هل يتجه الاتحاد الأوروبي لإعادة صياغة أسس علاقاته بإسرائيل أمام ما يجري اليوم

سفير دولة فلسطين لدى اليونان مروان طوباسي.jpg
حجم الخط

بقلم مروان اِميل طوباسي

 

 

 مع دعوة مسؤول السياسة الخارجية بالأتحاد الاوروبي بوريل لوزير خارجية دولة الأحتلال لزيارة بروكسل في وقت يقترب فيه موعد زيارة رئيس وزراء حكومتنا في نهاية الشهر الحالي وفق ما تم الإعلان عنه لمقر الأتحاد الأوروبي . فقد اَن الأوان لأوروبا اكثر من اي وقت مضى أن تبحث عن دور مستقل لها وتبتعد عن تبعية السياسة الخارجية الأمريكية بشان قضيتنا الوطنية وذلك بالرغم من الأزمات الأوروبية القائمة اليوم ، وأن تأخذ دورها وزمام المبادرة وتحاول القيام بما لم تقم به الولايات المتحدة لاعتبارات مختلفة لا يتسع الحديث عنها في هذا المقال . 

المطلوب دور أوروبي يتفق ويتماثل مع الانظمة الأساسية لدولها كما ولأسس نشوء الأتحاد الأوروبي، بما يساهم في إعادة رسم العلاقة مع اسرائيل وممارسة الضغط الفعلي عليها للوصول إلى ما ينهي الظلم التاريخي الاستعماري بحق شعبنا ويحقق العدالة النسبية لقضية السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة والحرية وحق تقرير المصير لشعبنا ويضع حدا لتطور نشؤ نظام فصل عنصري جديد بعد سقوط سابقه في جنوب إفريقيا. 

وحيث أن حكومة الأحتلال الاستعماري الإسرائيلي الجديدة اصبحت تحمل طابعا فاشيا دينيا اكثر وضوحا ومنفّراً للمجتمع الدولي وبالتأكيد لقيم ومبادئ الأتحاد الأوروبي النظرية تسقط فيها ادعاء "حالة احتلال عسكري مؤقت" ومقولة الادعاء "بديمقراطية اسرائيل"، فهي فرصة الآن أمام الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء لإعادة النظر بالعلاقة القائمة مع اسرائيل والتي تتمثل اساسا بالعلاقة الاستراتيجية بينهم سندا لاتفاقية الشراكة ولأشكال التعاون بالقطاعات المختلفة ومنها العسكري .

ان معظم برلمانات دول الاتحاد الأوروبي كانت قد اتخذت قبل سنوات توصيات تدعوا حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة والمتواصلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية ، كما وايضا قرارات تتعلق بإدانة الاستيطان ومقاطعة منتوجاته، كما ودعا برلمانيين واحزاب ونقابات وبلديات اوروبية الى فرض عقوبات على هذه الدولة العنصرية المارقة والتنديد بسياساتها الوحشية بكافة المحافل الدولية والاقليمية في مواجهة تداعيات استمرت اكثر من سبعة عقود منذ نشؤ هذه الدولة الاستعمارية التي تنفذ منذ البدايات مشروع التطهير العرقي والابرتهايد  والاحلال السكاني لمجموعات استيطانية على حساب حقوق شعبنا الأصلي في أرضه.

الا انه وبالرغم من كل ذلك النهوض الشعبي الأوروبي بالتضامن مع شعبنا، فقد استمرت حكومات دول الإتحاد الأوروبي في أتباع سياسات انتقائية تعتمد ازدواجية المعايير تجاه تداعيات الاحتلال الإسرائيلي بمقارنة مع القضايا الأخرى الناشئة بالعالم، بل والى مساواة الضحية بالجلاد كأساس للعديد من مواقفها اللفظية كما ولإشادة مسؤولين الاتحاد الأوروبي "بنموذج ديمقراطية إسرائيل" لفترة طويلة من الزمن . 

ان على الأتحاد الأوروبي اليوم ان يدرك أمام صعود الفاشية الدينية في نظام دولة الاحتلال بشكل واضح وما له علاقة بذلك من اجراءات تتخذها حكومتهم بشأن تقويض النظام القضائي وسحق أسس العدالة والديمقراطية المفترضة وفق تصريحات الاسرائيليين انفسهم والتي ودعت لمظاهرات مساء اليوم السبت وللعصيان المدني . هذا إضافة إلى اقرار تشريعات جديدة  أضافت جوهرا عنصريا لقانون قوميتهم اليهودية، والمتمثلة في سحب الجنسيات من الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل وتحديدا الأسرى منهم وقانون منع رفع العلم الفلسطيني .كل هذه الإجراءات وغيرها هي  تتسم بشرعنة العنصرية وتشكل انتهاكات واضحة للقانون الدولي الإنساني والاعلان الأساسي لحقوق الإنسان الذي يفترض ان يمثل جوهر الثقافة الأوروبية والمبادئ الأساسية للأتحاد الأوروبي.  

ان ما يجري اليوم يؤكد للقاصي والداني ولكل دعاة الديمقراطية بالغرب، أن "دولة" قامت على أساس التطهير العرقي وفكر الأستعمار الأستيطاني بعد ٧٥ عاما دون مسائلة من النظام الدولي القائم بل وبتشجيع على ارتكاب جرائمها، أن يَتسم النظام السياسي فيها الاَن بأعلى أشكال الفكر الصهيوني الفاشي وتصاعد أزماتها الداخلية والفوضى السياسية وبالإصرار على تطويع تشريعاتها ونظامها القضائي على هذا الأساس مما قد يزيد من تهديد الاستقرار بالمنطقة والتوحش ضد ابناء شعبنا .

من جهة اخرى فان اعلان بنيامين نتنياهو أن حكومته الجديدة ستعمل وفقاً لعدد من التوجهات من أبرزها، "أن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء "أرض إسرائيل"، بحيث تشجع الحكومة توسيع الوجود اليهودي في جميع أنحاء أرض إسرائيل" بحسب ادعائه،  يجب أن يقرع ناقوس الخطر أمام الأتحاد الأوروبي من التداعيات الخطيرة المترتبة على ذلك ومن ارتفاع وتيرة جرائمها اليومية ضد شعبنا وفق ما هو حاصل منذ بداية العام بشكل غير مسبوق.

 فإذا كانت الدول الأوروبية من خلال الأتحاد الأوروبي لا تزال تعتقد بعد تلك المتغيرات الجارية و التصريحات الصادرة عن رئيس حكومة دولة الاحتلال الاستعماري وتصاعد الجرائم على الأرض، أنه من الممكن تنفيذ تصور "حل الدولتين" كخيار اممي وفق القرارات الدولية، فإن العديد من المبادرات المفيدة والضرورية في هذا الإتجاه قد تكون متاحة امام الأوروبيين أنفسهم على الفور لمواجهة هذا الموقف.

وحتى لا يبقى الأمر متعلقا بتصريحات أو ببيانات لفظية تَتخِذ في بعض الأحيان شكل النفاق السياسي ، فيمكنهم اولاً مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية وتقديم تطبيق عملي لدعم وتعزيز شرعية مبدأ حل الدولتين من خلال الانضمام إلى الدول التي اعترفت بدولة فلسطين على حدود ما قبل ٤ حزيران ١٩٧٦ وعاصمتها القدس الشرقية وكما بقرار ١٩٤ المتعلق بقضية لاجئينا . والأكثر أهمية طالما انهم قادرون على فرض عقوبات على دول مختلفة، فبامكانهم فرض عقوبات اقتصادية وكذلك سياسية على إسرائيل وتكثيفها حتى تمتثل إسرائيل القوة القائمة بالأحتلال الاستعماري للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتنهي الأحتلال الذي دام اكثر من ٥٥ عاما حتى اليوم إضافة إلى اسقاط أشكال الفصل العنصري باعتباره جريمة اخرى .

 اما اذا كانت الدول الأوروبية ما زالت تعيش عقدة الخوف من المال اليهودي او من فزاعة معاداة السامية والهولوكست ، وهي بذلك غير مستعدة لاتخاذ مثل هذه المبادرات العملية، أو إذا كانت قد توصلت إلى قناعة بأن "حل الدولتين" لم يعد ممكنا وأن القضية الوحيدة الآن هي ما إذا كان واقع الدولة الواحدة الحالي سيستمر كحقيقة نظام فصل عنصري إسرائيلي بفوقية يهودية ، هو ما يمكن تحويله إلى واقع ديمقراطي كما قد يعتقدون هم ، فيجب عليهم التفكير في تاريخهم الأوروبي ومسؤولياتهم من أجل تحديد الطريقة الأكثر فائدة للمضي قدما بذلك حتى تتوفر الديمقراطية والعدالة والحقوق المتساوية في دولة واحدة . وهو نموذج قد يكون أكثر واقعية امام الأوروبيين من أجل السلام  بعيدا عن اشكال الفوقية والأضطهاد القومي بدلاً من الإستمرار في إعادة تدوير عملية سلام مفترضة لا تجد شريكا اسرائيليا وقائمة على تقسيم الأرض وتوسيع الأستيطان والتهويد في اَن .

إن التساؤل يتعلق بحلفاء دولة الاحتلال الغربيين في أوروبا الذين لطالما أشادوا بالقيم المشتركة معها لإخفاء تنكرهم للقضية الفلسطينية، لكن هذه القيم بات من المستحيل اليوم أكثر من أي وقت مضى العثور عليها او اخفائها تحت مبررات الأمن والدفاع عن النفس للمجتمع الإسرائيلي امام التطور الجاري بشكل وجوهر النظام في اسرائيل.

يجب الآن على الأوروبيين التحلي بالجرأة الاخلاقية والسياسية والتشكيك في الافتراضات القديمة، بما في ذلك مقولة "نجاح التجربة الصهيونية الديمقراطية" التي ساهم الغرب بالترويج لها بل وبالدفاع عنها، فالحقيقة الراسخة هي أن الصهيونية كانت ولا تزال فكرا عنصريا وحلما معاديا للسامية، مما يوفر الأمل في مواجهتها أوروبيا اليوم وامكانية حث اليهود على المغادرة او الهجرة المعاكسة والانتقال إلى مكان آخر للعيش به والعودة إلى مواطنهم الأصلية بأوروبا وغيرها بدلاً من الاستمرار في معارضة العدالة الإنسانية والقانون الدولي والانساني من خلال الدعم المطلق لتجربة أستيطانية عرقية ودينية استعمارية التي تتصاعد اليوم إلى الفاشية. 

ان ذلك سوف يعكس اعترافًا أخلاقيا وسياسيا أوروبيا بأن الصهيونية كحركة سياسية، مثل بعض "المذاهب السياسية" كالنازية التي برزت في القرن العشرين والتي استحوذت على خيال الملايين، كانت افكار عنصرية عادت بالضرر على جموع البشرية بشكل مأساوي .

 وهي طريقة ايضا للتكفير عن خطايا أوروبا السابقة ضد اليهود التي تنعكس بشكل غير عادل على حقوقنا الثابتة ، من خلال الترحيب باليهود الإسرائيليين لإعادة توطينهم في الدول الأوروبية، وهو اجراء منطقي لن يعارضه سوى الأشخاص المعادين للسامية أو الصهاينة الذين يسعون لبناء نظام الفصل العنصري الجديد في ارض فلسطين التاريخية سياسيا وبتعبيرات "مملكة اليهود" تلموديا ودينيا.

ولذلك على الأوروبيين ان يدركوا بشكل واضح ان لا احتلال بلا ثمن كما لم يكن كذلك في أوروبا سابقا وان الحرية للشعب الفلسطيني وحقه بتقرير المصير يستدعي مواقف سياسية مبدئية تختلف عما شاهدناه الشهر الماضي باروقة الأمم المتحدة من تصويت مجموعة دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام. 

ان اعلان الاتحاد الأوروبي أمس بشأن مطابة دولة الاحتلال بالتعويض عن اضرار اعتداءاتها يجب ان يتبعه مواصلة الفعل السياسي الذي فقط يشكل الضمانة لدعم القطاعات الاقتصادية لشعبنا  ، حيث ان تمكين شعبنا من حقه بتقرير المصير وسيادته  فوق ترابه الوطني وفق الحقوق التاريخية  والقرارات الدولية هو  الضامن الوحيد للتنمية المستدامة التي يحاول الأوروبيين المساهمة فيها ، وهو الحل الوحيد لإنهاء الصراع القائم وإحلال الحرية والأمن والسلام الأمر الذي لن يشكل فقط مصلحة لمستقبل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فقط بل مصلحة في اسقاط الفصل العنصري كنظام ومصلحة أيضا لكل الجيران الأوروبيين في شرق المتوسط .