يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعلم الحرد من الإخوان العرب، فهو لا يحتمل النقد بتاتاً على مواقف وسياسات دولته وحكومته، سواء من أصدقائه المقربين الذين يتغزلون كل الوقت بالاحتلال ويدعمونه بالباع والذراع، أو من الدول التي تكره إسرائيل وتتحفظ على سياساتها.
قبل أيام عديدة كان نتنياهو يسب ويشتم الحكومة السويدية على موقف وزيرة الخارجية مارغو وولستروم التي دعت إلى التحقيق في استهداف الفلسطينيين بدون محاكمات إسرائيلية كون ذلك يحدث خارج إطار القانون، ولا ينفك رئيس الحكومة الإسرائيلية في انتقاد تصريحات وولستروم ويعتبرها «تدعو للغضب ولا أخلاقية وغبية».
تصريحات وولستروم هذه قوبلت في إسرائيل بشجب واستنكار، لأنها تتعارض مع السياسات العنصرية الإسرائيلية التي تنتهج التطرف خطاً استراتيجياً لاستهداف الفلسطينيين ومشروعهم الوطني التحرري، واليوم وزيرة الخارجية السويدية ممنوعة من زيارة إسرائيل.
لا يتوقف الأمر عند السويد فحسب، إذ وجه السفير الأميركي لدى إسرائيل دان شابيرو انتقادات لاذعة إلى الحكومة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن على تل أبيب أن تتوقف عن بناء المستوطنات وأن تنظر بحزم إلى تصرفات الإسرائيليين الذين يأخذون القانون بيدهم في الضفة الغربية.
وفي الوقت الذي كان شابيرو ينتقد فيه السياسات الإسرائيلية خصوصاً في موضوع الاستيطان، كانت الأخبار تتسرب حول نية السلطات الاحتلالية الإسرائيلية مصادرة 500 دونم من الأراضي الزراعية بالقرب من أريحا في منطقة غور الأردن، في أكبر عملية نهب للأراضي الفلسطينية منذ شهر آب الماضي.
وتتزامن تصريحات السفير الأميركي لدى إسرائيل، مع موقف الاتحاد الأوروبي الذي أصر يوم الاثنين الماضي على وضع الملصقات التي تميز بين السلع الإسرائيلية وسلع المستوطنات، وحتى هذا الموقف أثار حفيظة نتنياهو وجعله يدعو إلى ضرورة ضبط العلاقات مع أوروبا.
التصريحات والمواقف الأوروبية والأميركية أعلاه جيدة وتستحق الإشادة إلا أنها غير كافية، بدليل أن إسرائيل ترد عليها وتقابلها بزيادة التطرف ضد الفلسطينيين، وهذا السبب يعود إلى أن تلك الدول لم تشهد تحولات من شأنها أن تؤثر سلباً على إسرائيل وصورتها أمام العالم.
القصد أن تصريحات وزيرة الخارجية السويدية وإن كانت ممتازة وتنتصر للفلسطينيين ضد السياسات الإسرائيلية العنصرية، إلا أنه ينبغي أن يقابلها موقف سويدي جدي ضد إسرائيل وليس فقط مجرد انتقادات غير مرتبطة بتحرك على الأرض، كتخفيض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أو قطعها على أبعد تقدير.
أضف إلى ذلك أن قرار الاتحاد الأوروبي هذا يشكل موقفاً لدى الأوروبيين ضد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبالرغم من ذلك لم يعمل الاتحاد الأوروبي على لجم إسرائيل وثنيها عن مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية.
ثم إن موضوع وضع ملصقات على بضائع المستوطنات الإسرائيلية لن يؤثر أبداً على العلاقات الاقتصادية الأوروبية- الإسرائيلية، ذلك أن صادرات إسرائيل من المستوطنات في الضفة والجولان لا تتجاوز نصف في المائة من صادرات الدولة العبرية إلى الاتحاد الأوروبي والتي تقدر بحوالي 45 مليار دولار.
أما بخصوص تصريحات السفير شابيرو، فإنها تعكس موقف الولايات المتحدة الأميركية التي تنتقد سياسات إسرائيل في الاستيطان وتسمينها طوال الوقت، غير أن الإدارة الأميركية لم تحرك ساكناً فيما يتعلق بهذا الموضوع، ولا حتى في موضوع الضغط على تل أبيب لوقف استهداف الفلسطينيين.
ما يجري هو أن الغرب يريد أن يتحرر ولو قليلاً من المسؤولية الأخلاقية تجاه الأفعال الإسرائيلية الشائنة في فلسطين المحتلة، لأن هذا الغرب يدرك أنه عاجلاً أم آجلاً سوف لن تبقى هناك أراضٍ فلسطينية تستوطنها إسرائيل في ظل هذه الهجمة الشرسة على الأراضي الفلسطينية.
ويبدو أن هذا الغرب أصبح يدرك أن موضوع خيار الدولتين أمر غير واقعي في ظل التراخي الدولي عن الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والاستفراد الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية بما يجعله يستنزف مقومات الفلسطينيين دون رقيب أو حسيب.
إن إسرائيل تشعر بالخيبة من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا إزاء موقفهم من الملف النووي الإيراني، وهي متخوفة من أن تمتلك طهران ذات يوم قنبلة نووية، ولذلك متأكدة إسرائيل تمام التأكد أن الموقف الغربي لن يتجاوز حدوده في التعامل مع الدولة العبرية.
حتى تسترضي الولايات المتحدة إسرائيل لتعويضها عن الاتفاق النووي الإيراني، أعلنت عن زيادة الدعم السنوي لها، ووعدتها بتقديم مساعدات عسكرية سخية وتستهدف أسلحة جد متطورة، وفي الموضوع السياسي لا يوجد من شيء تقدمه واشنطن غير استخدام بعض المفردات النقدية ضد إسرائيل، موجهة فقط للرأي العام والإعلام ولا تعبر عن جوهر الموقف الأميركي الذي يدعم تل أبيب بقوة.
وحتى ساعة مغادرة أوباما عن السلطة، تمتلك إسرائيل مساحة من الوقت الذهبي الذي يجعلها تسرح وتمرح في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والموقف الأوروبي غير قادر على تجاوز الموقف الأميركي، فيما يتعلق بطبيعة التعامل مع إسرائيل.
وفي كل الأحوال إسرائيل ماضية في مشروعها الاستيطاني الإحلالي في الضفة الغربية، حيث إنها اليوم باتت تستخدم المستوطنات باعتبارها رأس الحربة في قتل واستهداف الفلسطينيين، خصوصاً وأن غلاة المتطرفين اليهود ورعاعهم من المستعمرين يقطنون تلك المستوطنات وينفذون مشروع الحكومة الإسرائيلية في ترويع الفلسطينيين وترحيلهم عن أراضيهم، واعتبار المستوطنات مثل الجدار العنصري الذي يفصل الديمغرافيا الفلسطينية عن نظيرتها الإسرائيلية.
إذا كان الاتحاد الأوروبي صادقاً بالفعل في موقفه إزاء رفضه للاحتلال الإسرائيلي على أراضي 1967، فإن عليه أن يقدم موقفاً يمس كبرياء وعنجهية إسرائيل، وليس فقط أن يقرصها قرصة لا تكاد تفعل شيئاً، والأولى في هذا الوقت الحساس أن يقوم الغرب والمجتمع الدولي بمسؤولياته الأخلاقية لمنع ابتلاع كامل الضفة الغربية.
هناك مثل قديم يقول إن «الرجل يربط من لسانه»، لكن هذا المثل لا ينطبق حقيقةً على عالم السياسة التي لا تعتبر الأخلاق مقياساً أو مؤشراً لنجاحها، وهذه هي إسرائيل تمارس العنصرية اليومية ضد الفلسطينيين، والساحة متروكة للاتحاد الأوروبي وغيره من الدول التي يمكنها إن أرادت، أن تؤلم إسرائيل فعلاً وقولاً
-