهنغبي يمنحهما فرصة لأن يظهراها مضيئة.

 عن "معاريف"