قد تدرك "اسرائيل" انها ارتكبت خطأ جسيما عندما رفضت بإصرار ان لا تفرج عن "كريم يونس" في صفقات التبادل او ضمن الدفعات التي افرجت فيها عن المئات منهم ، خاصة وان اعتقاله جاء قبل اتفاقية السلام ، وها هي اليوم تقف أمام نفسها كما العارية، خجلة مرتبكة، فتطلقه تحت جنح الظلام وتنقله الى كراج عام للباصات في بلدة أخرى وتحاول قبلها معه ان لا يقيم احتفالات في بلدته بعد ان فرضت على القاعات إملاءاتها بعدم استخدامها لهذا الغرض ، أما أمام العالم ، فقد ظهرت انها الكيان الأوحد الذي انفرد بهذه الميزة المخجلة والمخزية ؛ إعتقال مقاتل من أجل الحرية أربعة عقود ، مدة غير مسبوقة في التاريخ الحديث ، وتشاء الظروف ان يكون هذا "الكريم" "اسرائيليا" من بلدة في الداخل ، واحدا من بين مليوني فلسطيني ، عمدت اسرائيل بكل وسائلها الى تركيعهم وترويضهم وتطويعهم سبعون سنة ، فخرج اليهم هذا الاسير ليقول لهم وللعالم بعد اربعين سنة في الغياهب :نحن هنا . بل لقد قال ما هو ابعد من ذلك : لو اضطرني ان اقضي اربعين سنة أخرى لن يحول هذا دون مواصلة طريقنا .
إعتقدت اسرائيل بحكوماتها التي ناهزت العشر منذ اعتقال كريم قبل اربعين سنة، انه مجرد مخرب او شخص ينتمي الى بقايا "هنود حمر" يعيشون في اوساطها و يتجنسون بجنسيتها ، وللاسف الشديد ، عمّقت اتفاقية اوسلو قبل ثلاثين سنة ، هذا الفهم وهذا الاعتقاد ، فلم تفرج عنه، كما روجت وتروج وسائل الاعلام العربية والفلسطينية ، بما فيها قناة الميادين المناصرة "إفراج إفراج" ، ولو كان الحكم عليه خمسين سنة لما رأيناه اليوم في بيته الا بعد عشر سنين ، ومن كان سيدري إن كان سيظل على قيد الحياة أم لا . الامر منطبق على من وصفه بالتحرر ، ففي نيسان العام الماضي ،"تحرر" أسير الجبهة الشعبية رشدي ابو مخ بعد ان أمضى خمسة و ثلاثين عاما ، وبالمناسبة هو ايضا من الداخل،من باقة الغربية، قال : لم يحررني أحد ،أنا امضيت مدة محكوميتي بالكامل . وهذا كلام صحيح ودقيق ، لقد تم اطلاق سراحهما "كريم وابو مخ" لأنهما امضيا مدة محكوميتهما التي نطق بها ثلاثة قضاة اسرائيليون قبل اربعين سنة . ولسوف تلاحق حكومة اسرائيل كريم يونس، كما تم ملاحقة الكثيرين غيره ، مثل سمير القنطار ، او اثنين و خمسين أسيرا اعيد اعتقالهم واعيدت احكامهم بعد تحررهم في صفقة "شاليط"، ومن ضمن أشكال الملاحقة تهديد بن غفير بسحب هوية كريم ، الامر ليس مقتصرا على هذا الوزير الفاشي ، فقد سحب رئيس الوزراء لابيد "المش فاشي" هوية صلاح الحموري المقدسية وابعده الى فرنسا قبل بضعة اسابيع .
قبل نحو ثلاثين سنة قال شمعون بيرس يوم مقتل الحاخام مائير كهانا، انه مات بالنار التي أشعلها، اليوم لدينا حكومة كهانية مكتملة، فهل ينسحب عليها كلام بيرس وتموت بالنار التي تشعلها ؟ .