هارتس : الحرب في أوكرانيا صورة لما ينتظر إسرائيل

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



«لا نحتاج إلى تخيُّل الحرب المقبلة؛ إنها هنا أمامنا»، هذا ما يشير إليه مستند داخلي تم توزيعه مؤخراً في قيادة هيئة الأركان العليا، والمقصود طبعاً الحرب في أوكرانيا.
فاجأ الأوكرانيون العالم، وحتى أنفسهم، عندما نجحوا في وقف الاجتياح الروسي لأراضيهم خلال الشتاء الماضي، ومنعوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تنصيب حكومة دمى في كييف. إلّا إن الحرب الأكثر إجراماً التي شهدتها أوروبا خلال القرن الحالي، لا تزال مستمرة بعنف، وتحصد الضحايا.
والأسوأ من ذلك، يبدو أن بوتين يخطط لهجوم في الربيع، وسيحاول مرة أُخرى إخضاع أوكرانيا، التي تأمل بمساعدتها بوساطة جسر جوي كبير من الغرب، يتضمن للمرة الأولى مئات الدبابات، بهدف التصدي للمحاولة المقبلة. وكجزء من المساعدات، نشرت «نيويورك تايمز» هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة ستحوّل الكثير من الأسلحة الموجودة في مخازن المساعدات في إسرائيل، إلى هناك، وأرسلت إلى أوكرانيا عشرات الآلاف من قذائف الدبابات.
الحرب في أوكرانيا مهمة بالنسبة إلى إسرائيل على صعيدين: الأول، هو التغيير الاستراتيجي في الساحة الدولية والشرق الأوسط. فالحرب أرغمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تبنّي سياسة أكثر حزماً ضد التوسع الروسي، وركزت اهتمام الغرب في شرق أوروبا (بالإضافة إلى الصين) على حساب الشرق الأوسط، كما أدت إلى حلف ما بين موسكو وطهران. المساعدة الإيرانية في الجهد الحربي الروسي استفزت الغرب، ويبدو أنها قضت على احتمالات العودة إلى الاتفاق النووي.
ثانياً، تحولت أوكرانيا إلى مختبر قتال كبير جداً، فأغلبية جيوش العالم تتابع ما يجري فيه، بهدف معرفة الاتجاهات المستقبلية. المستند العسكري الداخلي يلخص عدة ظواهر مركزية من المؤكد أنها ستكون محسوسة أيضاً في حروب إسرائيل، إذا اندلعت.
إذ يحدد، وبلغة عسكرية واضحة، بعض الاتجاهات التي شهدت تطورات كثيرة: الدقة (بما معناه إنتاج أكبر لقذائف ومسيّرات يمكن توجيهها إلى الأهداف بدقة)؛ كثافة الطبقة القريبة من الأرض (أي إغراق السماء بالكثير من المسيّرات على علوّ منخفض)؛ الحرب الإلكترونية؛ الحملات على الوعي؛ استعمال الذكاء الاصطناعي والحاجة إلى الدفاع عن القوات العسكرية.
بحسب كتاب المستند، فإن الحرب تنتقل «من ساحة المعركة إلى منطقة المعركة» - أي أنها تتوسع على مساحة أكبر، وضمنها مناطق مدنية آهلة كثيفة البناء. كما أنها تتحول إلى «متعددة الأبعاد والأذرع» - أي أنها تحدث تحت الأرض وفي السماء، وتندمج فيها عدة أشكال من القتال. هذا كله سيكون له أهمية في خطط بناء قوة الجيش، بقيادة قائد هيئة الأركان الجديد هرتسي هليفي الذي تولى منصبه، الأسبوع الماضي.
رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته أفيف كوخافي، بدأ ولايته قبل أربعة أعوام بسلسلة طويلة من الورشات في الأذرع المختلفة والهيئات، وفي ختامها، صاغ خطته الطموحة المتعددة الأعوام «تنوفا». بحسب رؤية كوخافي، الجيش استند إلى دمج قاتل للاستخبارات، والتكنولوجيا المتطورة والنيران الدقيقة، بالإضافة إلى نجاعة تجميع الأهداف والهجوم.
وكعامل مساعد، تمت تقوية المناورة البرية قليلاً. وهنا، يوجد خلاف ما بين كوخافي، الذي يعتقد أنه قام بثورة في هذا المجال، وبين منتقديه الذين يدّعون أن البنية مفككة جداً، بسبب ضعف بعض وحدات الاحتياط، وهو ما سيمنع تحقيق الأهداف في حالة الحرب. السؤال الإضافي في حالة الحرب يتعلق بموقف الحكومة والمجتمع من الحرب الشاملة. هل ستؤدي الأضرار على الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى دعم، وحتى مطالبة بخطوة هجومية واسعة يقوم بها الجيش، على الرغم من الخسائر الناجمة عنها؟
ولاية هليفي ستكون استمرارية. فهو يعلم بأن جزءاً من وظيفته سينصب على جعل بعض أفكار كوخافي الطموحة، التي لم يتم تطبيقها بالكامل وبقيت داخل وحدات النخبة، أكثر واقعية ومنتشرة في الوحدات البرية الكبيرة. في الأشهر الأولى، سيكون عليه الهروب من فخّين بانتظاره ومرتبطان ببعضهما بشكل أو بآخر: الأول، هو الأزمة السياسية الحادة، بسبب نيات الحكومة ضد النظام القضائي؛ أما الثاني، فيتعلق باحتمال التصعيد في الضفة الغربية، كنتيجة للتوتر مع الفلسطينيين، والذي يمكن أن يتصاعد بسبب الخطوات التي يدفع بها اليمين المتطرف في الحكومة. يمكن لإسرائيل أن تجد نفسها في ظل تصعيد مضاعف - داخلي بسبب الوضع السياسي، وعسكري مقابل الفلسطينيين. وفي هذه الظروف، يمكن لهذا المزيج أن يؤثر في الدافع إلى الخدمة العسكرية، وبصورة خاصة في وحدات الاحتياط.
كان كوخافي على أعتاب انتفاضة ثالثة العام الماضي. لم تحدث، لكن الضفة تعيش حالة ثابتة من المواجهة على درجة متوسطة، تتطلب من الجيش التركيز وتحويل الموارد أكثر فأكثر. في سنة 2018، وخلال نهاية ولاية غادي أيزنكوت كرئيس لهيئة الأركان، تفاخر الجيش بعودته إلى نموذج 17:17، أي أوقاتاً متساوية من التدريب والعمليات في الوحدات البرية والدبابات.
في العام الماضي، انخفضت وتيرة التدريبات بالتدريج، بسبب التصعيد في الضفة الغربية.
هيئة الأركان تأمل هذا العام، وفي أفضل الأحوال، الوصول إلى 12 أسبوع تدريب في الوحدات القتالية - معطى قليل جداً. هليفي الذي يميل إلى كونه محافظاً بكل ما يخص بناء القوة، سيكون عليه الانشغال بالفيل داخل الغرفة: نموذج التجنيد الحالي الذي لم يعد ملائماً لمتطلبات الجيش، ويعاني جرّاء مشاكل على طول الطريق - التجنيد، والتوقيع على خدمة ثابتة، ومنظومة الاحتياط.
مركز «القدس للاستراتيجيا والأمن» عقد، مؤخراً، ندوة تحت عنوان «أزمة منظومة الاحتياط: هل نحن مستعدون للحرب المقبلة؟» آراء الكثير من المشاركين، من جنرالات سابقين وقادة وحدات في جيش الاحتياط، كانت متشائمة بشكل ملحوظ. المتحدث الرسمي الوحيد من طرف الجيش الجنرال ساعر تسور، لم ينضم إلى الإقرار بأن الحديث يدور عن أزمة، إنما اعترف بوجود صعوبات.
يعي الجيش حجم الضغط على عدد قليل من جنود الاحتياط - 1% فقط من المواطنين يخدمون في جيش الاحتياط بصورة فعلية، أي تمت دعوتهم لأكثر من 20 يوماً متراكماً للخدمة، خلال الأعوام الثلاثة الماضية (سقف منخفض جداً). بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يزداد التصعيد الأمني في الضفة، وهو ما سيزيد في الضغط على وحدات الاحتياط في العام المقبل.
الرسالة المركزية لتسور، بالتنسيق مع هليفي مسبقاً: الجيش يولي أهمية عالية لوحدات الاحتياط، والحاجة إليها ستستمر، ولا يخطط لأي تقليص إضافي في المنظومة خلال الأعوام المقبلة.

عن «هآرتس»