تم الإعلان عن إستقلال وتأسيس الدولة الصينية في الأول من تشرين الاول عام 1949. وعليه، فنحن نتحدث عن ٧٤ عاماً، وحضارة لا يقل تاريخها عن خمسة الأف عام، والملفت للنظر هنا، ويجعلنا نتساءل: كيف إستطاعت الدولة الصينية أن تتغلب على الصعوبات الإقتصادية والتغيرات الإجتماعية السريعة، ومجمل التحديات، في ٧٤ عاماً؟ ومن جهة أخرى، كيف إستطاعت الدولة الصينية أن تحقق نهضة الأمة الصينية وأن تضع الشعب في المقدمة، وتحقق الرخاء والمجتمع المزدهر، وكذلك الحد من ظاهرة الفقر خلال ٤١ عاماً، والسعي للنهوض بالريف على نحو شامل في كافة المجالات، من خلال طريقها الخاص بعيداً عن إتباع نماذج أجنبية لتنمية الزراعة؟ وبالتوازي مع ذلك، وعلى الرغم من تعاظم الكثير من التحديات، إلا أن الدولة الصينية لم تتخل عن مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية تجاه الأخرين، فأعلنت عن إلتزامها بالتمسك بالسلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، والإلتزام بالتعددية الحقيقية من أجل تعزيز المنظومة الدولية وفقاً للقانون، وكذلك الإلتزام بتنمية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية كقيمة مشتركة للإنسانية، وأيضاً تعزيز المنفعة المتبادلة وصولاً للمصير المشترك، المبني على الإحترام المتبادل وإحترام سيادة الدول، بعيداً عن تعزيز النفوذ أو السطوة على أحد.
في المقابل، نرى أن هناك بعض الدول والتي تدعي أنها حريصة على تنمية وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعلن في مواثيقها أن الحق في الحياة والحق في الحرية، والسعي وراء السعادة، هي ركائز أساسية في تعاملها مع الأخرين، والحقيقة أن تلك الركائز هي فقط خاصة بمواطنين تلك الدول ومن هم داخل حدودها إن صح التعبير. ولتوضيح ذلك، فهي ترسل الجيوش والأموال والعتاد العسكري كي تطيح بنظام كونه لا يقبل الأوامر والتعليمات كما تريد، أو تساعد نظام على البقاء كونه حليف إستراتيجي حتى لو كلفها ذلك حرباً علنية، أو تتدخل في شؤون دولة مستقرة بهدف زعزعة إستقرارها، وسعياً للحفاظ على حلفائها وتوسيع الدائرة تلك، أو بهدف وضع اليد داخل أراضي الغير من أجل خلق نزاعات وتوترات هدفها إفساد علاقات الجوار بين تلك الدول، وبالتالي فتلك الدولة تسعى لزعزعة السلام والأمن العالمي وعرقلة تعزيز التنمية المشتركة، لتبقي هيمنتها ونفوذها ودعم حلفائها هو الأساس في التعامل مع الغير، أو حتى في تطبيق القانون الدولي حيال العديد من القضايا الدولية، التي لا يزال بعضها بحاجة لحل وتطبيق لقرارات الشرعية الدولية على أرض الواقع من أجل الحل، كالقضية الفلسطينية مثلاً، التي لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني القهر والظلم والإحتلال والحرمان كل لحظة، ولا نرى أن تلك الدولة تسعى لرفع ظلم الإحتلال عنه. وعليه، فإن تلك الدول هي من يزعزع إستقرار العالم ويهدد الإنسانية جمعاء بمزيد من المخاطر والتحديات بهدف حماية المصالح الخاصة لها، وبالتالي السعي للحفاظ على مبدأ التنمر والهيمنة والعمل الأحادي، وكأن ذلك سلاح في وجه كل من يحاول أن ينمي مبدأ التعددية الدولية وسيادة القانون الدولي وتعزيز الأمن والسلام وصولاً لتحقيق التنمية المستدامة للجميع دون إستثناء. وعليه، فتلك الدولة تريد منظومة دولية عاجزة وبدون إرادة من أجل الحفاظ على إمتيازاتها ونفوذ حلفائها.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر هنا، نلاحظ أن تلك الدولة تنادي بضرورة الحفاظ على الحق بالحياة، على إعتبار أنه حق مقدس وتسعى لحمايته، لذلك تقوم بتقديم مساعدات عاجلة لهذه الشعوب بهدف الحفاظ على حالة حقوق الإنسان وتنميتها، كما تدعي طبعاً عبر وسائل الإعلام، ولكن سيتضح لاحقاً، ومن خلال تركيز الحديث عن بعض تلك القضايا والتي سنعرج عليها بالتفصيل، أن تلك المساعدات يراد من خلالها تحقيق أهداف سياسية وجيوسياسية، وليس كما قيل أنها من أجل الإنسان والحفاظ على حياته وكرامته، وهذا يجعلنا نتسائل: ما الهدف الحقيقي من وراء تلك المساعدات، ولماذا يوجد فروقات عالية في القيمة التي تقدم؟ وهل يتم تقدم تلك المساعدات بالتساوي وضمن برنامج إصلاحي وإنساني وتنموي معلن؟ أم هناك معايير وأسس أخرى لا نعرفها؟ وعليه، سنضع بين أيديكم ثلاث قضايا مختلفة، والتي تثبت صحة ما نقول، فمثلاً، إعتمدت الولايات المتحدة 6 ملايين دولار مساعدات للفلسطينيين في عام 2023 زيادة عن العام المنصرم، وتم إقرار ذلك في موازنتها الحالية بهدف التنمية والعمل الإنساني في الأراضي المحتلة، وقدمت 3.3 مليار دولار لإسرائيل كمساعدات أمنية، وقدمت 10 مليارات دولار لتايوان من أجل إضعاف الدولة الصينية وضرب وحدة أراضيها، وأخيراً، قدمت 45 مليار دولار لأوكرانيا، بهدف مواصلة القتال ضد روسيا، والمستمر منذ عام 2022.
وإذا كان الحال بهذا الشكل واقعياً، وهذا ما أعلنته تلك الدولة أمام الصحف والإعلام بشكل صريح وواضح كما رأينا، فهل من المعقول أن يتم تقديم 6 ملايين دولار في 2023 للفلسطينيين، زيادة على ما تقدمه في 2022، لشعب يعاني الإحتلال والقهر والظلم والقتل والتدمير كل يوم، وهو بأمس الحاجة للمساعدة في التحرر من الإحتلال الإسرائيلي اولاً، ومن ثم مساعدته في إكمال مرحلة البناء المؤسساتي بالسماح له بإقامة دولته المستقلة وذات السيادة على أرضه الفلسطينية وفقاً للقانون الإنساني والدولي، كي ينعم هذا الشعب بالأمن والإستقرار والإستقلال وتحقيق السيادة، وبالتالي تحقيق التنمية والعيش الكريم كباقي شعوب الأرض. في المقابل، تقوم تلك الدولة بدعم دولة الإحتلال في الأمم المتحدة سياسياً وإقتصادياً ومادياً وعسكرياً كونها حليف إستراتيجي، وبالتالي تعزيز نفوذها وسطوتها وسيطرتها في المنطقة، وحرمان شعب فلسطين الذي يناضل ويكافح من أجل حريته وتقرير مصيره على أرضه المسلوبة منذ 75 عاما وأكثر، فأي عدالة تتحدثون عنها أنتم.
وكذلك الحال في التدخل في شؤون الغير، وبشكل يتنافى مع الأخلاق والأعراف والقوانين التي عرفتها الإنسانية جمعاء. وهنا نتساءل: أيعقل أن تسعى تلك الدولة من أجل الحفاظ على إمتيازاتها ونفوذها وسياستها وحلفائها ونظامها الأحادي الجانب، لزعزعة إستقرار الدولة الصينية المزدهرة ومحاولة ضرب مسيرتها ووحدة أراضيها والتدخل في شؤونها الداخلية من خلال دعم تايوان؟ والسبب وراء ذلك بتقديري، لأن الدولة الصينية المتقدمة ترفع الصوت عالياً وتناضل وتكافح بدبلوماسيتها الجديدة الكبرى ذات الخصائص الصينية، من أجل التمسك بالسلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة للجميع، بصرف النظر عن قوة ونفوذ وحجم الدول، وصولاً للمصير الواحد والفوز المشترك. فالدولة الصينية الحضارية عندما تطورت وأزدهرت، إنطلقت لتفكر بغيرها من أجل أن يعم الخير على الجميع، لأن مبادئ الدبلوماسية الصينية الكبرى ذات الخصائص الصينية، تعني السير قدوماً "بحزم وثبات" لتحقيق الأفضل ومساعدة الأخرين ليكونوا بأفضل حال "المصير والفوز المشترك للجميع كغاية بحد ذاتها". وكنتيجة حتمية، فإن الدولة المعادية للحوار والإنفتاح والتعاون والعمل الجماعي المشترك، لا يمكن أن تقبل من الدولة الصينية المعطاءة التقدمية "عنوان الإنفتاح والتعاون والتبادل والإصلاح"، السعي لإحلال الأمن والإستقرار وتعزيز السلام والتنمية المستدامة، وعليه، ستعمل جاهدة وبشتى الطرق على السعي لزعزعة أمن وإستقرار وحدة أراضيها، من خلال خلق وقائع وسيناريوهات جديدة، والتي من شأنها محاولة إضعاف مخططاتها وجهودها الدبلوماسية الجديدة الكبرى ذات الخصائص الصينية، من الإنتشار وتحقيق مزيد من النجاح في الإنفتاح والتعاون والتبادل، وصولاً لمجتمع ونظام دولي أمن ومستقر، في سبيل تعزيز السلام الدولي والتنمية المشتركة للجميع.
واخيراً، وتجاه الحرب الدائرة في أوكرانيا، نتساءل هنا: ما الهدف من وراء الإمداد المتواصل وطويل الأمد للحرب في أوكرانيا؟ فلعل الأزمة الأوكرانية الروسية تفسر لنا كثير من الأمور، فالدعم المتواصل في كل المجالات وبهذه الطريقة، يدلل أن الدولة الداعمة لأوكرانيا، وبهذا السخاء، لا تريد عالم أمن ومستقر في عدة جبهات، تاره في القارة الأوروبية من أجل إخضاعها وإغراقها بعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وبالتالي تصبح معدومة الإرادة والقوة في إتخاذ أي قرار ذاتي أو ذوو شأن دولي، وتاره أخرى في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني الإنقسامات والتناحر والحروب منذ سنوات، وهذا يفيد بالسعي للتدخل في قضايا الشرق الأوسط، وبالتالي تعزيز النفوذ والهيمنة وتقوية دائرة الحلفاء، ومن جهة أخرى السيطرة على خيرات وثروات المنطقة برمتها.
إضافة لذلك، أن الأطماع تزداد يوماً بعد يوم في دول القارة الأسيوية، ويجب أن تبقى متناحرة ومنقسمة ومشتتة، فهي ٤٩ دولة، وبالتالي سيجتهد الكثيرون لخلق حالة من عدم الوئام والإستقرار فيما بين تلك الدول، لتبقى رهينة المؤمرات والصراعات والإنقسامات، ليبقى اللاعب الأكبر والأقوى حاضراً بينهما "الهيمنة والنفوذ". والملاحظ أيضاً، أن هناك لعبة جديدة تحاك تجاه دول شرق أسيا بالتحديد، بهدف وضع موطئ قدم، سعياً لزعزعة أمن وإستقرار ووحدة هذه الدول، فمثلاً، يتم دعم تايوان بالمال والعتاد، بهدف ضرب وحدة أراضي الدولة الصينية التقدمية، وبالتالي السعي لإضعاف الجهود الدبلوماسية الكبرى ذات الخصائص الصينية، والتي تبذلها الصين وأصدقاؤها وحلفائها بكل مسؤولية وثبات وحزم، بهدف تحقيق السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة القائمة على الإحترام المتبادل والمصير المشترك.
فالدولة الصينية، دولة تقدمية حضارية، تفتح آفاقاً جديدة في دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية، من أجل التمسك بالسلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، في ظل عالم غير أمن ولا مستقر، تتطور فيه بإستمرار التحولات والإضطرابات والتحديات، حتى أصبحت البيئة العالمية مهيئة في أي وقت، لأي حدث من المواجهة الحازمة بين التكتلات المختلفة، وخاصة أن هناك تكتلات تريد الخير والسلام والأمن والإستقرار، وصولاً لتنمية حقيقية ومصير مشترك، وهذه الرؤى تتزعمها الدول الصينية التقدمية من خلال الإعلان عن آفاقاً جديدة في دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية من أجل السلام والإستقرار والتنمية، ومن جهة أخرى يوجد هناك تكتلات بزعامة بعض الدول والتي تريد تعزيز الهيمنة والأحادية والتنمر وغياب القانون، وبالتالي خلق عالم أكثر تطرفاً وإنقساماً وعدوانياً، من أجل مصلحتها ومصلحة حلفائها في الحفاظ على نفوذهم والتحكم بالقرار السياسي الدولي، ومن ثم السيطرة على قدر كبير من الخيرات والثروات لصالحهم فقط دون غيرهم.
في المحصلة، فالأمر يحتاج ويتطلب تعزيز العمل الجماعي بحزم وثبات، مع من يريد الخير وتعزيز قيم التسامح والمحبة والسلام والإستقرار للبشرية جمعاء، كي نتحمل مسؤولية هذا الكون الذي نعيش فيه، فمزيد من الإنفتاح والإصلاح والتبادل والتعاون، وليكن العام الجديد عام العمل المشترك والمصير والفوز المشترك. وعليه، فالدولة الصينية التقدمية الحضارية تمد يدها للجميع من أجل غد أفضل، وها هي تفتح آفاقاً جديدة في دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية، من أجل التمسك بالسلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة، فلنغتنم هذه الفرصة، لنعلن بداية عهد جديد لعام جديد، عنوانه: "دبلوماسية الدولة الكبرى ذات الخصائص الصينية مفتاح السلام والتنمية للعالم أجمع".