عشرات الآلاف من الشباب الفلسطيني غادروا غزّة دون التفكير بالعودة لها بحثاً عن أمل لم يجدوه على أرضها، فمنهم من استطاع أنّ يصل إلى وجهته بعد معاناة شديدة، واستطاع العمل والاستقرار في أوروبا التي لطالما حلم أن يصل إليها، ومنهم ما زال يُعاني في مخيمات اللجوء منتظراً أنّ يستقر حاله وأنّ ترضى عنه الدولة المُضيفة ويستطيع أنّ ينتقل من مخيماتها إلى المدينة ليعمل ويستقر، أما البعض الآخر فلم يستطع أنّ يغادر تركيا التي اتخذها الآلاف من الشباب للانتقال إلى أوروبا عن طريق نهر "ايفروس" أو بحر "ايجه"، وهؤلاء الشباب استطاعوا أنّ يحصلوا على عمل بالكاد يكفيهم ويُعينهم على مصاريف الحياة اليومية المرتفعة في تلك البلد.
وما يثير الحزن والغضب في آن واحد هو سلوك دخيل لم يتوقع أحد أنّ يسلكه شبابنا في الغربة، وهم الذي هربوا من الظلم والجور والقلة والحاجة للحياة الكريمة، حيث تشكلت منهم عصابات مكونة من مجموعة من الشباب الذين اتجهوا لطريق المخدرات والدعارة والبلطجة، والضرب والتخويف وسحب الجوازات من أقرانهم وأبناء بلدهم، فتلك ممارسات انتهجها بعض من شباب قطاع غزّة في الغربة، وبالتحديد في تركيا واليونان، حيث تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة عشر والـ30 عاماً، ويستغل بعض الأفراد حاجة هؤلاء الشباب للعمل أو النقود، ويتم إغرائهم بسلوك طريق الانحراف، بل يُجبرونهم على بيع المخدرات بعد استدراجهم للتعاطي، ليصبحوا عبيداً لهذا السم القاتل القادر على تدمير صحتهم ومستقبلهم.
وقد تناولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي قبل ذلك فيديوهات مُسربة لشباب يُرهبون آخرين ويضربونهم بالعصى ويقومون بتقييدهم وشتمهم بأقذر العبارات والألفاظ، وقد لاقت تلك الفيديوهات استهجاناً وغضباً واسعاً في أوساط الشارع الغزّي، سيما أنّ تلك الأفعال غريبة على مجتمعنا الفلسطيني المحافظ وصاحب النخوة والشجاعة والبطولة ضد الظلم، فكيف يقوم هؤلاء الشباب بتلك الأفعال.
مراسلة وكالة "خبر" تواصلت مع بعض الشباب المتواجد في تركيا، والذي فضل عدم الكشف عن هويته لوسائل الإعلام، وذلك خوفاً على حياته من بعض عصابات المافيا الموجودة في تلك البلد، حيث قال م.م: "أنا موجود في تركيا منذ نحو أربع سنوات، ولم أفكر لحظة أنّ أبقى طوال هذه المدة فيها، فكنت أحلم أنّ تكون محطة قصيرة بعدها أنطلق إلى أوروبا، لكِن لأنني لم أكن أحمل مالاً كثيراً في سفري، تفاجأت بأنّ المهربين الذين سيقوموا بنقلي إلى اليونان يُريدون مبلغاً كبيراً من المال، فكان لابد لي من العمل باستمرار كي أستطيع جمع المبلغ المطلوب، وتعرفت على شباب من مختلف الجنسيات، وصاحبت بعضهم وابتعدت عن آخرين حينما رأيتهم يُسيئون لسمعة بلدهم في تجارة المخدرات وبعض عمليات البلطجة وضرب المهاجرين وسرقة جوازات سفرهم ومن ثم إرغامهم على العمل معهم في المخدرات، أستطيع أنّ أقول إنني نجوت من بين أيديهم بأعجوبة".
وتابع: "أنا أعمل الآن في مصنع للخياطة التي هي مهنتي الأساسية بغزّة، وأتقنت اللغة، وصاحب المصنع يُحبني كثيراً لأمانتي وإنجازي في العمل، وصراحة أنا لم أغادر تركيا حتى اللحظة بسبب هذه الميزة، فكثيرٌ من الشباب ملقى على الطرقات لا عمل ولا مأوى له هنا، حتى إن بعضهم يلجؤون لي لمساعدتهم في الغربة ولا أتوانى لحظة عن مد يد العون لهم".
وبالحديث عما إذا تعرض لتلك العصابات قبل ذلك، قال: "بالفعل حين وطأت قدماي الأراضي التركية، مثلما ذكرت قبل ذلك لم يكن بحوزتي مالاً بالكاد يسد احتياجي من الطعام والمأوى لأيام، وتعرفت على مجموعة من شباب قطاع غزّة وأخذوني في مسكنهم الذي يقطنون فيه وهناك رأيت العجب، لقد رأيت شباباً من غزّة في مقتبل العمر يتعاطون المخدرات، وبعضهم موجود وقد سُحب جواز سفره من نفس الشباب الذين استضافوني، سمعتهم يُهينوهم ويعتدون عليهم بالضرب، وطوال الوقت يتكلمون بألفاظ بذيئة، ويسبون الذات الإلهية والعياذ بالله، فخفت كثيراً وفي ذات الليلة أعطيتهم الأمان من ناحيتي وبمساعدة شاب هناك لم يرد لي الشر، ولن أنسى له هذا المعروف، حيث ساعدني بالهروب ونمت بالشوارع لأيام وأنا أبحث عن عمل حتى وفقني الله بالعمل ببعض الأماكن مثل المطاعم بأجر يومي حتى استقر الحال بي في مصنع الخياطة الذي أعمل به الآن".
وقد وجّه الشاب "م.م" رسالة عبر وكالة "خبر"، لكل شاب يُريد أنّ يغترب عن أرضه وأهله، بأنّ "يكون حريصاً ولا يُؤمن لأيّ شخص في الغربة، ولا ينجَّر لمثل هذه الأفعال الخارجة عن مبادئنا، بالإضافة إلى ضرورة أنّ يكون مع الشاب الذي يُريد الهجرة مبلغاً من المال لكي يستطيع ترتيب أموره في البداية، لا أنّ يسلك طريق الشباب الذين يقولون أعطوني جواز السفر والفيزا واتركوني أتدبر أمري، لأنَّ بلاد الغربة بالوحش الذي يبتلع الضعيف".
أما عن الأسباب التي تدفع الشباب للانحراف لطريق المخدرات والعصابات، قال علاء العراقي، وهو المسؤول عن صفحة خلية الإنقاذ والمتابعة -صفحة متخصصة بمتابعة أمور المهاجرين-: "إنّه يتم استغلال الشباب صغيري السن لممارسة اعتداءاتهم على أشخاص آخرين ويتم ذلك بالأساس من خلال إغرائهم بوجود أماكن سكن وعمل وطعام ثم يتم استغلالهم من أجل بيع المخدرات، وبعد ذلك يبتزونهم ويضربونهم ويرهبونهم لكي يرضخوا لهم".
وعن مصير هؤلاء الشباب، أكّد العراقي، في حديثه لمراسلة وكالة "خبر"، على أنَّ بعض هؤلاء الشباب تم اعتقالهم من قبل الأمن التركي وبعضهم هرب لليونان على وجه الخصوص لأنّها بؤرة الفساد لمثل هذه الأعمال الخارجة عن القانون والإنسانية.
ولفت إلى أنّه وصل الحال بتلك العصابات والشباب، لقتل الآخرين وليس فقط تعاطي المخدرات والاتجار بها وابتزاز السيدات والرجال.
وتقوم تلك العصابات بالتواصل مع السيدات اللواتي يودن التهريب ويطلبون منهن إرسال بعض المستندات وإيهامهن بأنّه بمقدورهم مساعدتهن بطرق مضمونة وآمنة، لكِنهن يفاجأن بسرقة صورهن عبر هواتفهم الخاصة، وتبدأ تلك العصابات بابتزازهن إما بنشر تلك الصور أو دفع المبالغ التي يحددونها، فتضطر بعض السيدات للانصياع لعملية الابتزاز.
وأشار العراقي، إلى أنّ مَن يتعرضون للاستغلال من قبل الشباب أنفسهم والذين أُجبروا على الانضمام لتلك العصابات، لا يجرأوا على تقديم الشكوى ضد من يقوموا بتشغيلهم خوفاً على أنفسهم من أنّ يتعرضوا للقتل والفقدان، فيضطروا للبقاء في تلك العصابات مُكرهين.
تنويه: مثلما يوجد مجموعة من الشباب أساؤوا لأهلهم وبلدهم، فهناك الكثير استطاعوا أنّ يصلوا ويوصلوا رسالة للعالم أنّهم قادرين على الإبداع والنجاح والعيش بكرامة، وأمثال ذلك شباب استطاعوا فتح مطاعم ومشاريع خاصة بهم، وأصبح لديهم زبائنهم الخاصين من تلك البلاد.