تباينت ردود الفعل الإسرائيلية حول تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة أول أمس السبت لصالح قرار يطلب من محكمة العدل الدولية تقديم رأي استشاري بشأن الطبيعة القانونية للاحتلال العسكري الإسرائيلي طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة ومسؤوليات الدول الأطراف الثالثة.
وعبرت التباينات الإسرائيلية عن الغضب والقلق من تآكل مكانة وسمعة دولة الاحتلال بشكل كبير، ومن تزايد الملاحقات القانونية والقضائية، وسعي الفلسطينيين لنزع الشرعية عنها أمام العالم، وخشية أن تجد دولة الاحتلال نفسها في وضع رهيب، ويحاول بعض المعلقين التذكير أن مشكلة جنوب أفريقيا بدأت بهذه الطريقة.
القرار جاء بعد يومين من تنصيب الحكومة اليمينية الفاشية، والاتفاقات الائتلافية التي وقعت بين أطراف اليمين العنصري الفاشي وتشريع جملة القوانين العنصرية التي تم تشريعها الائتلاف الحكومي قبل أداء الحكومة القسم.
وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، القرار بـ "الحقير"، وأنه لن يلزم دولة الاحتلال، وقال مندوب إسرائيل الدائم بالأمم المتحدة جلعاد إردان أن القرار المقيت وصمة عار للأمم المتحدة وأي دولة تدعمه، ولا يمكن لأي جهة دولية أن تقرر أن إسرائيل تحتل أرضها وأن وجودنا في القدس أو (يهودا والسامرة) للضفة الغربية غير قانوني. المحكمة التي حصلت على تفويض من هيئة مشوهة أخلاقيا مثل الأمم المتحدة ليس لها شرعية.
بينما عبر عدد من الخبراء القانونيين والدبلوماسيين عن قلقهم من القرار، حيث حذرت الجنرال بانينا شارفيت باروخ من معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي، (المحامية السابقة في القضاء العسكري، التي وضعت على قائمة مجرمي الحرب، ولم تستطع السفر للخارج، عقب رفع إجراءات محتملة ضدها بسبب دورها افي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2008، وارتكاب الجيش جرائم حرب فيها).
شارفيت قالت: أن الادعاء أننا ننتهك حق الفلسطينيين في الحق في تقرير المصير، وعندما نعزز المطالبة بالضم وطمس الحدود، فنحن نسير في مسار صعب فيما يتعلق بالحملة الدولية.
كما قالت السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى الأمم المتحدة، البروفيسورة غابرييلا شالف، إن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب رأي قانوني ضد إسرائيل من محكمة العدل الدولية في لاهاي يدل على أن هذا مؤشر سيئ تجاه مكانة إسرائيل في العالم وفي الأمم المتحدة وهي آخذة في التدهور، الأمم المتحدة مهووسة بإسرائيل.
وأضافت أن العالم يدرك ان إسرائيل دولة احتلال وتمارس الفصل العنصري، وكل دولة في العالم تعلم تماماً ان الاستيطان في الاراضي المحتلة غير شرعي.
دولة الاحتلال بذلت جهود كبيرة للتأثير على دول العالم وأجرى نتنياهو، خلال الأيام الماضية، محادثات مع قادة دول من العالم، وعدلت هذه الدول عن التصويت لصالح القرار.
وعلى الرغم من امتناع ومعارضة العديد من الدول الأوروبية، مثل السويد، فرنسا، فنلندا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، النرويج، إسبانيا، والمملكة المتحدة، التصويت لصالح القرار يعبر عن نفاق الدول الأوربية خاصة أنها عبرت عن قلقها من بعض الشركاء في حكومة نتنياهو اللذين تولوا مناصب وزارية مهمة. وعقد نتنياهو معهم اتفاقيات ائتلافية ومنح الأولوية لتغيير القوانين وتعميق الاستيطان، وتشريع المستوطنات غير القانونية، وفرض الفوقية والسيادة اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.
تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار مهم ويمثل خطوة نحو محاسبة إسرائيل عن سياساتها بفرض نظام فصل عنصري والاضطهاد والقمع المستمر للشعب الفلسطيني، خاصة أن القرار يتيح فرصة للنظر في الآثار القانونية المترتبة عن الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده لعقود.
من الواضح أن اتصالات المسؤولين الإسرائيليين نجحت في التأثير على عدد من دول العالم، ويظهر ذلك من أن القرار حصل على تأييد 87 صوتاً وعارضه 26 وامتنع 53 عن التصويت، وحسب الادعاء الإسرائيلي أن نتنياهو ورئيس دولة الاحتلال يتسحاق هرتسوغ، عمل على تحقيق إنجاز مهم، بعدما جرى إقناع 12 دولة غالبيتها دول افريقية، على تغيير مواقفها من التصويت في الجلسة، سيما بعدما كانت هناك غالبية مطلقة للفلسطينيين في قرار الأمم المتحدة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
في ضوء ذلك، والغضب الإسرائيلي في مواجهة حلم فلسطيني مؤجل وبرغم أهمية القرار، واعتباره انجاز، لكنه ليس انتصار، يجب الاعتراف أن هناك تراجع على المستوى الدولي، ومن الضروري اعادة النظر في السياسة والدبلوماسية الفلسطينية، ما يتطلب استنهاض الكل الفلسطيني ضمن عملية نضالية بوسائلها الكفاحية المختلفة وإعادة الاعتبار للدبلوماسية الفلسطينية ضمن رؤية نضالية غير مرتجفة، وعدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير والاستقلال.
ومواجهة الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على العديد من الدول للتصويت ضد القرار، والتشكيك في المحكمة وتقديم آراء ومواقف والقول ان الضفة الغربية والقدس اراض اسرائيلية، وان هناك نزاع واراء مختلفة في القانون الدولي.
ومع كل الحقائق والمعطيات، ستبدأ محكمة العدل الدولية العمل ودعوة الدول والمنظمات لتقديم آرائها إليها، وبعد ذلك ستعقد جلسة استماع علنية، لإصدار رأي قانوني، من المتوقع أن تستغرق العملية ما بين عام إلى عامين.
وكأن العالم غير مدرك أن إسرائيل دولة احتلال وشكلت نظام فصل عنصري استعماري استيطاني ويمارس الاضطهاد ضد الفلسطينيين.