اسرائيل: صفعتان قويتان في يوم واحد

145
حجم الخط

كان يوم أول من أمس صعباً كثيراً على الحكومة الإسرائيلية بعد صدور انتقادات شديدة اللهجة للسياسة الإسرائيلية من قبل جهتين مهمتين لإسرائيل وهما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالسفير الأميركي لدى إسرائيل دان شابيرو قال في اليوم السنوي لمؤسسة دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إن "على إسرائيل أن تتوقف عن عمليات البناء في المستوطنات لأن الأمر أدى الى تجميد العملية السياسية وازدياد الإرهاب" وأكد على قلق الإدارة الأميركية وحيرتها تجاه سياسة الاستيطان التي تنتهجها إسرائيل والتي تطرح علامة استفهام كبيرة أمام نوايا الإسرائيليين إزاء حل الدولتين. كما وجه انتقاداً لاذعاً لتساهل إسرائيل في موضوع الإرهاب اليهودي، وقال "يخيل لي أن إسرائيل تتعامل بمعيارين لتطبيق القانون في الضفة الغربية – واحد للإسرائيليين وواحد للفلسطينيين".

وأشار بشكل واضح لملف حرق عائلة دوابشة. أما الاتحاد الأوروبي فقد صادق على قرار "يلتزم بضمان عدم سريان الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بشكل قاطع وواضح على المناطق التي احتلتها عام 1967"، وتحدث القرار عن أن "المستوطنات هي غير قانونية حسب القانون الدولي وهي تمثل عائقاً أمام السلام وتحول حل الدولتين الى حل غير ممكن".

وعاد الاتحاد الأوروبي وكرر معارضته الشديدة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية والأعمال التي تقوم بها اسرائيل بما يخص الاستيطان وبناء الجدار الفاصل خارج الخط الأخضر وهدم المباني بما فيها تلك التي بنتها أوروبا. هذان الموقفان يشكلان صفعتين قويتين لسياسة بنيامين نتنياهو الذي لم يعد بإمكانه ابتلاع الانتقاد الدولي المتعاظم، ولم يعد بمقدوره منع توجيه اللوم للإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي الذي اتهمته إسرائيل بالكيل بمكيالين وأنه لا يصلح لوسيط نزيه في الصراع، أن يتلافى العزلة الدولية الآخذة في الاتساع والقوة، وهو يفشل في إقناع أحد أنه يمتلك حلاً لأي شيء، حتى للوضع القائم الناشئ كما يقول الأميركان عن سياسة الاستيطان والجمود في العملية السياسية.

والإعدامات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية للشبان الفلسطينيين بدم بارد ودون تشكيل خطر حقيقي على الإسرائيليين بحيث يضطرون لتصفية المهاجم، خصوصاً وأن هؤلاء الشباب في أفضل الأحوال يحملون سكيناً وبعضهم يعدم على شبهة النية لتنفيذ هجوم، لن تساعد إسرائيل سوى في مضاعفة الهجمات ضدها وفي تصعيد المواجهة.

إسرائيل الآن في موقف لا تحسد عليه من حيث انكشاف سياستها الاحتلالية العدوانية، ولكن يبقى السؤال كيف يمكن مفاقمة المأزق الإسرائيلي وفرض مزيد من العزلة عليها، وتحقيق إنجازات سياسية ملموسة تحدث اختراقا حقيقيا في عملية إنهاء الاحتلال وتحقيق التسوية السياسية؟ هنا قضايا يجب أن تبحث بعمق لدينا لنتمكن من بناء وتطوير سياسة ناجعة لمقاومة الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال، وأول هذه القضايا هل من المجدي والمنطقي الاستمرار في هذا النزيف الذي لا يتوقف في أرواح الشباب بحيث بتنا نستقبل كل يوم جثامين الشهداء الذين يسقطون بدون إحداث أضرار تذكر لدى الإسرائيليين.

واذا كان صحيحاً أن هؤلاء الشباب يذهبون لهذه العمليات بقرار فردي وكخيار هم اختاروه، فمن واجب القيادات بكل تلاوينها أن تسعى لحماية أرواح الشباب، وأن توجه لهم النصح والمشورة حتى لا نفقدهم بدون ثمن، حتى لو تمت هذه العمليات في إطار مقاومة الاحتلال.

والمنطق يقول إن كل شكل مبتكر أو جديد لابد وان تكون له ظروفه وهو في نهاية المطاف يستنفد طاقته وإمكانيته. في حالة عمليات الطعن لا بد من تذكر أنه كان شديد الوطأة على إسرائيل وخلق حالة من الرعب في المجتمع الإسرائيلي، ولكن بعد أكثر من ثلاثة شهور تكيف الإسرائيليون مع الوضع وحصنوا انفسهم أكثر وباتت الخسائر في الجانب الفلسطيني بصورة لا تقارن مع الإسرائيلي، حتى لو نجحت عملية طعن هنا وهناك.

آن الأوان للبحث في إحداث تغيير في شكل المقاومة والذهاب أكثر نحو الشعبية منها التي تحظى بدعم العالم وتكسبنا نقاطاً ضد إسرائيل.

لقد نجحنا في كسب الرأي العام الدولي وهذا الإنجاز الذي يتبدى في مواقف دولية مهمة هو قبل كل شيء بفعل جهود المجتمع المدني الفلسطيني والأبطال المجهولين الذين يتواصلون مع المجتمعات الدولية وصناع القرار فيها أكثر مما هو نتيجة للجهود الرسمية المبعثرة.

كما أنه تم أيضاً بجهود مؤسسات وأفراد في إسرائيل عارضوا سياسة الاحتلال وسارعوا للتحدث مع المجتمع الدولي للتدخل لإنقاذ مستقبل السلام، على غرار الشخصيات التي طالبت البرلمانات الأوروبية بالاعتراف بدولة فلسطين دون قيد أو شرط في حدود عام 1967. ولهذا السبب تطاردهم الحكومة الإسرائيلية وتسن القوانين التي تضيق الخناق على عملهم.

وقد آن الأوان لتقليص الفجوة بين المستوى الرسمي والقيادات وبين الشعب ومؤسسات المجتمع المدني لنصل الى حالة من التكامل تخدم القضية، فالتطورات السياسية المهمة الأخيرة تستوجب البحث أيضاً في بناء استراتيجية ورؤية وخطط عمل موحدة قادرة على التعامل الإيجابي مع هذه التطورات للمراكمة عليها وتطويرها للوصول الى قرارات دولية واضحة وحاسمة بالعمل على إنهاء الصراع.

وأي بحث كهذا لا بد وأن يشمل دمج الشباب في العملية ليكونوا جزءاً من هذه الاستراتيجية ومن العمل المستقبلي بحيث لا يشعرون بالغربة وأنهم خارج السياق. وهذا الدمج لا يتم بتعيين بعض الشباب في مواقع قيادية معينة بصورة مثيرة للجدل، بل بمشاركتهم بكل شيء. وحتى نكون عمليين ينبغي أن تسارع مؤسسات منظمة التحرير لإطلاق حوار وبحث بناء حول ما تقدم، كما أن على الجهات المعنية في السلطة أن تقوم بتقييم أدائها ودورها في إطار خطة عمل شاملة بالتنسيق مع المجتمع المدني ومؤسسات الشعب الأخرى.

أما ان نبقى نتغنى بما جرى فهذا لا ينفع ولا بد من مسابقة الزمن على إنجاز التغيير المنشود داخلياً وخارجياً.