هيروغليفيا إسرائيلية بين "حرب أهلية" و"عصابة الأربعة"!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

 كتب حسن عصفور

من المرات النادرة في تاريخ دولة الكيان العنصري، أن يخرج رئيسها صارخا بعبارات تكاد أن تكون "لغة شرق أوسيطة بامتياز"، عندما قال في بيان يوم الثلاثاء 10 يناير 2023، " قيم إعلان الاستقلال هي البوصلة - لن أسمح لأحد بإلحاق الأذى بها"..وختم بيانه بقول يكشف حجم الخطر الذي يدركه هرتسوغ جراء التطورات الأخيرة التي تدور، بكلمات لا تحمل التأويل، " "ليس لدينا بلد آخر".

بيان هرتسوغ، كشف "الرعب"، او بالأدق كشف حجم الرعب السياسي جراء التطورات الأخيرة التي أنتجتها الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وتشكيل تحالف ربما هو الأول منذ عام 1948، بين "الفاشية الدينية" بعدما أصبحت قوة مقررة، بل لها عمليا حق النقض، في المسار السياسي، مع "فاشية علمانية" يقودها شخصية انتهازية نادرة، بات هدفه المركزي حماية مستقبله الشخصي، وعائلته، ولذا سارع في تقديم كل ما هو ضروري لقوى الفاشية الدينية، بما فيها تغيير أسس "النظام القضائي".

قبل الانتخابات الأخيرة، كتب رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) في دولة الكيان يوفال ديسكن في 22 أكتوبر 2022، مقالا في صحيفة عبرية بعنوان " على شفا حرب أهلية"، حدد فيه ملامح الخطر القادم، وأن دولة الكيان أمام "خطر وجودي" للمرة الثالثة" (اعتبر الأولى حرب 1948 والثانية حرب أكتوبر 1973، والثالثة ما يحدث الآن).

عنوان المقال، كان يمثل "صدمة سياسية" بعدما تباهت الدولة العنصرية، بنظامها "الديمقراطي"، وأنها مختلفة جذريا عن النظم العربية وهي "بنت الديمقراطية الغربية"، لذا جاءت الإشارة الى "حرب أهلية" وتعرض الكيان الى "خطر وجودي"، وتفكك اجتماعي قادم، كجرس إنذار مبكر، لكنه لم يغير من مسار الانتخابات شيئا.

وسريعا بدأت ملامح "الحرب الأهلية" او "الصداع الكبير" الذي اخترق كل الجدر الوهمية السابقة، أدى الى أن تحتل لغة سياسية جديدة ليس في تصريحات الساسة فحسب، بل في وسائل الإعلام العبرية، ومنها "إسرائيل تحترق"، "الديمقراطية تنهار"، نتنياهو نقل الدولة من "النور الى الظلام"، وخطف النظام...لغة ما كان لسياسي غربي قبل الشرقي، ان يصدقها لو قالها سياسي عربي عنهم.

الصراع الداخلي المتفاقم، كسر كل قواعد "القانون السياسي" في الكيان، ولذا جاءت صرخة هرتسوغ تحمل هلعا واضحا، "لا بلد لكم غيرها"، تكملة لما قاله ديسكن عن الخطر الوجودي.

يوم 10 يناير 2023، دخل الصراع السياسي منحى جديد، بخروج أحد نواب حزب بن غفير الفاشي الديني، والذي يعتبرونه "النجم الساطع" في حكومة التحالف الرباعي الحاكم، بالحديث عن "عصابة الأربعة" (لابيد، غانتس، يعلون وغولان) معتبرهم خونة يجب ملاحقتهم، الوصف بذاته يكشف جوهر أزمة تتسارع، خاصة وان التعبير اقترن بزوجة ماوتسي تونج و3 آخرين إبان ما يعرف بـ "الثورة الثقافية" في الصين، تم اتهامهم بالخيانة العظمة، لذا التشبيه يحمل دلالة خاصة.

وانعكاسا لتطور الأحداث، دعا عضو كنيست ونائب رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، يائير غولان، الى "عصيان مدني" كرد على ما يحدث في النظام ومحاولات خطفه ومخاطر التعديلات المرتقبة.

هل حقا يمكن "السيطرة" على مسار الأحداث المتسارعة بشكل يفوق قدرة "التفكير" للتحكم بفرامل "القاطرة الاتهامية" والتي وصفها موقع "كيباه" العبري بأنها تحرق الدولة، ولخص مجمل ما يقال في تقرير يوم 10 يناير تحت عنوان " اليمين واليسار يشعلون النار".

لغة جديدة..مفاهيم جديدة بدأت تشق طريقها في النظام السياسي القائم في الكيان، لتبدأ برسم لوحات "هيروغلفية"، لن تعيدها الى ما مكان، مع نمو "الفاشية الدينية" التي انتقلت من قوة استخدامية لهذا الطرف الحكومي أو ذاك، كما كان في زمن سابق، الى قوة مقررة، بل هي التي تحدد المسار العام.. "إسرائيل تحترق"..دخلت قاموس السياسية الداخلية لغة ومفاهيما.

هل  يلجأ نتنياهو "وتحالفه الفاشي العلماني" لترويض "الفاشية الدينية" وخطرها الكبير، من خلال الذهاب الى "حرب خارج الحدود" نحو لبنان وإيران، لتغيير قواعد المشهد، ما يفرض "وحدة وسكون" مؤقت...تلك مسألة تستحق التفكير.

ملاحظة: تخيلوا رئيس أمريكا "الموهوب" بالتأتأة والتيه بيقلك أنه لا يعلم محتوى الوثائق الحساسة جدا اللي وجدت في بيته..طيب لو صحيح كلامه لازم حجره فورا، لأنه هيك صار كـ "حمار يحمل أسفارا"..

تنويه خاص: دولة الكيان مددت قانون الطوارئ العنصري في الضفة الغربية لحماية مستوطناتها..المفارقة أن "الفصائل الفلسطينية" ما انتبهت لخطر التمديد وانشغلت ببيانات خارج النص..قلة الفهم خطر وطني كبير!