أوقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء يوم السبت، شعلة الانطلاقة الـ58 لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، والثورة الفلسطينية المعاصرة.
وأقيمت مراسم إيقاد شعلة انطلاقة حركة "فتح" في مقر الرئاسة بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، بحضور شخصيات اعتبارية.
وحضر المراسم كلًا من رئيس الوزراء محمد اشتية، وأعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة "فتح"، والمجلس الثوري، وأعضاء الحكومة، وقادة الأجهزة الأمنية، إضافة إلى ممثلين عن مختلف الفصائل الفلسطينية.
وقال الرئيس عباس: "بعد 58 عاما من انطلاقة الثورة لا زالت فلسطين صامدة شامخة بتاريخها وحاضرها وبشعبها المرابط، سنبقى متمسكين بحقوقنا التاريخية والقانونية في أرضنا ومقدساتنا وممتلكاتنا".
وأضاف: "إن استمرار العدوان على شعبنا لن يحقق الامن والسلام لأحد، نقول للمحتلين كلما زاد طغيانكم ازداد شعبنا قوة وإصرارا على التمسك بأرضه وحقوقه".
وتابع الرئيس الفلسطيني: "كما أسقطنا صفقة القرن سنسقط مؤامرات الاحتلال الاستعماري، وإن مخططات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة والعنصرية ستفشل حتما بثباتنا على أرضنا".
فيما يلي نص كلمة الرئيس عباس:
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحا مُّبِينا، لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطا مُّسۡتَقِيما، وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا. صدق الله العظيم
أبناءَ وبناتِ شعبِنا الفلسطينيِ البطلِ في فلسطينَ وفي كلِ مكانٍ في العالم،
نُحْيى اليومَ الذكرى الثامنةَ والخمسينَ لانطلاقةِ ثورتِنا الفلسطينيةِ المجيدة، هذه الثورةُ التي كانتْ حركةُ فتحٍ شرارتَها الأولى، وتَوحَّدَتْ فيها الفصائلُ الفلسطينيةُ تحتَ رايةِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينية، الممثلِ الشرعيِ والوحيدِ للشعبِ الفلسطيني، منْ أجلِ تحقيقِ أهدافِ شعبِنا في تقريرِ مصيرِه، وإنهاءِ الاحتلالِ ونيلِ الاستقلالِ والسيادةِ على ترابِنا الوطني.
واليوم، وبعدَ ثمانيةٍ وخمسينَ عاماً منْ تلكَ الانطلاقةِ المباركة، لا زالتْ فلسطينُ كما كانت، صامدةً شامخةً بتاريخِها وحاضرِها، وبشعبِها المرابطِ بأبنائِه كافة، المناضلين، والمُضحين، كلٍ في موقعِه، مُتجذرينَ في أرضِنا الفلسطينية، بجبالِها ووديانِها وزيتونِها ومقدساتِها وإرثِها الحضاريِ الذي تتوارثُهُ الأجيالُ منذُ فجرِ التاريخِ وإلى اليوم، وسنبقى إلى أنْ يأتيَ أمرُ اللهِ ونحنُ كذلك.
اليوم، وكلَ يوم، نستذكرُ شهداءَنا الذينَ ارتَقوا دفاعاً عنْ أرضِنا وشعبِنا وقضيِتنا، طيلةَ مسيرةِ النضالِ التي لا زالتْ ماضية، فتحيةَ إكبارٍ وإجلالٍ لهم، وفي مقدمتِهم، الشهيدُ الرمزُ، القائدُ أبو عمار، ورفاقُه القادةُ الشهداءُ رحِمهمُ الله.
كذلكَ نذكرُ بالشكرِ والتقديرِ مواقفَ الدولِ، والهيئاتِ، والشعوبِ، وحركاتِ التحرر، والمؤسساتِ، التي ناصرتْ ولا زالتْ تناصرُ هذهِ الثورةَ المجيدة، وقضيةَ شعبِنا وحقوقَه، طيلةَ عقودِ نضالِه، المثقلةِ بجرائمِ الاحتلال، والماضيةِ رغمَ ذلكَ بعزيمةِ الصادقينَ نحو هدفِها المقدسِ لتحريرِ الأرضِ والإنسان.
لقد ارتكبَ الاحتلالُ أكثر من 50 مذبحة ضدَ شعبِنا في عام 1948، ودمرَ أكثرَ منْ 500 قريةٍ فلسطينية، ولا يزالُ يتصرفُ كقوةِ احتلالٍ استعماريٍ فاشي، ويمارسُ جرائمَ التطهيرِ العرقيِ والعنصري، وينتهكُ القانونَ الدوليَ والقانونَ الدوليَ الإنساني، بينما يستمرُ المجتمعُ الدوليُ في صمتِه أمامَ هذا السلوكِ الإجرامي، رغمَ صدورِ أكثرَ منْ ألفِ قرارٍ أمميٍ لصالحِ فلسطينَ وحقوقِها المشروعة، ما يشجعُ هذا الاحتلالَ على مواصلةِ جرائمهِ بحقِ شعبِنا وأرضِنا ومقدساتِنا، لأنَّ مَنْ أَمِنَ العقابَ أستمرَ في عدوانهِ، فمتى يمكنُ أنْ يتحركَ العالمُ لحمايةِ قراراتِهِ وتنفيذها؟!
إنَّ وَقْفَ هذا المدِ الاستعماريِ العنصري، إنما يكونُ بتطبيقِ القانونِ الدوليِ وقراراتِ الشرعيةِ الدولية، وضمانِ أنْ يحصلَ الشعبُ الفلسطينيُ على حقوقِه المشروعة، بإنهاءِ الاحتلالِ الإسرائيليِ لأرضِ دولةِ فلسطينَ بعاصمتِها القدسُ الشرقية، والاعترافِ بدولةِ فلسطينَ على حدودِ العام 1967، والقبولِ بانضمامِ دولةِ فلسطينَ عضواً كاملاً في الأممِ المتحدة، لأنَّ ذلكَ هو الطريقُ الوحيدُ لتحقيقِ السلامِ الشاملِ والعادل، وحمايةِ الأمنِ والاستقرارِ الإقليميِ والعالمي.
أخواتي وإخواني،
إنَّ مخططاتِ الحكومةِ الإسرائيليةِ المتطرفةِ والعنصرية، التي تَسْتعرُ لضمِ وابتلاعِ المزيدِ منْ أرضِنا الفلسطينية، ستفشلُ حتماً بثباتِنا على أرضِنا، وكما أسقطْنا صفقةَ القرن، سوفَ نُسقطُ مؤامراتِ هذا الاحتلالِ الاستعماري، بوحدتِنا، وبتمسكِنا بثوابتِنا الوطنية، وبمقاومتِنا الشعبيةِ السلمية.
وأقولُ ها هنا للمحتلينَ الغزاة: "ألم يتبين لكمْ طيلةَ كلِ هذهِ العقود، أنهُ كلما زادَ طغيا
نُكم، وكلما أمعنتمْ في قتلِ واضطهادِ واعتقالِ أبناءِ شعبِنا، ومهما مارستمْ منْ تنكيلٍ، ونهبٍ لأرضِنا وثرواتِنا الطبيعية، وقرصنةٍ لمصادرِ أموالِنا وخنقٍ لاقتصادِنا، وهدمٍ لبيوتِنا، واقتلاعٍ لأشجارِنا، واحتجازٍ لجثامينِ شهدائِنا الطاهرة، وحصارٍ لأهلِنا في قطاعِ غزة، ومحاولاتٍ لطمسِ هويةِ عاصمتِنا المقدسةِ "القدس"، واعتداءاتٍ على مقدساتِنا: المسجدِ الأقصى، وكنيسةِ القيامة، والحرمِ الإبراهيمي، وغيرِها، كلما أمعنتمْ في هذا الإرهابِ المنظم، كلما ازدادَ شعبُنا قوةً وعزيمةً وإصراراً في مواجهةِ عدوانِكمْ وإرهابِكم، وفي التمسكِ بأرضِه وحقوقِه الوطنيةِ المشروعة؟.
انتبهوا قبلَ فواتِ الأوان، واعلموا أنَّ عدوانَكمْ لنْ يحققَ لكمْ لا أمناً ولا سلاماً، وأنَّ السلامَ والأمنَ لهُ طريقٌ واحدٌ هو أنْ يحصلَ شعبُنا على حقوقِه، وأنْ يُجسدَ دولتَه الحرةَ المستقلةَ كاملةَ السيادةِ على أرضِه، بعاصمتِها الأبديةِ القدسِ الشرقية.
أيتها الأخوات .. أيها الأخوة
يا أبناءَ شعبِنا في الوطنِ والشتات
بينما نُحيْي ذكرى انطلاقِة ثورتِنا المباركة، يكونُ قدْ مرَّ خمسةٌ وسبعونَ سنةً على النكبة، التي ولأولِ مرةٍ سيجري إحياءُ ذكراها في الأممِ المتحدة، في الخامِس عشرَ منْ آيار 2023، في ردٍ أمميٍ هو الأقوى على الروايةِ الصهيونيةِ الزائفة، فلا حقيقةَ أصدقُ منْ روايةِ شعبِنا الفلسطينيِ الراسخِ في أرضِه المقدسةِ منذُ أكثرَ منْ خمسةِ ألاف عامٍ، وسوفَ نبقى متمسكينَ بحقوقِنا التاريخيةِ والقانونيةِ في أرضِنا ومقدساتِنا وممتلكاتِنا، التي اقتُلعنا منها بفعلِ الطغيانِ والإرهابِ الإسرائيلي، والذي يعملُ فوقَ ذلكَ على محاولةِ تزييفِ الحقائقِ لتسنى لهُ مصادرةُ المستقبلِ بالاتكاءِ على تزييفِ التاريخ.
لكنْ .. هيهاتَ هيهات، كلُ محاولاتِكمْ البائسةِ سوفَ نهزمُها بالحقيقةِ التي ننتمي إليها، فحقُنا في أرضِ فلسطينَ ومقدساتِها ثابت، لا يقبلُ التأويل، وشعبُنا الفلسطينيُ مستمرٌ في صناعةِ الحياةِ والحضارةِ على هذهِ الأرض، فخوراً بتراثِه وحضارتِه وثقافتِه وموروثهِ الإنسانيِ جيلاً بعدَ جيل، إلى يومِنا هذا، إلى الأبد.
أخواتي .. إخواني ..
أيها الفلسطينيونَ المؤمنونَ بحقِكمْ في أرضِكمْ ومقدساتِكم، المرابطونَ في مواجهةِ البغيِ والعدوان..
أَذكرُ بالتحيةِ ها هنا، أبناءكم منْ أبطالِ المقاومةِ الشعبيةِ السلميةِ، الذينَ يدافعونَ عنْ أنفسهِمْ وعائلاتهِمْ وأرضهِمْ وهُويتهِمْ ووطنهِم، أمامَ عدوانِ المحتلِ ومستوطنيهِ القتلةِ الإرهابيين.
وأَذكرُ بالتحيةِ والاعتزازِ أيضاً، أسرانا البواسل، الذينَ يُضحونَ بزهرةِ شبابِهم في معتقلاتِ الاحتلالِ الظالمة، ونجددُ جميعاً العهد أننا لنْ نتخلى عنهم، ولا عنْ جرحانا الأبطال، ولا عن عائلاتِ شهدائِنا الأطهارِ، لهم جميعاً كلُ التحيةِ والإكبارِ والتقدير.
أبناءَ شعبِنا العظيم، سنستمرُ بالعملِ يداً بيدِ لمواجهةِ الاحتلالِ وتطرفهِ وعدوانهِ، كما سنواصلُ في الوقتِ ذاتهِ بناءَ الوطن، وحمايةَ وحدةِ أرضهِ وشعبهِ، وسنعملُ كلَ ما يجبُ منْ أجلِ النهوضِ باقتصادِنا، وتمكينِ كلِ شرائحِ شعبِنا، وبالذاتِ المرأةُ والشباب، على قاعدةِ سيادةِ القانون، والشراكةِ بينَ جميعِ مكوناتِ مجتمعِنا الفلسطيني.
ورغم الحصارِ الماليِ والاعتداءاتِ اليوميةِ، فإنني أُحييّ صمودَكم وصبرَكم وشجاعتَكم في مواجهةِ هذه الاعتداءات.
أخواتي .. إخواني ..
أمامَ كلِ المخاطرِ والتحدياتِ التي تواجهُنا، أدعو الجميعَ لحوارٍ وطنيٍ فلسطينيٍ سياسيٍ شاملٍ في القريبِ العاجل، للعملِ والتصدي معاً، وتَحمُّلِ المسؤوليةِ معا،ً والسيرِ نحوَ تحقيقِ أهدافِنا معاً.
وفي الختام لا ننسى في هذهِ المناسبةِ الوطنيةِ الخالدة، أنْ نتوجَه بالتهنئةِ لجميعِ المحتفلينَ بأعيادِ الميلادِ المجيد، والعامِ الميلاديِ الجديد، في فلسطينَ والعالم، ونقولُ لهمْ كلُ عامٍ وأنتمْ بخير، وعاماً ميلادياً جديداً مِلْؤهُ الخيرُ والاستقرارُ والسلامُ لشعبِنا والشعوبِ كافة.
عاشت القدسُ عاصمةً أبديةً لدولتِنا الفلسطينية
والمجدُ والخلودُ لشهدائِنا الأبرار، والحريةُ لأسرانا الأبطال، والشفاءُ لجرحانا البواسل
عاشَ الوطنُ فلسطين،
وعاشت الثورةُ وذكرى انطلاقتِها الحيةُ الخالدة.