اسرائيل "دولة عضو" تمنع الفرح

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم : حمدي فراج

 

 

قضايا صغيرة، تكاد لا ترى بالعين المجردة ، تثير الناس اكثر بكثير من القضايا الكبيرة التي تحتل مساحات واسعة ورئيسة في وسائل الاعلام، على أهميتها، فلقد تحرر مؤخرا الاسير الفلسطيني"الاسرائيلي" ماهر يونس بعد انتهاء مدة محكوميته البالغة اربعين سنة ، وهو رقم مهول، لم يسبقه اليه في العالم أحد من قبل الا ابن عمه رفيقه في الدرب والمهمة كريم يونس، الذي وصف الحدث – حدث التحرر – بتحرر نصفه الآخر ، النصف الآخر من البرتقالة، وفق سميح القاسم ومحمود درويش .وإذا كانت برتقالة سميح ومحمود من الرامة والبروة الجليليتين، فإن برتقالة ماهر و كريم من عارة وعرعرة ، واذا كانت برتقالة سميح ومحمود برتقالة شعرية لغوية ابداعية فكرية ، فإن برتقالة اليونسين برتقالة نضالية تضحوية ايثارية، لكن كلا البرتقالتين جابت أصداؤهما العالم ، واحتلتا مكانا بارزا في صدر الفاكهة العالمية كبرتقال يافاوي أرّخ له الفكهاني القدير غسان كنفاني في "ارض البرتقال الحزين" ، و حفرت بالتالي البرتقالتان مكانهما في صخر تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر ضد الاستعمار والاحتلال والعنصرية .
ما همّ الناس أكثر من تحرر ماهر وكريم – وما هو بتحرر، بل انتهاء مدة محكوميتهما باليوم والساعة ، هو منع الفرح . هل هناك عاقلان في العالم قاطبة يتفقان على تأييد مثل هذا القرار ان تمنع أسيرا امضى من عمره أربعين حولا ، من ان يفرح فيسري قرار المنع على عائلته او بالادق من تبقى من عائلته وابناء قريته وجماهير شعبه، على اعتبار انه لم يعتقل في قضية جنائية او مصلحة شخصية. إن هذا مناف للنواميس والطبيعة، انه أشبه الى ان يتدفق الماء الى أعلى ، واشبه ان تكون جاذبية الاشياء سماوية لا ارضية ، وان يسبح السمك في الرمل بدلا من الماء . انا شخصيا لا اعرف كم تبقى من القضاة الذين اصدروا الاحكام بحق اليونسين قبل اربعين سنة على قيد الحياة ، لنسألهم إن كان قرارهم يتضمن منع الفرح بعد انتهاء مدتهم ، الا يفترض ان الاسير بعد انتهاء مدة عقوبته ان يكون قد دفع ثمن ما ارتكبت يداه بحق المجتمع والقانون ، فيأتي شخص مثل بن غفير وأضرابه فيجدد الحكم ويغلظه بأن يمنع فرح اسير في يوم خروجه ؟ . هل يكون بن غفير قد قرأ افكار القضاة يوم اصدار الحكم على الاسيرين من انهما لن يعيشا اربعين سنة وانهما سيقضيان داخل القيد ، ولا داعي بالتالي لتضمين القرار منعهما من الفرح . ما الفرق بين دولة اسرائيل ودولة طالبان في افغانستان التي تمنع المرأة من العمل والفتاة من الذهاب للمدرسة او إظهار شعرها ووجهها ، كلتاهما حكومات تمنع الفرح ، طالبان لاسباب دينية عقائدية واسرائيل لاسباب سياسية. ولو كان اليونسين قضيا في السجن لأقدمت اسرائيل على احتجاز جثامينهما في ثلاجاتها كما فعلت حكومة لابيد مع ناصر ابو حميد ، لا لكي تعاقبه، بل لكي تمنع امه من فرحة أخيرة حزينة .