الانتظار ليس أفضل الخيارات

BGh5Q.jpg
حجم الخط

يقلم طلال عوكل

 

 

 

ليس اقتحام المسجد الأقصى من قبل إيتمار بن غفير، سوى البداية لمرحلة ليس من الصعب استشراف آفاقها، وتداعياتها سواء على مستوى العلاقة مع الفلسطينيين، أو العلاقات الإقليمية والدولية.
المجلس الأمني الإسرائيلي المصغّر، خلال جلسته الأولى، اتخذ قرارات انتقامية ضد الفلسطينيين بعد أن نجحوا في استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب فتوى من محكمة العدل الدولية في لاهاي.
أحد الوزراء الإسرائيليين صرّح بأن السلطة الفلسطينية عدوّة لإسرائيل، وعليه ينبغي البناء لمعرفة طبيعة السلوك الاحتلالي خلال المرحلة القادمة، والتي تبدأ بتوجه نحو إخضاع السلطة لنظام عقوبات متدرّجة لا تقف عند حدود سحب التصاريح الممنوحة لمسؤولين تسمح لهم بالحركة وإنما تمتد لسرقة أموال الفلسطينيين، وإنهاء "التنسيق المدني"، ومنع أعضاء الكنيست من زيارة السجون.
هذه مجرّد مقدّمات لسياسة تعتمدها الحكومة العنصرية الفاشية التي تعتقد أن الظروف الدولية الراهنة، تمنح إسرائيل الفرصة للقفز بمشروعها التوسّعي لإعلان السيادة على الضفة الغربية والقدس.
يذكّرنا ذلك، بقرار الحكومة الإسرائيلية الذي اتخذته في أيلول 2017، والذي يقضي بالتعامل مع قطاع غزة ككيان مُعادٍ، أخضعته لحصارٍ مشدّد، وإطلاق طاقة القوة العسكرية الغاشمة، في عدوانات متكرّرة أدّت إلى دمارٍ شامل متكرّر، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى، دون أن تحسب أي حساب لردّات الفعل بالرغم من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها إسرائيل بحق القانونين الدولي والإنساني.
إزاء الضفة الغربية والقدس لا تعترف إسرائيل للفلسطينيين بأي كيانية، ولذلك فإن مصطلح السلطة الوطنية الفلسطينية عدوّاً، يتساوق مع الرؤية الإسرائيلية التي لا ترى فيها ملامح كيانية.
السلطة بالنسبة لإسرائيل تصبح مجرّد إدارة إن خرجت عن سياق المصلحة الإسرائيلية نحو تخفيف العبء عنها، أو في حال اتخذت بعداً سياسياً وطنياً، فإنها تصبح عبئاً لا لزوم له بالنسبة لدولة الاحتلال.
عادة ما يكون الدبلوماسيون أكثر حذراً ودقّة في استخدام خطاباتهم والتعبير عن مواقف دولهم، والابتعاد عن إقحام البعد الشخصي في أعمالهم، ولذلك فإن مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد أردان، يعبّر عن دولة الاحتلال حين يعتبر بصريح الكلام، الضفة الغربية والقدس أرضاً إسرائيلية لا تنطبق عليها قوانين الاحتلال.
هذا الكلام يعني أن الاحتلال لا يعترف بالقانون والقرارات الدولية ولا يعترف بأي حقوق سياسية من أي مستوى كان للفلسطينيين في أرضهم المحتلة منذ العام 1967، ما يؤكد أن الصراع لم يعد محدّداً بالأراضي المحتلة العام 1967، وإنما يشمل كل أرض فلسطين التاريخية، وما يتبع ذلك من حقوق سياسية وغير سياسية.
لا يعني ذلك بالضرورة، أن يتخلّى الفلسطينيون عن التمسك بالقرارات الدولية التي تحصر حقوقهم بما تم احتلاله العام 1967، ولكن مضامين ممارسة العمل السياسي لا بدّ أن تأخذ ذلك في الاعتبار.
ربما يدرك بنيامين نتنياهو وحكومته، التداعيات التي ستنجم عن الإمعان في ممارسة السياسة التوسعية التي ينتهجها، حتى لو أدّت إلى خلاف مع الحليف الأكبر الولايات المتحدة، على خلفية تضارب واختلاف الأولويات، وينطوي على مراهنة إسرائيلية، للتعامل مع القوى الصاعدة عالمياً وفي مقدمتها الصين.
لقد سبق أن وقع مثل هذا الخلاف إبّان رئاسة باراك أوباما للإدارة في أميركا، لكن نتنياهو لم يخضع، وقد استطاع أن يحتوي الغضب الأميركي، ويحوّله إلى مكافآت حصلت عليها إسرائيل.
ثمة مخاوف أميركية متزايدة من أن نتنياهو، الذي عمّق الشراكة والتفاهم مع دونالد ترامب، من أن يبدي انحيازاً ــ بمعنى أو بآخر ــ لصالح روسيا حيث تتقاطع المصالح الأمنية فيما يتعلق بالوجود الإيراني في سورية، أو على الأقلّ أن يرفض نتنياهو الانضمام لنظام العقوبات الأميركية ضد روسيا، أو إعلان عدم الانحياز.
وتخشى الولايات المتحدة، أيضاً، أن تواصل إسرائيل سياساتها المستقلة إزاء المشروع النووي الإيراني، والتورّط في تصعيد الصراع والتوتر في المنطقة، لإرغام الولايات المتحدة على الانخراط في صراعات كبيرة لا ترغب في الانشغال بها، لضمان التركيز على الحرب في أوكرانيا والحروب المحتملة مع أكثر من مكان.
تعلن الولايات المتحدة من موقعها ووفق مصالحها، أن الصين هي العدوّ الأول والأخطر، ثم روسيا، ثم كوريا الشمالية، وبالتالي لا ترى في الشرق الأوسط أعداء محتملين يشكّلون خطورة على استراتيجياتها ومصالحها.
أولويات إسرائيل مختلفة حيث يتقدمها التوسع في الضفة والقدس، ومواجهة العدو الفلسطيني، بالإضافة إلى إيران باعتبارها خطراً وجودياً عليها.
إسرائيل لا تعتبر الصين وروسيا أعداء بل ربما من منطق انتهازي، ترى أن مصلحتها تقتضي بناء علاقات إيجابية.
عند السؤال عن التوقعات فإنني لا أرى أن بإمكان الولايات المتحدة احتواء هذه الخلافات، ولكن من المؤكد أن مصالح الطرفين لا تصل بالعلاقة، إلى حدود التصادم، لأن إسرائيل لا تزال مشروعاً أميركياً استعمارياً معتمداً رغم مشاكساتها.
رغم كل شيء لم تفِ الولايات المتحدة بالوعود التي قطعتها الإدارة الديمقراطية بشأن العلاقة مع الفلسطينيين سواء ما يتعلق بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، أو إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بل إنها استخدمت "حق الفيتو" أمام مشروع قرار في مجلس الأمن، لمناقشة اقتحام بن غفير للقدس.
غير أن هذه المؤشّرات قد لا تصمد أمام تزايد الخلافات بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية، خاصة أن الولايات المتحدة تعلن أن العلاقة مع الفلسطينيين تدخل في إطار الأمن القومي الأميركي.
في انتظار هذه التطورات وما يمكن أن تسفر عنه نتساءل عن سلوك وردود السلطة والمنظمة على الإجراءات الإسرائيلية والتي لا تتجاوز إطلاق التصريحات التي توصف الحدث، وتحذر من تداعياته في حين يتطلّب الوضع الإقدام على سياسات وإجراءات، دون الإعلان عن حرب في مواجهة الحرب الإسرائيلية الشاملة.