العقوبات الإسرائيلية: ماذا يمكننا أن نفعل؟

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 

أصدر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر «الكابينيت» قراره باتخاذ عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، منها اقتطاع مبلغ 139 مليون شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية، وتحويلها إلى مواطنين يهود بحجة أنهم تضرروا من العمليات الفلسطينية في سنوات الانتفاضة الثانية، واقتطاع قيمة رواتب الأسرى والشهداء كذلك، وإلغاء تراخيص البناء الفلسطيني في المناطق المصنفة (ج)، وسحب بطاقات الشخصيات المهمة من عدد من المسؤولين الفلسطينيين الذين على علاقة بالتحركات على الساحة الدولية. وجاء التبرير بأنها اتخذت كرد فعل على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي تطلب فيه من محكمة العدل الدولية رأياً قانونياً لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية طوال أكثر من 55 عاماً. وأثارت هذه العقوبات ردود فعل عديدة فلسطينية وداخلية إسرائيلية ودولية، ومن ضمنها رد الفعل الأميركي، الذي عبر عنه الناطق باسم الخارجية نيد برايس، بأن «العقوبات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لن تؤدي إلا إلى زيادة التوترات».
الفلسطينيون بطبيعة الحال يرفضون الموقف الإسرائيلي جملة وتفصيلاً، ورئيس الحكومة د. محمد إشتية، اعتبر أن الإجراءات الإسرائيلية تهدف إلى دفع السلطة الفلسطينية للانهيار. ومجمل الردود الصادرة عن كل الأطراف الفلسطينية تؤكد على مواصلة النضال الفلسطيني في المحافل الدولية وفي الميدان ضد الاحتلال ومشروعه الاستيطاني، وضد إجراءاته التعسفية المناقضة للقانون الدولي. ولكن رد الفعل الرسمي الفلسطيني اكتفى بالرفض والتعبير عن مواقف ذات طابع إعلامي دون اتخاذ أي رد فعل عملي، باستثناء التأكيد على المضي قدماً في التوجه إلى المؤسسات الدولية ذات العلاقة بموضوع حقوق الشعب الفلسطيني والقانون الدولي.
الموضوع الجوهري في العقوبات الإسرائيلية ليس سحب بطاقات «VIP» من مسؤولين فلسطينيين، بل منع الفلسطينيين من البناء في مناطق (ج)، وحجز تطور الاقتصاد الفلسطيني، ومنع الفلسطينيين من استخدام مواردهم الطبيعية في هذه المناطق، في إطار القرار الإسرائيلي بقطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة كأساس لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وفي الواقع، قررت الحكومة الإسرائيلية كجزء من الاتفاقات الائتلافية منع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق (ج) باعتبارها ملكاً لإسرائيل. والتنفيذ كان سيأتي بصرف النظر عن سلوك الفلسطينيين. وحتى لو لم يذهبوا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو إلى هيئات دولية أخرى. وأيضاً لا يمكن الاستهانة بالاعتداء على أموال الفلسطينيين تحت حجج وذرائع واهية، خاصة في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، التي تعاني من عجز سنوي هائل وديون كبيرة، وعدم قدرة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية ومن بينها دفع رواتب موظفيها بصورة كاملة.
والرد الفلسطيني على الإجراءات الإسرائيلية يتسم بالتروي، وانتظار ما يمكن أن تقوم به جهات دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهذا التروي في الحقيقة غير مجد على الإطلاق، وعدم وجود رد حازم يتناسب مع الخطوات الإسرائيلية قد لا يساعد في صدور ردود أفعال إقليمية ودولية مناسبة وقادرة على لجم الخطوات التصعيدية الإسرائيلية. وكان من الممكن البدء بخطوات رمزية حتى يتم اتخاذ قرارات جدية بعد دراسة متعمقة ومستفيضة للموقف الراهن من كل أبعاده، والتداعيات التي يمكن أن تترتب على أي قرار فلسطيني. فماذا لو أقدم الفلسطينيون على تجميع جميع بطاقات الشخصيات المهمة وجرى تسليمها لإسرائيل أو حرقها في تظاهرة شعبية حاشدة؟ مثل هذه الخطوة توضح بشكل قاطع لإسرائيل أن الفلسطينيين جاهزون لكل الاحتمالات، ولا تخيفهم العقوبات التي تركز على «الامتيازات» الشخصية، على الرغم من أن هذا حق للفلسطينيين بموجب الاتفاقات التي لم تعد إسرائيل تقيم وزناً لها على أي مستوى.
الرد الفلسطيني يجب أن يركز على استنهاض الساحة الداخلية. وفي هذا السياق هناك أولوية قصوى للوحدة الوطنية الفلسطينية. وحتى لا يصبح الموضوع مجرد أمنيات وكلام مكرر وممجوج، هناك إمكانية للبدء فوراً بتفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي يشمل جميع الفصائل والقوى الفلسطينية؛ لتدارس الوضع القائم والاتفاق على خطوات توحيدية قد تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومباشرة توحيد المؤسسات الحكومية بشكل تدريجي، والاتفاق على خطة وطنية لمواجهة الحكومة الإسرائيلية العنصرية المتطرفة، وجرائم إسرائيل وانتهاكاتها المنهجية لحقوق الشعب الفلسطيني. وهذه خطوة ليست تعجيزية ولا تحتاج إلى وقت أو تحضيرات كبيرة.
وهناك خطوة أخرى ضرورية وملحة، وهي تفعيل وتطوير التضامن العربي مع القضية الفلسطينية، وإحياء التنسيق والتعاون الإستراتيجي مع الدول العربية المركزية، مثل: مصر والأردن والسعودية، وغيرها. واستنهاض دور الجامعة العربية كإطار مهم في الساحة الدولية للضغط على عواصم صنع القرار في العالم. وهذا لا يتم بالدعوات والأمنيات، بل بإجراء حوار إستراتيجي معمق مع الأشقاء، والاستفادة من التغيرات التي تحصل على المستوى الكوني، ومن تشكل نظام دولي متعدد الأقطاب يلعب فيه العرب دوراً مهماً.
كما ينبغي أن نولي أهمية مركزية للعمل على الساحة الدولية مع الحكومات والبرلمانات الغربية بشكل خاص، ومع كل الدول المؤثرة في جميع القارات، والاستفادة من حجم التأييد الدولي للقضية الفلسطينية. وفي هذا المجال لا بد من تنشيط سفاراتنا وجالياتنا في الخارج، والتنسيق مع الجاليات العربية والإسلامية والصديقة في مختلف أرجاء العالم. وأخيراً لا بد من استثمار الانقسام الداخلي في إسرائيل واحتمالات الحرب الأهلية على خلفية معارضة سياسة الحكومة الحالية، وهذا موضوع على درجة كبيرة من الأهمية الإستراتيجية، وسنفرد له مقالاً خاصاً أو حتى عدة مقالات لاحقاً.