كان ذلك في ساعة متأخرة في الليل عندما سمع رفيق محمد غنام وشقيقاه في قرية جبع صوت ضجة خارج بيتهم.
سرعان ما تبين لهم أن قوة من الجيش الإسرائيلي دخلت مبنى مجاوراً لإجراء عملية اعتقال.
خرج رفيق إلى الخارج لمشاهدة ما يحدث. وكان محمد ينوي أن يلحق به. ولكن حتى قبل أن يقوم بذلك سمع جندياً يصرخ وبعد ذلك سمع إطلاق نار. اخترقت الرصاصة جسد رفيق الذي كان عمره 20 سنة.
في اليوم التالي نشر وصف للحادثة حسب رواية المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: "أثناء العملية قامت القوة بتطبيق إجراء اعتقال مشبوه تضمن إطلاق النار على المشبوه الذي هرب من داخل المبنى، وتم تشخيص إصابة للمشبوه".
رواية ملخصة ومقتضبة وتثير الكثير من الأسئلة. يصعب تفسير موت رفيق، وهو واحد من الـ 144 فلسطينياً الذين قتلوا في السنة الماضية بنار القوات الإسرائيلية في الضفة؛ العدد الأعلى من القتلى منذ العام 2004، حسب معطيات "بتسيلم".
معظم القتلى في الضفة كانوا مسلحين، قالوا في الجيش في محاولة لتفسير هذا العدد. ولكن تحقيق "هآرتس"، الذي يرتكز على تقارير الجيش في الوقت الحقيقي يظهر أنه فقط في 45 في المئة من الحالات كان هناك ادعاء محدد بأن القتلى كانوا مسلحين أو أن إطلاق النار القاتل حدث في وقت مواجهات كان فيها، ضمن أمور أخرى، إطلاق نار.
وعندما يدور الحديث عن الحالة الأخيرة فإنه ليس دائما يكون القتيل هو الذي هاجم.
رفيق غنام مثال على الحالة التي لم يتم فيها طرح هذا الادعاء. فقد كان ضحية لإجراء اعتقال مشبوه أو الطريقة التي تم فيها تطبيق هذا الإجراء في مساء 6 تموز في قرية جبع في جنوب جنين.
للوهلة الأولى يمكن أن يتضمن هذا الإجراء توجيه نداء من الجندي للشخص من أجل التوقف. بعد ذلك إطلاق النار في الهواء وفي النهاية إطلاق النار على الجزء السفلي للجسم. في الحالات التي يكون فيها مع الشخص المشبوه سلاح ويوجهه كي يصيب، يمكن إطلاق النار من أجل القتل.
لكن هناك مسافة بين التعليمات وبين الأفعال، على الأقل في كل ما يتعلق بأحداث تلك الليلة. لا أحد يقول إن رفيق غنام عرض حياة أحد للخطر. فعليا لم يكن الشاب الفلسطيني متهما بأي شيء. هذا ما أكده مصدر عسكري للصحيفة. كل ذنبه هو أنه لم يمتثل لنداء الجندي بالتوقف وهرب. تفاجأ رفيق كما يبدو، قال شقيقه. وحسب قوله فإن الجندي خرج من بين أشجار الزيتون القريبة.
في الجيش قالوا إن شك الجندي ثار إزاء هرب رفيق من المبنى الذي كان يوجد فيه مطلوب. ولكن حسب أقوال شقيقه فإن هذه الرواية أيضا غير صحيحة لأنه في تلك الليلة دخل الجيش إلى مبنى مجاور كان يوجد جدار فاصل بينه وبين بيته، ولم يكن في هذا المبنى أي مطلوب.
ليس فقط قرار إطلاق النار عليه يمكن أن يثير التساؤل، بل أيضا الطريقة التي تم فيها فعل ذلك. بعد أسبوعين على الحادثة أعادت إسرائيل الجثة للفلسطينيين.
وهذه الجثة تم أخذها إلى مستشفى خليل سليمان في جنين. حسب التقرير الطبي الذي أصدره المستشفى وجد جرح رصاصة في الكتف اليسرى وثقب لخروجها في الصدر. بكلمات أخرى، في الجزء العلوي للجسم. رداً على طلب من "هآرتس" قال المتحدث بلسان الجيش إنه في أعقاب موت غنام تم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية، انتهى في هذه الأثناء ونتائجه تم نقلها لفحصها من قبل النيابة العسكرية.
تحقيق الشرطة العسكرية بحد ذاته، وهذا ما يعرفه كل من له علاقة بالأمر، لا يضمن إصدار لائحة اتهام ضد الجنود. حسب البيانات التي نشرتها مؤخراً منظمة "يوجد حكم" فإنه في الأعوام 2017 – 2021 فقط 0.7 في المئة من الشكاوى المتعلقة بقتل الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي في الضفة وفي قطاع غزة انتهت بلائحة اتهام. في كل ما يتعلق بالعام 2022 فإن البيانات التي أعطاها الجيش للصحيفة تكشف أنه في هذه السنة تم فتح 33 تحقيقاً في الشرطة العسكرية في أعقاب قتل فلسطينيين، 12 منها انتهت وهي توجد في مرحلة فحص النيابة العامة. حالة واحدة انتهت بالتوصية بتقديم لائحة اتهام، ضد جنود "نيتسح يهودا" الذين احتجزوا عمر عبد المجيد أسعد (80 سنة)، الذي تم تكبيله وتوفي بعد فترة قصيرة بنوبة قلبية.
إضافة إلى ذلك، 42 حالة وفاة ما زالت في مرحلة الفحص المبكر، ولم يتقرر بعد هل سيكون فتح تحقيق حولها. الحالات الـ 69 المتبقية لم يتم التحقيق فيها.
واحد من بين كل خمسة
الـ 144 قتيلاً فلسطينياً هم من جميع الأنواع، فلسطينيون نفذوا عمليات أو حاولوا ذلك، مسلحون اشتبكوا مع الجيش، أشخاص رشقوا الحجارة وأيضا مارة من جميع الأعمار (حتى طفل عمره 12 سنة)، حسب تعبير الجيش "أشخاص غير متورطين".
مثل هؤلاء هناك كثيرون. حسب مصدر رفيع في الجيش فإن نسبة هؤلاء أو من أطلقت النار عليهم بـ "أخطاء مهنية" 15 – 20 في المئة؛ واحد من بين كل خمسة أو ستة أشخاص.
دون الدخول إلى تقسيم فإنهم في الجيش ينسبون ارتفاع عدد القتلى لوجود الكثير من السلاح وازدياد استخدامه ضد الجيش أثناء الاقتحامات، التي ازدادت منذ عملية "كاسر الأمواج" في آذار الماضي.
حسب بيانات الجيش فإنه في السنة الماضية كانت هناك 130 حالة إطلاق نار على الجنود أثناء دخول القوات إلى القرى الفلسطينية، مقابل 25 حالة في 2021.
البؤر الرئيسة هي نابلس وجنين، المدينتان اللتان يعمل فيهما الجيش بدرجة أكبر.
في الجيش قالوا إنه حدث ارتفاع في إطلاق النار على الجنود والمستوطنين على الشوارع، أو على المستوطنات نفسها. "كمية السلاح الموجودة في الشارع هي كمية كبيرة جداً"، قال ضابط كبير في الجيش للصحيفة. "يأتي هذا السلاح من الأردن، ومن عائلات الجريمة في إسرائيل".
كل ذلك هو تفسير جزئي فقط للعدد المرتفع للقتلى في هذه السنة، وهو رقم قياسي منذ انتهاء الانتفاضة الثانية.
في السنة الماضية أصبح إطلاق النار من قبل الجنود على فلسطينيين كانوا يحاولون اجتياز الجدار متواتراً، سواء بسبب التواجد الكثيف للجنود على خط التماس أو بسبب التسهيلات في سياسة أوامر فتح النار: في السنة الماضية تم التوضيح للجنود أنه مسموح لهم إطلاق النار على الجزء السفلي لجسم الفلسطينيين الذين يحاولون التخريب في الجدار.
إضافة إلى ذلك في بداية كانون الأول 2021 أصبح من المسموح للجنود إطلاق النار على الفلسطينيين حتى أثناء الهرب، إذا سبق أن رشقوا الحجارة أو القوا الزجاجات الحارقة.
إضافة إلى ذلك دعم الجمهور والدعم العسكري الداخلي لإطلاق النار على الفلسطينيين هو في ازدياد.
يبدو أن كل هذه الأمور تقف من وراء السهولة التي يتم فيها قتل الفلسطينيين دون أن يعرضوا حياة أي أحد للخطر.
على سبيل المثال، عمار أبو عفيفة، الفلسطيني ابن 19 سنة، أطلقت عليه النار وتوفي في بداية آذار أثناء التنزه مع صديقه في حرش مجاور لمكان سكنه في مخيم العروب للاجئين.
بعد أن نادى عليه الجندي بدأ الاثنان بالهرب وأطلقت النار على قدم أبو عفيفة ورأسه. في المساء نفسه قالوا في الجيش إنه لم يعرض حياة أي أحد من الجنود للخطر. بعد ذلك تم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية.
حادثة أخرى حدثت في نيسان. في حينه غادة سباتين، وهي أم لستة أولاد وعمرها 45 سنة، أطلقت عليها النار على يد جندي، حسب ادعاء الجيش، بعد أن اقتربت بصورة مشبوهة من قوة للجيش الإسرائيلي.
كانت هناك أيضاً قصة حسين قواريق وهو من سكان قرية عورتا وعمره 60 سنة، الذي كان يعاني من مشكلات نفسية. في آب أطلقت النار على بطنه وقتل.
شاهد عيان تحدث مع "هآرتس" بعد الحادثة قال إن الجندي صرخ عليه، وبعد ذلك أطلق النار عليه ثلاث مرات.
في الحالتين قالوا في الجيش إن إطلاق النار يتناسب مع تعليمات الجيش لإجراء اعتقال مشبوه وإطلاق النار على الجزء السفلي للجسم. على أي حال النتيجة كانت قاتلة. في حالة قواريق تم فتح تحقيق في الشرطة العسكرية وفحصت نتائجه في النيابة العامة. ثمانية أشهر مرت على قتل سباتين، لكن هذه الحادثة ما زالت قيد الفحص الأولي.
بيان مقتضب
كل صباح يرسل المتحدث بلسان الجيش تحديثاً عن نشاطات الجيش في القرى الفلسطينية في إطار عملية "كاسر الأمواج".
على الأغلب في الحالات التي يقتل فيها فلسطينيون يتطرق الجيش بصورة موجزة للحادثة.
في جزء منها، رواية الجيش، ينسب للقتيل عمل معين مثل رشق الحجارة أو إلقاء الزجاجات الحارقة أو إطلاق النار.
في حالات أخرى تصف رواية الجيش الظروف العامة في الساحة التي نفذ فيها إطلاق النار.
أكثر من مرة كانت هناك فجوات كبيرة بين الوصف وبين ما حدث بالفعل.
هذا ما حدث في يوم السبت 22 تشرين الأول. في البيان الروتيني شرح الجيش سبب أن الشخص الذي كان يجلس في المقعد الخلفي في سيارة مسافرة أطلقت عليه النار وقتلته.
في هذه الحادثة تم الشرح بأنه في هذه السيارة كان يسافر أشخاص يمكثون بصورة غير قانونية، وبعد وصولهم إلى الحاجز حاول السائق الهرب. "عملت قوة للجيش الإسرائيلي على توقيف السيارة الهاربة"، كتب. "أثناء هرب المشبوهين أصابت السيارة جنديا من الجيش وأطلقت القوة النار عليها. لم يكن الجندي بحاجة إلى العلاج".
الشهود على الحادثة كانت لهم رواية مختلفة قليلاً. "شاهدت السيارة وهي تنعطف في محاولة للهرب إلى قلقيلية. اقترب أحد الجنود على الحاجز من السيارة وصرخ على السائق وطلب منه التوقف"، قال أحد الشهود للصحيفة، وهو عامل فلسطيني شهد على تسلسل الأحداث. حسب قوله، في هذه المرحلة توقفت السيارة، لكن بعد أن توجه الجندي نحو سيارات أخرى ضغط السائق على دواسة البنزين. بدأت السيارة في الهروب ثانية. حسب قول العامل، في هذه المرحلة صوب الجندي السلاح على النافذة وأطلق رصاصتين. لم يكن هناك في أي مرحلة، كما أوضح الشاهد، محاولة لدهس جندي.
القتيل كان رابي عرفة، وهو عامل بناء عمره 32 سنة، كان يعمل في رعنانا وكان يتوقع أن يتزوج بعد أسبوع. تقرير طبي لمستشفى درويش نزال في قلقيلية شخص أن الرصاصة أصابت رأسه، المدخل كان وراء الأذن والمخرج كان في الجزء الخلفي للرأس.
بشكل عام تعليمات الجيش فيما يتعلق بإطلاق النار على سيارة مسافرة هي على الأقل رسمياً، متشددة، هناك منع لإطلاق النار على سيارة مسافرة، أو حتى على الإطارات، فقط إذا كان الأمر يتعلق بعملية دهس أو تم تشخيص سلاح في السيارة.
حتى إذا قبلنا رواية الجيش بالكامل عن تسلسل الأحداث في هذه الحادثة فإن هذه الشروط لا تنطبق على هذه الحالة.
والد القتيل عرفة رابي قال إنه تم استدعاؤه للشرطة العسكرية من أجل الإدلاء بشهادته. جلس هناك ساعتين أمام المحقق وتحدث عن تاريخ ابنه. من إعطاء الشهادة خرج بشعور أن لا شيء سيحدث. في هذه الأثناء لم ينتهِ بعد التحقيق. "أشعر بأن كل هذا كلام فارغ. لا أعتقد أنهم سيوجهون أي اتهام لهذا الجندي"، قال باللغة العبرية. "الإسرائيليون يضعون في نوبة الحراسة الجنود الذين يحبون قتل الناس. هو قتل بدم بارد".
عن "هآرتس"