بدأ العام الجديد برسائل من نار بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي، فبينما أعلن وزير الأمن الداخلي في حكومة بنيامين نتنياهو، عن نيته اقتحام الأقصى، يوم غدٍ الثلاثاء، طالباً من شرطة الاحتلال في مدينة القدس المحتلة، توفير الهدوء والأمن له، بادرت حماس إلى إرسال رسائل تحذيرية ذات طابع تهديدي عبر الوسيط المصري، مفادها أنَّ اقتحام بن غفير سيُنهي حالة الهدوء بين غزّة والاحتلال؛ لتصل صورايخها لمطار بن غوريون.
هل تُنفذ حماس تهديداتها؟
تهديدات حماس، ليست الأولي، بشأن اقتحامات الأقصى، فقد سبق أنّ هدّدت بانتهاء حالة الهدوء في رمضان الماضي في حال وصول ما يُسمى بمسيرة الأعلام "الإسرائيلية" إلى أبواب الأقصى والبلدة القديمة. لكِن حدث المحظور ومرت المسيرة كما خُطط لها دون ردود فعل على الأرض سوى التصريحات، الأمر الذي أوقع الحركة في حرج مع جمهورها والشارع الفلسطيني.
كما أنَّ اقتصار تهديدات حماس على الجانب الإعلامي- والذي اعتقد مراقبون أنَّ سببه هو سعي حركة حماس لإعادة بناء قوتها العسكرية بعد معركة سيف القدس- جعل إسرائيل تشعر وكأنها استعادت قوة ردعها على الأرض في القدس؛ خاصةً بعد معركة سيف القدس التي بادرت المقاومة في غزّة لضرب القدس وتل أبيب بسبب محاولات إقامة بوابات إلكترونية في باب العامود وتهجير سكان الشيخ جراح؛ الأمر الذي أصابها بالصدمة والفشل في آن واحد أمام جمهورها.
لكِن هل تتطور التهديدات بين حماس وإسرائيل هذه المرة إلى تصعيد عسكري؟ أم سيعمل نتنياهو على احتواء بن غفير خشية تدهور الوضع الأمني في القدس وهو الأمر الذي تحسب له حكومة الاحتلال ألف حساب، فالتصعيد في القدس ليس كما الضفة الغربية أو غزّة؛ لأنّها ببساطة مفتاح الحرب والسلام مع الفلسطينيين.
هل ستحتشد الجماهير على بوابات الأقصى والبلدة القديمة؟
بدوره، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي، أنَّ ردود الأفعال الفلسطينية فيما يتعلق بالمسجد الأقصى تنقسم إلى نوعين، النوع الأول ردود فعل داخل المسجد الأقصى نفسه من قبل المصلين والثاني في المحيط والثالث من قبل القيادات السياسية، لافتاً إلى أنَّ الاحتلال الإسرائيلي لا يُولي اهتماماً لردود فعل القيادات السياسية الفلسطينية.
وقال الهندي، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ التصريحات السياسية الفلسطينية ليست مزعجة لإسرائيل، بل المزعج بالنسبة لها هو إنّ كانت هذه الزيارة ستؤدي إلى التوتر داخل المسجد الأقصى من عدمه؟، وثانياً هل ستكون هناك مظاهرات في الضفة الغربية والقدس أم لا؟"، مُردفاً: "إذا كانت الإجابة نعم، فستأخذ إسرائيل احتياطاتها؛ لكِن إذا كانت الإجابة لا، فلن تكترث برد الفعل الفلسطيني".
وأضاف: "دولة الاحتلال عندما تنوي شخصية مركزية مثل "بن غفير" وهي مُحرضة على العنف ضد الفلسطينيين اقتحام الأقصى، تتخذ إجراءات في وقت مبكر لمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى أثناء الاقتحام".
وأشار إلى أنَّ التصريحات الفلسطينية بشأن الأقصى تأخذ السياق الوطني العام، مُبيّناً أنَّ كثرة التصريحات التي تصدر عن الفلسطينيين وتحديداً من حماس والجهاد الإسلامي والتي لا تأخذ طابع التنفيذ، تدفع إسرائيل للتفكير بعدم وجود ردود فعل.
واستدرك: "لكِن إذا كان هناك حشد لعناصر الجهاد وحماس والشعب الفلسطيني على بوابات القدس والبلدة القديمة، حينها ستختلف الحسابات لأنَّ إسرائيل لن تتعاطى كثيراً مع التصريحات حتى لو أخذت الشكل الجدي عبر الوسيط المصري الذي بالعادة هو أحد الأطراف الناقلة للرسائل بين حماس وإسرائيل".
الفلسطينيون خارج جدول أعمال حكومة نتنياهو
وبالحديث عن قدرة الفلسطينيين "قيادةً وشعب" على التعامل مع حكومة نتنياهو، أوضح عليان، أنَّ "جدول الحكومة الحالي لا يختلف عن سابقتها، لأنَّ الفلسطيينين ليسوا موجودين على جدول أعمالها، وكل ما موجود استمرار الوضع القائم في الضفة وغزة ".
وأضاف: "الوضع القائم هو قتل واستيطان وجمود سياسي مع عدم حل السلطة وعدم الذهاب لضم أراضي الضفة الغربية، أما في غزّة استمرار الوضع القائم بمعني إبقاء سيطرة حماس وإبقائها تبحث عن الماء والكهرباء للفلسطينيين هناك".
تغييرات تدريجية للوضع القائم في الأقصى
وعن إمكانية استجابة حكومة الاحتلال لتغيير الوضع القائم بالأقصى، في ضوء المطالب الـ11 التي قدمتها جماعات الهيكل للمفتش العام للشرطة الإسرائيلية، رأى الهندي، أنَّ "المطالب قديمة جداً وتبلورت على فترات بعد العام 2000 و2005".
وأردف: "مطالب جماعات الاستيطان مقدمة لكل الحكومات الإسرائيلية بدون استثناء. وإسرائيليا العائق الوحيد الذي يقف أمام تنفيذ المطالب " فتاوى دينية". لكن على الصعيد السياسي إسرائيل تعودت في تعاملها مع الفلسطينيين، على خلق المشاكل وجعل الأطراف الأخرى هي من تبحث عن الحل، أي استمرار اقتحام المسجد الأقصى بهذه الطريقة".
وأكمل: "معظم الانتفاضات في فلسطين مُنذ العام 1928إلى يومنا هذا مرتبطة بالمسجد الأقصى، وما يحدث اليوم وتُفكر به إسرائيل هو خلق أزمة داخل الأقصى تدفع الفلسطينيين والعرب للبحث عن حل يضمن وجود لليهود في الأقصى".
وختم الهندي حديثه، بالقول: "سيكون هناك تغيرات في الأقصى لكن بطيئة جداً لا يلمسها إلا الباحثين والمراقبين للوضع عن كثب، لكِن بكل الأحوال الشعب الفلسطيني لم يُعاني من بن غفير ، بل من رؤساء الحكومات السابقة لدولة الاحتلال سواء نتنياهو أو رابين أو لابيد أو بن غوريون"، مُعتقداً أنَّ وجودهم على رأس حكومات الاحتلال السابقة والحالية مُفيد للفلسطينيين؛ لأنّه يبرز الطبيعة العنصرية والفاشية لهذه الحكومات ضد الفلسطينيين. لكِن يبقى على الفلسطينيين استغلال هذا الأمر لصالحهم.