قوبل القرار الصادر يوم 18 كانون الثاني/ يناير الحالي عن المحكمة العليا في إسرائيل، الذي سبّب إقالة رئيس حزب شاس لليهود الأرثوذكس الشرقيين، أرييه درعي من منصبه وزيرا للداخلية والصحة في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، بعد أن قضى بأن "تعيينه غير معقول إلى أقصى حدّ"، من جرّاء إداناته الجنائية المتكرّرة، التي كان جديدها أخيرا إدانته بتهمة الاحتيال الضريبي في عام 2022، بردود فعل متعدّدة، لعلّ أبرزها التي جزمت بأن إسرائيل باتت منذ عدة أعوام دولة فاسدة، نظرا إلى أنه من ناحية التعريف الأكثر تداولا، فإن الدولة الفاسدة ليست التي ينخرها الفساد فحسب، بل بالأساس التي تتماشى مع الفساد وتسلّم به، ولا تحرّك ساكنا لمحاربته.
ومن يتابع ملف الفساد في إسرائيل، يجد أن الأعوام الأخيرة شهدت ذروة في فساد الواقفين على رأس النظام فيها. على سبيل المثال، منذ 1996 لم يكن رئيس حكومة واحد إلا ارتبط اسمه بقضايا فساد، وحُقِّق معه بشأنها، ومن بينهم رئيس حكومة، هو إيهود أولمرت، أدّت التحقيقات إلى تقديمه إلى المحاكمة وسجنه، فيما أفلت رئيس الحكومة الذي سبقه في هذا المنصب، أريئيل شارون، من لائحة اتهام إثر سقوطه على فراش المرض في غيبوبةٍ تامةٍ انتهت بموته، بينما حُكم بالسجن على نجله الأكبر في قضايا فساد ارتبطت باسم والده وحملاته الانتخابية، وواجه نجله الثاني ملفا بالفساد في قضايا والده.
أما رئيسا الحكومة الآخران، إيهود باراك وبنيامين نتنياهو، فقد خضع الأول لتحقيقاتٍ في قضايا فساد، ولكنها لم تنتهِ بتقديم لائحة اتهام، فيما انتهت التحقيقات مع الثاني بتقديم لوائح اتهام ما زالت قيد البحث أمام المحكمة، وتساهم في عدم الاستقرار السياسي.
وفي سياق جردٍ سريعٍ، يتبيّن أن رئيسَي دولة سابقَين اضطرا إلى تقليص ولايتيهما أو تجميدهما: الأول عيزر وايزمان، بسبب قضايا فساد، والثاني موشيه كاتساف بسبب قضايا أخلاقية حكم عليه بسببها بالسجن سبعة أعوام. وممن سُجنوا كذلك، وزير المال السابق، أبراهام هيرشزون، ووزير الصناعة والتجارة السابق، شلومو بنيزري، جرّاء إدانتهما في قضايا فساد مالي، وسبقهما الوزير أرييه درعي نفسه، الذي تحرّر من خلف القضبان قبل عدة أعوام، وكذلك حكم على الوزير السابق، حاييم رامون، بالعمل لخدمة الجمهور في قضية أخلاقية، وحكم بالسجن الفعلي وغير الفعلي على ما لا يقل عن سبعة نواب.
وارتبط اسم أفيغدور ليبرمان، الذي شغل عدة مناصب وزارية، أبرزها الدفاع والخارجية، بتحقيقات في قضية وصفت بأنها خطيرة، وتتعلق بتسلّم أموال بملايين الدولارات عبر شركاتٍ وهمية، وكما يبدو لها ارتباط بعصابات دولية، وحتى بعصابات تعمل في تبييض الأموال، وهي قضية متشعبة، وصلت أطرافها إلى دول عديدة، وخصوصا قبرص وروسيا.
وفي موازاة ذلك، قدّمت سلسلة من لوائح الاتهام ضد مسؤولين كبار في عدد من مؤسسات الدولة، بشكل خاص ضد السكرتيرة الخاصة لرئيس الحكومة السابق، أولمرت، وضد مسؤولين في سلطة الضرائب وغيرهم.
ثمّة عوامل كثيرة لتعاظم الفساد في إسرائيل، وبالارتباط تحديدا بالتسعينيات لا بدّ من الإشارة إلى اتباع طريقة الانتخابات المباشرة لرئيس الحكومة التي ألغيت لاحقا، واتباع الانتخابات التمهيدية (برايمريز) لقوائم المرشّحين في معظم الأحزاب، وأسهم تضافر هذين العاملين في زيادة تبعية السياسيين للتبرّعات المالية. وعمليا، في الوسع القول إن المال أضحى، منذ التسعينيات، بمثابة الشرط الضروري للانتخاب ضمن قائمة مرشّحي الحزب للكنيست، فضلا عن الوقوف على رأس الحزب وفوزه في الانتخابات.
غير أنه بموازاة تبعية السياسة المتزايدة للمال، لم تُبنَ وسائل وأدوات ملائمة لمحاربة الفساد السياسي، من قبيل بلورة نظام من القيود القانونية والعقوبات المناسبة، أو اعتماد آليات شفافية. وبخصوص الأخيرة، تمنح منظمة الشفافية الدولية إسرائيل سنويا تدريجا متدنيا جدا في كل ما يتصل بالشفافية والرقابة على ميزانية الأمن والأنشطة الأمنية! عن "عرب ٤٨"