سأتجنب الكتابة الاعتيادية هذه المرة... فلا مكان لها في هذه اللحظات الجليلة، لذلك التمس منك العذر، لأني سأكون معك كما انا بدون الديباجات او المقدمات.. لان السجن علمني ان لحظة الفراق اقوى من كل المناسبات، اذ انها تحشد دفعة واحدة كل الذكريات والاحلام، وكل ما مر معنا من مرارات وابتسامات على مر السنين تلو السنين .
اخي كريم: قد غادرتنا فجأة،كما التقينا قبل"31 سنة" فجأة في سجون الاحتلال، لكن الاولى عانقناك وصافحناك، غير ان هذه المرة غادرتنا دون ان نراك ودون عناق. لان الاسلاك والجدران والسجان حالوا بيننا. ربما لانها تبشر بقرب اللقاء على ربى الوطن فلسطين.
عندما قرأت الخبر على التلفاز ان كريم يعانق الحرية بعد 40 عاما من الاسر، شعرت ان روحي رافقتك حتى بوابة السجن.. ثم بعد ان خرجت الى الحرية عادت روحي ادراجها.. سعيدة لان كريم يتنسم اول يوم من حريته.. وحزينة لاننا اول يوم بدون كريم.
ثم تذكرت عندما قلت لي في اول اسري قبل 30 عاما، ان صفقة احمد جبريل عام 85 قد تجاوزتك وتجاوزت المرحوم سامي يونس وابن العم ماهر يونس .
لكني تذكرت كيف غمرتنا السعادة ونحن ننتظر معا التحرر في صفقة حزب الله عام 2004 غير انها قد تجاوزتنا، نحن الاثنان معا هذه المرة .. ثم عاودتنا نفس الفرحة ونحن ننتظر الافراج في صفقة شاليط عام 2011، وكنا نقول الوطن لا يترك ابناءه... لكن بقينا في الخلف دون ان نفقد الامل البتة.
جاءت وعودات الدفعة الرابعة عام 2014 وكاد اليقين يسيطر علينا اننا لا بد محررين، كون الدفعات الثلاث السابقة قد انجزت، غير ان الغرباء قد غدروا، وكان قدرنا ان نبقى معا في الزنزانة حتى صباح 5/1/2023 موعد حريتك .
ففي صبيحة هذا اليوم وقفت امام التلفاز لاشاهدك وانت تمشي حرا شامخا في شوارع عارة، وتخيلتك ستتقافز بهجا سعيدا وتقول انا على الارض... انا على الارض.
غير انني لم اتمالك حتى تترجل من السيارة لاراك .. اذ شعرت ان عيوني ستخذلني وستمطر في الحال .. فأخذت اداري عيوني من نظرات الاسرى... فأنت تعرف يا كريم شغف الاسرى لان يروا كل شيء ويعرفوا كل شيء ... فذهبت الى حمام الفورة لادع دمعات العيون تأخذ طريقها نحو حريتها وتنطلق من معقلها، فنحن اعرف الخلق بمعنى الاسر وبمعنى الحرية ولا نحب ان يبقى اسيرا واحدا على هذه الارض،حتى لوكان هذا الاسير الدمع في العيون ... والغريب يا كريم ان دموعي كانت مزيجا ما بين الخاص والعام وما بين الشخصي والوطني.
فكريم انت اورثتني تعاليم الاسر من اول يوم، واورثتني تعاليم المواجهة والمحاورة مع السجان... ولطالما علمت الاجيال من بعدك ان الوحدة طريق الانتصار والفرقة طريق الاندثار.
فهنيئا لك الحرية ولاهلك الكرام ولشعبنا الفلسطيني العظيم والرحمة لارواح والديك الكريمين واللقاء قريب باذن الله .