نحو 90 دولة وقعت على البيان الذي عبرت فيه هذه الدول “عن قلقها العميق” من خطوات عقابية تتخذها إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية عقب إجراء اتخذته الأخيرة في الأمم المتحدة. في كانون الأول، تم قبول اقتراح الفلسطينيين بالطلب من محكمة العدل الدولية في لاهاي بلورة رأي حول التداعيات القانونية لاستمرار احتلال إسرائيل في الضفة الغربية وشرقي القدس. ومن بين دول أخرى، وقعت فرنسا وألمانيا على الوثيقة التي نشرتها أول أمس الاثنين البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
39 دولة وقعت على الوثيقة بأسمائها، لكن الجزائر وباكستان وقعت عليها باسم عشرات الدول الأخرى الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في الأمم المتحدة “أو.آي.سي”. من بين الدول الموقعة هناك 27 دولة أوروبية، من بينها إسبانيا وهولندا وإيطاليا والدانمارك واليونان وبولندا وبلغاريا.
هذه الدول أعلنت أنها “ترفض الخطوات العقابية رداً على طلب رأي من محكمة العدل الدولية”، وقد دعت إلى إلغائها الفوري. وكتب في البيان أيضاً بأن هذه الدول تظهر “دعماً غير محدود لمحكمة العدل الدولية في لاهاي”. في الغد سيتم عقد جلسة في مجلس الأمن لمناقشة وضع النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. وحسب تقديرات دول ستشارك في الجلسة، يتوقع فيها التطرق إلى العقوبات الإسرائيلية.
الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، التقى أمس مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، لمناقشة وتنسيق المواقف إزاء خطوات الحكومة الإسرائيلية. مصادر فلسطينية كانت مطلعة على الإعدادات للقاء، قالت إن مصر والأردن قلقتان من التطورات في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك العقوبات التي فرضتها إسرائيل على السلطة.
قرر الكابنيت السياسي الأمني قبل أسبوعين حرمان وزير الخارجية الفلسطيني والسفير الفلسطيني في الأمم المتحدة من بطاقة الدخول إلى إسرائيل. وقرر وزراء الكابنيت في حينه أيضاً تجميد خطط البناء للفلسطينيين في مناطق “ج” في الضفة، وتجميد أموال الضرائب التي يجب على إسرائيل تحويلها للسلطة واتخاذ “إجراءات ضد المنظمات التي تشجع على نشاطات معادية لإسرائيل، بما في ذلك نشاطات سياسية – قانونية، بغطاء النشاطات الإنسانية”. وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، قال بعد بيان الكابينت بأن “سلسلة الخطوات التي قررها الكابنت الإسرائيلي استهدفت التوضيح بأن إسرائيل ستجبي ثمن محاولة للمس بإسرائيل في الساحة الدولية”.
السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة، رياض منصور، بارك بيان هذه الدول، وقال إن “كل دولة تلتزم بالنظام القائم على القانون الدولي لا يمكنها سوى معارضة مثل هذه العقوبات”. السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، جلعاد اردان، قال رداً على ذلك، بأن “الفلسطينيين يستغلون هذا الآلية المشوهة المتمثلة بالأمم المتحدة من أجل ممارسة إرهاب سياسي ومحاولة المس بإسرائيل”. وأضاف بأن “الأمر يتعلق ببيان إعلامي لا أهمية له، وكل دولة وقعت عليه إنما صبت الزيت على نار التحريض والإرهاب الفلسطيني، وأبعدت أي احتمالية للمصالحة”. وقال وزير الخارجية، كوهين بأن البيان عديم الأهمية، وأن البيانات والتوقيعات من هذا النوع لن توقفنا من اتخاذ القرارات الصحيحة التي تحمي مواطنينا وتضمن مستقبلنا.
في السنوات الأخيرة، وظفت السلطة الفلسطينية معظم جهودها للنضال ضد إسرائيل في الساحة الدولية؛ فهي تعمل في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على إقامة لجان لفحص سلوك إسرائيل في “المناطق” [الضفة الغربية]، وتقود دعاوى في المحاكم الدولية وتحاول الدفع قدماً بقرارات تتحدى مكانة إسرائيل القانونية والسياسية بخصوص الاحتلال. ورغم أنها جهود حققت في هذه الأثناء إنجازات جزئية فقط، لكنها تقلق المستوى السياسي في إسرائيل وكبار رجالات وزارة الخارجية.
تستعد إسرائيل لعدد من السيناريوهات المتطرفة المستقبلية، التي من شأن الخطوات الفلسطينية أن تدفعها قدماً، مثل فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، وسحب الاستثمارات من إسرائيل. وحتى سيناريوهات سيطلب من المستوطنين في إطارها الحصول على تأشيرة لدخول أوروبا. مع ذلك، قدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع بأن هذه السيناريوهات لن تتحقق في المدى المنظور للعيان: “الخطوة الفلسطينية ستؤدي إلى أجواء فكرية ضد إسرائيل في الدول المختلفة وتشجع من يؤيدون الرواية الفلسطينية”، وأضاف: “للقرارات القانونية ضد إسرائيل أهمية كبيرة، لكن احتمالية أن تقرر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي كهيئات فرض مثل هذه العقوبات، ضعيفة. هذا صحيح حتى الآن، كما يريد الفلسطينيون منا الاعتقاد”.
خلال بضعة أشهر، قد يبدأ الـ 15 قاضياً في محكمة العدل في لاهاي، الذين يمثلون 15 دولة، في صياغة الرأي الاستشاري في موضوع التداعيات القانونية لاستمرار الاحتلال. قد يستمر هذا الإجراء سنة أو سنتين، ولا يحتاج القرار إلى تأييد إجماعي للقضاة لهذه الوثيقة. تقف على رأس طاقم القضاة الرئيسة جوان دونهيو من الولايات المتحدة.
تنتقد إسرائيل محكمة العدل الدولية في لاهاي دائماً، وتقول إن قرارات القضاة تمثل المواقف السياسية للدول التي جاءوا منها. “لقد رأينا في السابق بشكل واضح مدى تأثير دولة منشأ القاضي على القرارات التي تعطى. لا يمكن تجاهل ذلك”، قال للصحيفة مصدر إسرائيلي.
إذا كانت هناك وبحق أهمية لهوية الدول التي جاء منها القضاة، قد تجد إسرائيل نفسها في مكان متدن. سبعة قضاة جاءوا من دول صوتت مع اقتراح الفلسطينيين لطلب رأي من المحكمة (روسيا والمغرب والصومال والصين وجامايكا وأوغندا ولبنان). وأربعة قضاة آخرون جاءوا من دول امتنعت عن التصويت (سلوفاكيا واليابان والهند والبرازيل)، وأربعة قضاة فقط هم من دول صوتت ضد الاقتراح (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وأستراليا).
هآرتس