هارتس : نقل القذائف من إسرائيل إلى أوكرانيا يشير إلى سلّم الأولويات الأميركية

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


تشكل مخازن الطوارئ التي يحتفظ بها الجيش الأميركي في إسرائيل منذ التسعينيات دعامة رمزية مهمة وعملية للعلاقات بين الدولتين. والاحتفاظ بعتاد عسكري ووسائل قتالية في إسرائيل هدفه مساعدة الأميركيين في وقت الحرب. لكنه أيضاً يحمل رسالة إلى إسرائيل، اختارت إدارة بوش وأوباما التشديد عليها بعد حرب لبنان الثانية [حرب تموز2006]. من جهة، الولايات المتحدة حريصة على ألا تكون إسرائيل من دون سلاح وقطع غيار ضرورية في حال اندلعت حرب كثيفة (تخوُّف برز في نهاية الحرب في سنة 2006، وفي نهاية عملية «الجرف الصامد» في قطاع غزة في سنة 2014). ومن ناحية ثانية، توطيد التنسيق العسكري بين البلدين. ومن الصعب أن تتوقع إسرائيل مساعدة أميركية كهذه مثلاً إذا قررت مهاجمة منشآت نووية في إيران من دون الاتفاق مسبقاً مع واشنطن.
على هذه الخلفية، تبرز الخطوة غير المسبوقة التي تحدثت عنها «نيويورك تايمز». ووفقاً للصحيفة، فتحت الولايات المتحدة قبل بضعة أشهر مخازن الطوارئ التي تحتفظ بها في إسرائيل، بموافقة الحكومة السابقة، من أجل نقل عشرات الآلاف من القذائف المدفعية إلى أوكرانيا. أكدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الخبر، لكنها تدّعي أن القرار الأميركي يعكس مسألة مركزية أُخرى - حاجة أوكرانيا الماسة إلى التزود الكثيف بالسلاح والعتاد بسبب الحرب الروسية. وتزداد هذه الحاجة حدّةً، في ضوء رفض إسرائيل تزويد أوكرانيا بسلاح هجومي، على الرغم من توسُّل كييف وانتظار واشنطن. الحكومة الحالية، مثل سابقتها، تتخوف من إعطاء أوكرانيا سلاحاً هجومياً، لأنها لا تريد الدخول في مشاكل مع موسكو.
على الرغم من ذلك، فإنه يجب أخذ الإطار العام في الحسبان. فقد عادت إسرائيل في الأشهر الأخيرة إلى الحديث عن إمكانية شنّ هجوم أحادي الطرف على منشآت نووية في إيران.
ورئيس الحكومة السابق نفتالي بينت تباهى بأنه أعاد الجيش الإسرائيلي إلى مسار الإعداد للهجوم، كما تحدث رئيس الأركان المنتهية ولايته أفيف كوخافي في مقابلات وداعية عن تحسُّن القدرات، كما أكثر رئيس الحكومة الجديد مؤخراً من الكلام عن التهديد الإيراني.
القرار الأميركي فتْح المخازن في إسرائيل يدل على جدول أولويات الإدارة الأميركية: أوكرانيا أولاً، وبعدها الجبهات الأُخرى. وتلمّح الولايات المتحدة، على الأقل بصورة غير مباشرة، إلى أنها لا ترى أن إسرائيل بحاجة مُلحة إلى الاستعداد لحرب مباشرة يمكن أن تنشب على الحدود مع لبنان أو سورية، إذا قصفت إيران.
لا تملك إسرائيل بطاقة مفتوحة من واشنطن لشنّ هجوم على إيران، والأميركيون والأوروبيون لا يعتقدون أن هذه أولوية على جدول الأعمال. حتى أن أصدقاء إسرائيل في الغرب يعترفون بأن إيران قامت بخطوات مهمة مؤخراً، للحصول على قدرة على إنتاج قنبلة نووية (اليوم لديها كميات من اليورانيوم تكفي لإنتاج 4 قنابل على درجة تخصيب منخفضة 20% و60%، بدلاً من 90%).
لكن القرار الأميركي يشير أيضاً إلى عدم وجود خطر في المرحلة الحالية لتوقيع اتفاق نووي جديد حذّرت منه الحكومات الإسرائيلية، لسببين: القمع الوحشي والدموي لاحتجاج الحجاب في إيران، وتزويد روسيا بمئات المسيّرات الإيرانية. في مثل هذه الظروف، فإن إدارة بايدن وشركاءها في أوروبا غير مهتمين كثيراً بالعودة إلى الاتفاق.

هرتسي يستعد
للمواجهة في الضفة
خلال الـ19 يوماً الماضية، منذ بداية السنة الجديدة، قُتل 17 فلسطينياً في الضفة الغربية. اثنان قُتلا فجراً في عمليات للجيش في جنين، أحدهما ناشط مسلح في «الجهاد الإسلامي».
وهذه نسبة إصابات أكثر من الضعف، مقارنة بالسنة الماضية. رئيس الأركان الجديد هرتسي هليفي، الذي اختار الضفة للقيام بجولته الأولى بعد تسلُّم منصبه الجديد، لم يسمع تقديرات إيجابية من قيادة المنطقة الوسطى، ومن شعبة الاستخبارات في الجيش، ومن الشاباك.
في 3 آذار الماضي، نشبت موجة من العمليات «الإرهابية» في الضفة وضمن حدود الخط الأخضر، ولأنها لم تُخمَد بعد، توصف بأنها ظاهرة دائمة من الصعب التغلب عليها. عدد التحذيرات من الهجمات لا يزال مرتفعاً جداً. وتشير عناصر الاستخبارات إلى أن السلسلة الطويلة من الهجمات هي بالأساس من صنع «ذئاب وحيدة»، إلى جانب عدد قليل من الهجمات التي قامت بها تنظيمات «إرهابية». في المقابل، الجمهور الفلسطيني الواسع لا يشارك تقريباً في العنف، والتظاهرات الكبيرة تبدو بعيدة في هذه الفترة.
عمل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في المناطق الواقعة جنوب نابلس يبدو معقولاً جداً. المشكلة هي في نابلس، والمشكلة الكبرى في جنين، المدينتين اللتين تتخوف السلطة من إدخال قواتها إليهما.
نسبة ضئيلة من منفّذي الهجمات، لكن بارزة، هي من هذه الأجهزة. ومن المحتمل أن هذا الأمر يعود إلى الشعور بالإحباط جرّاء تقليص 20% من رواتب عناصر الأمن الفلسطيني. وتجدر الإشارة إلى أن الفلسطيني الذي أطلق النار مرتين على قوة من الجيش الإسرائيلي وعلى باص إسرائيلي شمالي الخليل، وقُتل، أول من أمس، كان عنصراً في الأجهزة الأمنية للسلطة.
حددت المؤسسة الأمنية الحرم القدسي وبداية شهر رمضان في نهاية آذار بأنهما المكان والموعد اللذان يمكن أن ينطلق منهما الانفجار المقبل الكبير في الساحة الفلسطينية.
هذا الأسبوع وقع حادث غير مسبوق في الحرم القدسي، عندما أوقف شرطي إسرائيلي السفير الأردني في إسرائيل ومرافقيه بالقوة لدى محاولتهم زيارة المسجد الأقصى. وادّعت الشرطة أنه لم يتم التنسيق بشأن الزيارة، وثمة شك في أن تكون استفزازاً أردنياً مقصوداً. وفي ضوء التاريخ الملبّد بين رئيس الحكومة نتنياهو والملك عبد الله، فإن العلاقات بين البلدين غير مستقرة وحساسة إزاء أيّ تصعيد.
بالإضافة إلى ذلك، يتخوف المسؤولون في إسرائيل أيضاً من نشوب نزاعات بين بؤر استيطانية وقرى فلسطينية؛ أو هجوم مستوطنين متطرفين على مساجد، أو على مواطنين فلسطينيين؛ وأيضاً التأثير المحتمل للخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومة الجديدة على الأرض، مثل تشريع بؤر غير قانونية، أو هدم مبانٍ فلسطينية في المنطقة ج الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.

عن «هآرتس»