مرحلة هي الأخطر تعيشها القضية الفلسطينية عقب تشكيل حكومة إسرائيلية من اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، وهي الحكومة الأشد تطرفا في تاريخ كافة الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1948، ما ينذر بموجة تصعيد وصدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سواء على خطوط التماس في الضفة الغربية أو داخل القدس المحتلة خلال الفترة المقبلة، وهو ما يبدد أي فرصة لتفعيل عملية السلام للتوصل لحل للصراع المستمر منذ عقود.
المشكلة الحقيقية التي تواجه القضية الفلسطينية تكمن في عدم إيمان حكومة نتنياهو بمبدأ حل الدولتين والذي يعد أحد أبرز العوامل الرئيسية لحل الصراع في الأراضي المحتلة، فضلا عن وضع نتنياهو ووزراء حكومته المتطرفين لاستراتيجية تعتمد قضم المزيد من الأراضي وشرعنة المستوطنات في الضفة الغربية، والأخطر تحركات لتفعيل عقوبة الإعدام ضد المقاومين الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
سيواجه الشعب الفلسطيني في مدن الضفة الغربية واقع جديد يكمن في عدم خضوع المستوطنين المتطرفين للحكم العسكري بل سيتحولون إلى ذراع عسكرية لوزارة الدفاع بجيش الاحتلال، وستمارس سلوك الميليشيات المسلحة التي ستستهدف الوجود الفلسطيني بشكل عام في الشوارع، وهو ما يهدد بصدام قوي يدفع نحو موجة غضب شعبي يمكن أن تتطور إلى انتفاضة ثالثة.
هناك عددا من الملفات الهامة التي تتخوف الدول العربية وبعض الدول الغربية من عدم التزام الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو بها وهي عدم الالتزام بالتهدئة الحالية في قطاع غزة وتجاوز الخطوط الحمراء، ومحاولة الضغط على الفصائل اقتصاديا وعسكريا من أجل إرغامها على القبول بشروط إسرائيل لإبرام صفقة لتبادل الأسرى.
"بيت القصيد" يكمن في الواقع الحالي بمدينة القدس المحتلة وأي تحرك غير مسؤول سيكون بمثابة "الشرارة" التي ستندلع حال إقدام حكومة نتنياهو أو أيا من وزراءه لتغيير الوضع القانوني في مدينة القدس المحتلة وفرض واقع سياسي جديد، وأي محاولات للقيام باستفزازات جديدة في المقدسات الدينية والمسيحية بمدينة القدس المحتلة.
أول محاولة استفزازية من المستوطنين المتطرفين الذين يدعمون وزير الأمن الداخلي ايتمار بن غفير تمت بتوجههم رفقة الأخير إلى المسجد الأقصى المبارك لاقتحامه، وذلك في أول نشاط له بعد اختياره وزيرا في حكومة نتنياهو وهو الاقتحام الذي يحمل رسائل خشنة من المستوطنين إلى الجانب الفلسطيني، وهذا التحرك الأهوج يمكن أن يدفع نحو غضب شعبي عارم يصعب على أيا من الأطراف الإقليمية والدولية احتوائه.
طلب جديد تقدم به عددا من المتطرفين إلى السلطات الإسرائيلية للسماح لهم بـ"ذبح القرابين" داخل ساحات المسجد الأقصى في شهر أبريل المقبل هي تحرك استفزازي سيكون له تداعيات وخيمة داخل مدينة القدس وكذلك المحافظات والمدن الفلسطينية، وهو ما يتطلب ضغطا دوليا مضاعفا على الجانب الإسرائيلي للتشديد على ضرورة عدم تجاوز الخطوط الحمراء في مدينة القدس.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو تحتاج إلى تطوير آليات العمل العربي المشترك لمواجهة الجرائم التي يقودها الاحتلال ويجب الانتقال من مربع الإدانة والاستنكار إلى أدوات أكثر خشونة تتمثل في سلاح "المقاطعة"، والترويج لحملات مقاطعة للمنتجات الإسرائيلية في الدول العربية والضغط على الاتحاد الأوروبي لحظر استيراد السلع التي تنتجها المستوطنات الإسرائيلية كأحد أدوات الضغط على حكومة "نتنياهو" للتفكير ألف مرة قبل اتخاذ أي خطوات استفزازية في القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية.
الفلسطينيون عليهم دور كبير جدا خلال الفترة المقبلة بالتوافق على استراتيجية وطنية موحدة وتفعيل الاتفاق الموقعة في مصر وعدد من الدول العربية لإنهاء الانقسام والشروع في توحيد الصف الفلسطيني، وذلك لتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية كي تكون قادرة على الصمود والمواجهة أمام عربدة الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه الذين يعيثون فسادا في الأراضي المحتلة.