الحر كريم يونس يعيد تشكيل خارطة الوعي الفلسطيني

حجم الخط

بقلم جبريل عوده

 

 

 أربعون عاما في سجون الإحتلال الصهيوني , والتهمة عشق فلسطين والإنتماء لقضيتها الوطنية ,وحمل السلاح للدفاع عن طُهر مقدساتها , كريم يونس فضل يونس الفلسطيني المتجذر في أرضه الذي هزم الأسرله وقاوم كل مخططات الإحتلال البغيض , أصر على التمسك بالرواية الفلسطينية الخالدة في زمن إرتضى البعض أن يتبرم بالعبرية تماشياً من سطوة الإحتلال أو نزولا عند إغراءات لصوص الأرض , كريم يونس حمل البندقية وحمل معها قضية شعب ووطن, آمن بأن فلسطين لا تقبل القسمة مع الغزاة, وأن طريق خلاصها بالمقاومة والرفض الثوري لوجود الطارئين على أرض الأجداد, آمن بكل أبجديات الوطن الموحد والشعب الواحد , أيقن بأن مسار العودة من مخيمات اللجوء لا يمر إلا عبر فوهة بنادق الثوار, الذين يمهدون الطرقات للعبور المقدس نحو الوطن بعد التيه الجبري في مخيمات اللجوء والشتات , آمن بأن " إسرائيل " وهم سيزول ويتبدد , وأن الكيان المصطنع لن يكون له قرارا أبديا على أرض فلسطين , وكما جاء الأغراب من وراء البحار تحملهم ذوات الشراع , سيهربون كذلك أن بقي هناك مساحة من وقت لهذا الفرار.
بتاريخ السادس من يناير 1983م , وقع البطل الحر كريم يونس شامخاً في أسر الإحتلال الصهيوني بعد إتهامه بتنفيذ عملية بطولية أسفرت عن مقتل جنود صهاينة , ليصدر بحقه من المحاكم الصهيونية حكم بالإعدام , وتم إستبداله فيما بعد بحكم المؤبد المفتوح ليتراجع الإحتلال عام 2015 م ويحدد المؤبد بـ (40 عاما) , لتبدأ مرحلة نضالية جديدة في حياة الحر كريم يونس , خاض خلالها معارك الأمعاء الخاوية , ومواجهة تعسف وظلم إدارة السجون الصهيونية , وشكل صمام آمان مع إخوانه الأسرى ضد مخططات التفرقة والتمييز بين الأسرى , وأبقى الحضور الأقوى للقضية الوطنية داخل قلاع الأسر , ورغم ما تعرض له من تضييق وأذى وحرمان من الزيارات , والحرمان الأكبر كان في حرمانه من المشاركة في جنازة والده في السادس من يناير العام 2007م, وأصر العدو الصهيوني على حرمانه واستثنائه من كافة صفقات التبادل , والحزن الأكبر الذي خيم على قلب الحر كريم , كان يوم وفاة والدته الحاجة صبحية يونس التي إنتظرته لأكثر من تسعة وثلاثين عاما وأربعة شهور من أجل أن تحتضنه وتعيش معه وهو حرا من قيود الأسرى إلا أنها توفيت قبل هذا الأمل لها ولكريم ويتجدد حرمان العدو الصهيوني للحر كريم من المشاركة في جنازة والدته.
وبقيت عزيمة الحر كريم يونس قوية وصلبة رغم القمع الوحشي والحرب النفسية الضروس , فأسس الحر كريم يونس مع إخوانه من داخل السجون قلعة شامخة يتحصن بها الأسرى أمام الهجمات الخبيثة والتدميرية لإدارة السجون الصهيونية, التي كانت تسعى إلى قتل الروح المعنوية ومحاولة طمس الإنتماء الوطني للأسرى البواسل , حيث واصل الحر كريم يونس مسيرته التعليمية ليحصل على الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من داخل السجون الصهيونية , ويستكمل الحر كريم يونس نضاله الأسطوري من داخل الأسر مدافعاً عن حقوق الأسرى في وجه إجراءات السجان الصهيوني , مؤكداً على وحدة الأسرى كأبناء شعب واحد وقضية وطنية واحدة , تجمع الأسرى تحت مضلة فلسطينية جامعة لكل الأسرى , فكان جبلاً شامخاً ومعلماً نابغاً بين الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون العدو الصهيوني.
ليشهد فجر الخامس من يناير 2023 م ,خروج الحر كريم يونس من الأسر شامخاً معتزا بالهوية الوطنية التي ناضل وضحى من أجلها هذه السنين الطويلة , ليعيد لنا كريم يونس من جديد تشكيل خارطة الوعي الفلسطيني , القائمة على حدودها المقدسة وخطوطها الحمراء , فالوطن واحد من رفح إلى الناقورة, ترابه الوطني مقدس لا تفريط في حبة رمل منه, والشعب الفلسطيني موحد ذو هوية وطنية واحدة, وجذور متينة تضرب في أعماق الأرض كما الزيتون الشامخ في الجليل النقب المثلث الضفة القدس وغزة, وخطوطه الحمراء لن نرضخ لمشاريع الأسرله الخائبة, ولن نمرر مخططات التهويد الآثمة في قدس الأقداس , سنقاوم كل هذا العدوان, ولن يكون لــ " إسرائيل" إلا الهزيمة.
خرج كريم يونس حراً من سجون العدو الصهيوني وبقيت هناك نفوسا تتوق إلى الحرية , خاضت عقود من سني عمرها في معركة الأسر الرهيبة , فمع الفرح الكبير للحر كريم لا ننسى الأسرى ماهر يونس وضياء الأغا و نائل البرغوثي وهو الذي قضى في سجون الأسر أكثر من (43)عاما , هؤلاء وغيرهم بحاجة إلى وقفة جادة من قوى المقاومة كافة من أجل السعي للإفراج عنهم بالقوة , ورغم أنف السجان الصهيوني عبر صفقات تبادل مشرفة تشكل إنتصاراً للأسرى وقضيتهم العادلة .