أول أمس، كان هذا هو السفير الأميركي دان شبيرو، الذي استغل منصة معهد بحوث الأمن القومي كي يفتح جبهة مع نتنياهو وحكومته.
واليوم، بينما يهدئ نتنياهو هذه الجبهة في لقاء مصالحة مع شبيرو، جاء عليه الشر من داخل البيت. هجوم متداخل، نتنياهو بالتأكيد مقتنع بأنه مخطط أيضاً، من وزير التعليم السابق جدعون ساعر، ورجل الليكود، ووزير التعليم الحالي نفتالي بينيت، العضو الكبير في الائتلاف.
كلاهما يقولان أموراً مشابهة ولاذعة: إسرائيل جامدة، سلبية، لا تبادر، متحجرة. كلاهما يسعيان إلى الاشتباه، إلى الابداعية، إلى الخروج من العلبة، إلى تحطيم الطريق المسدود.
وكما أعرف نتنياهو فقد بات مقتنعاً بأنهما سيتنافسان معاً ضده في الانتخابات القادمة.
وبالمناسبة، بتقديري هو مخطئ، فمن الأفضل لساعر أن يبحث عن نفسه في محيط موشيه كحلون، أما بينيت فلم يقرر بعد أين وجهته. ولكن ماذا يغير هذا من الأمر في شيء؟ نتنياهو يشخص الانقلاب. المؤامرة لإسقاطه. من ناحيته، مجرد حقيقة أنهم ينتقدونه هي كفر بالأساس، فلو كان جزء طفيف فقط من المؤامرات التي شخصها نتنياهو لإسقاطه في العقد الأخير كان صحيحاً، لكان سقط منذ زمن بعيد.
نبدأ بساعر: "لن يكون ممكناً تحقيق الاستقرار، وبالتأكيد ليس السلام، انطلاقاً من غمض العيون عن الواقع المحلي والإقليمي الجديد"، قال: "نهج اقعد ولا تفعل شيئاً ليس ملائماً وسيبقى يسحق ويضيع ذخائر إسرائيل الاستراتيجية.
هذا النهج سيضمن أن نواجه في المستقبل كل واحد من التحديات في وضع أسوأ للأمور.
في السنوات الأخيرة لم تخدم السلبية ورد الفعل مصلحة إسرائيل، لا سياسياً ولا أمنياً.
على إسرائيل أن تكون فاعلة ومبادرة، حتى في محيط عدم اليقين بل وأحياناً خارج منطقة راحتها.
في السياسة الاختبار ليس في النية، الاختبار أيضاً ليس في التشخيص أو في قدرة التحليل. في السياسة، الاختبار هو الاختبار العملي، فتشخيص أو وصف المخاطر ليس كافيا ببساطة. عندما لا نبادر، ننجر ونتلقى الضربات".
يعرف ساعر نقاط الضغط لدى بنيامين نتنياهو ويلذعه في الأماكن الأكثر إيلاماً له. في الأحاديث الخاصة، يكون انتقاد ساعر لرئيس الوزراء، الذي دفعه نحو اعتزال مؤقت للسياسة، أكثر لذعاً بكثير. ففشل نتنياهو في الموضوع الإيراني مثلاً يبعث لدى ساعر بقلق كبير، وكذا الإخفاق في موجة الإرهاب الحالية، وكذا ما يحصل في القدس ("نحن نفقد القدس"، قال، أمس).
لقد بادر، أمس، إلى الهجوم في معهد بحوث هو زميل بحثي كبير فيه. هناك، في معهد بحوث الأمن القومي لديه الوقت لأن ينظر إلى الوضع من زاوية نظر عالمية. مشوق أن نعرف في أي اتجاه سيسير به هذا. في خطابه، أمس، كان مبطناً، محسوباً، ليس فظاً أو حازماً. بطريقته الناعمة عرض بديلاً لنتنياهو، يتشكل من أيديولوجيا يمينية مبهرة بتفكير منتعش وفكرة المبادرة التي قامت على أساسها ذات مرة الروح الإسرائيلية.
ساعر على وعي في أنه يوجد عالم هناك في الخارج، ومن الواجب تجنيده لقضيتنا، بدلاً من دفعه نحو أذرع أعدائنا. لا، هو لم يقل، أمس، ما يعتزم عمله إذا ما وعندما يصل إلى موقع القيادة، وكان هذا ضعف الفرضية كلها، ولكن رسالته كانت واضحة: يجب عمل شيء ما آخر مختلف تماما عما يتم عمله الآن.
من نزع القفازات كان نفتالي بينيت. خطاب طويل ومشوق جداً كان له في الندوة، فقد تحدث بينيت كنوع من ستيف جوبز شرق أوسطي. استخدم مثال شركة "نوكيا" الخلوية العظمى (سابقاً) والتي قادت العالم بفارق هائل قبل عقد، وكادت تختفي من السوق لأنها علقت في الجمود الفكري وفي مفهوم مغلوط، بينما منافسوها (ولا سيما أبل) فهموا التيارات العميقة، فككوا العلبة وبنوا عالماً جديداً، أما المشبه فهو في واقع الأمر بنيامين نتنياهو.
إذا كان عن ساعر مر نتنياهو بصمت، فلم يكن ممكناً أن يمر عن بينيت، فوزير التعليم وعضو الكابينت فكك ببساطة زعامة نتنياهو وموشيه بوغي يعلون إلى عناصرها الأولية.
نعم، عاد مرة أخرى إلى الجرمد الصامد وإلى الأنفاق إياها وأغاظ بوغي مرة أخرى، الذي صعد للخطابة في المساء ورد عليه الصاع صاعين. مشادة ائتلافية داخلية مذهلة، ولكنها ليست الأولى، تطرح علامات استفهام كبيرة: إذا كان هذا هو تراص حكومة يمين أيديولوجي منطوي على نفسه، 61 مقعد بالإجمال، فماذا كان سيحصل هنا إذا كان الائتلاف واسعاً؟
صحيح أن بينيت لم يذكر أسماء، ولكن كل من تعرف على أفكاره الحقيقية يفهم كم أنه لا يحصي وزير الدفاع يعلون، فعندما قال، أمس: "جمودنا الفكري، تحجرنا الفكري، مكعباتنا الأسمنتية الفكرية"، قصد بوغي.
لقد كان بينيت معجباً طوال حياته الراشدة ببنيامين نتنياهو ولست واثقاً من أن هذا الإعجاب قد تبدد تماما. من ناحيته، فإن من يحجر نتنياهو هو يعلون، فهو في واقع الأمر يحبسه في قفص مستقر من الراحة، مع كوابح صدمات ودمى لعب باهظة الثمن ("اف 35 ليست ناجعة ضد 50 رجل كوماندو من حماس"، قال بينيت)، ما يكلف إسرائيل بثمن ذاك التحجر الخطير.
وعندها جاء بوغي. وزير الدفاع ليس الرجل الذي يتجاوز مثل هذه المنصة، ولو كنت مستشار يعلون، لأوصيته بأن يتجاوزها بالذات. فعندما يتنافس مع بينيت في معركة الطين هذه فإنه يعظم بينيت. يعلون يقف في السنة الأخيرة في خانة الراشد المسؤول، والراشدون المسؤولون يفترض بهم أن يتجاهلوا الأطفال المشاغبين في الحي (حسب فكرة يعلون)، ولكن بوغي تفجر، أمس، بنفتالي، بما في ذلك الألعاب النارية: "ثقافة سلطوية سيئة، عدم مسؤولية، يجدر أن تتوقف"، هكذا وصف أقوال بينيت، وأضاف من هنا وهناك: "عدم مسؤولية، يسمع أفكار في الكابينت وينسبها لنفسه، يطارد خلف الإعجابات في الـ"فيسبوك"، وما شابه.
الكيان الذي يسمى "مقربي نتنياهو" تدخل للإنهاء. بينيت سمي هاذٍ ورواية يعلون، في أن بينيت سرق كل أفكار الانفاق من آخرين في الكابينت وتباهى بها بشكل علني، لاقت الإسناد.
بينيت، بعد نهاية المساء بقليل، قال: إن رد يعلون محزن، وكان يفضل لو أنه رد موضوعياً، وعندها جاءت آييلت شكيد، النصف الثاني، وليس (الأقل ذكاء) لبينيت، وألقت في الندوة ذاتها خطاباً في موضوع المعركة القانونية (خطاب ممتاز، بالمناسبة)، عنوانه، تمسكوا بقوة، "على إسرائيل أن تصمم السياسة وليس فقط أن ترد على صورة الوضع المتجددة أمام ناظريها".
كل ما تبقى لنا، نحن المشاهدين، هو أن نأمل ألا تكون هذه حالة من الحالات التي يكون فيها الجميع محقين.