معاريف : لم تعد إسرائيل نوراً لـ "الأغيار" ولا لليهود

آفي غباي يُهدد مُرسلي منفذي العمليات بضربهم بيد من حديد.jpg
حجم الخط

بقلم: آفي غيبل*

 

 



يشعر الكثير من يهود الشتات بالصدمة من حكومة نتنياهو الجديدة. كان بودهم أن يستيقظوا من الكابوس، وان يروا إسرائيل دولة قدوة ونورا للأغيار، لكن يتعين عليهم أن يهضموا الحقيقة المريرة ويعرفوا كيف يطورون هويتهم اليهودية حتى عندما تفقد إسرائيل مكانتها كبؤرة تجميع وكرمز. في الماضي عرفنا جميعنا كيف نتحدث عن العلاقات الخاصة التي نسجت بين إسرائيل والولايات المتحدة على أساس القيم المشتركة للشعبين: الحرية، العدالة، الأخلاق، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المعاملة النزيهة مع الأقليات، الكفاح ضد العنصرية، وإصلاح العالم. غير أنه مع مرور السنين يبدد الواقع ما كان مفهوما من تلقاء نفسه. فالاستقطاب الفكري الداخلي احتدم جدا سواء في الولايات المتحدة أم في إسرائيل: يتماثل اليوم طرف واحد في أميركا مع عالم قيم اليمين الإسرائيلي، بينما يتماثل طرف آخر مع عالم قيم إسرائيل الليبرالية.
من ناحية الشعب اليهودي، نشأ هنا شرخ هدام. أغلبية يهود إسرائيل وأغلبية يهود الولايات المتحدة ينتمون لمعسكرين أيديولوجيين متخاصمين. هكذا، أغلبية يهود إسرائيل ايدوا ترامب بينما أغلبية يهود أميركا عارضوه. الآن، في أعقاب الحكومة الجديدة، تتخذ إسرائيل في نظر الكثيرين منهم صورة من تخون القيم التي قبعت في أساس الحلف بين إسرائيل والولايات المتحدة: إهانة السلطة القضائية، بظلم "عرب إسرائيل"، وبانعدام المساواة بين الجنسين، وبتدخل الدين في شؤون الدولة والفرد، وبتفضيل القيم اليهودية على القيم الديمقراطية.
تقلص الميول الديمغرافية في إسرائيل وزن القبيلة العلمانية بينما تتعزز قوة القبائل التي ترى في القيم الليبرالية تهديدا. وبخلاف الجالية اليهودية في الولايات المتحدة التي تشكل اقلية وبشكل طبيعي تؤيد حماية حقوق الأقليات، في إسرائيل، الأغلبية هي من نصيب اليهود، الذين لا ترى أغلبيتهم مانعا من استنفاد هذه المكانة لضمان السيطرة اليهودية في مواجهة الأقلية العربية. صحيح أنه يوجد وهم وكأن المعسكرين السياسيين في إسرائيل يتماثلان تقريبا في حجمهما لكن أغلبية الجمهور الإسرائيلي توجد على الخارطة السياسية من الوسط إلى اليمين. قسم مهم من اللاعبين السياسيين ومصوتيهم ممن ينتمون اليوم للمعسكر المناهض لبيبي، كانوا سيرتبطون، بغيابه عن الساحة بائتلاف اليمين.
الديمغرافيا، النزاع مع الفلسطينيين، التهديدات الإقليمية، اللاسامية كلها تدفع إسرائيل باتجاه مناهض لليبرالية. على يهود العالم أن ينظروا إلى إسرائيل كما هي، وألا يقعوا في الوهم وإلا يطمسوا الواقع الصعب. عليهم أن يساعدوا أولئك الإسرائيليين الذين يحاولون أن يعيدوا إلى بلادهم قيما ليبرالية ويواصلوا التعبير أمام إسرائيل الرسمية عن ألمهم على المعاملة التمييزية تجاه التيارات غير الأرثوذكسية على النوايا لتغيير قانون العودة وعلى غيرها من المظالم. فلعلهم يجدون أذنا صاغية لدى وزراء قلائل لا يزالون يفهمون أنه في لحظة الأزمة قد تحتاج إسرائيل إلى مساعدتهم. بالتوازي على يهود الشتات أن يبلوروا استراتيجيات جديدة تضمن ألا يكون حفظ الهوية اليهودية وتعليم الجيل الشاب يقوم ويسقط على سلوك حكومة إسرائيل. في قانون القومية ورد أن الدولة "تعمل على حفظ التراث الثقافي، التاريخي والديني للشعب اليهودي بين يهود الشتات"، غير أن هذا الادعاء "بتعليم" يهود المنفى ليس سوى تعبير عن غرور عديم المفعول. إسرائيل، وبخاصة في أعقاب إقامة الحكومة الجديدة، بعيدة عن أن تعد في أوساط يهود العالم كقدوة تربوية. إسرائيل ليست نورا للأغيار، والآن لم تعد أيضا حتى نورا لليهود.


عن "معاريف"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مدير عام وزارة الخارجية سابقاً، باحث في معهد سياسة الشعب اليهوديJPPI.